أحمد مصطفى
يشير الخطاب السياسي المتبادل بين روسيا والغرب حول الحرب بأوكرانيا، إلى أن هذا الصراع ممتد لفترة قد تطول بأكثر من توقعات الكثيرين. ولذلك تأثيرات وتبعات كثيرة، لكن أهمها يظل في قطاع الطاقة – ليس بالنسبة إلى روسيا وأوروبا فحسب، بل على العالم أجمع.
تزيد أهمية تأثير الصراع على قطاع الطاقة مع دخول فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي، وزيادة الطلب الموسمي تقليديا على زيت التدفئة والكهرباء، التي ما زالت في أغلبها تأتي من محطات توليد تعمل بالغاز.
في تقريره ربع السنوي الصادر، الأسبوع الماضي، حذر بنك التسويات الدولي (الذي يوصف بأنه بنك البنوك المركزية) من أن خيارات بريطانيا لتوفير بدائل لوارداتها من الطاقة الروسية محدودة. ولا يتعلق الأمر بالغاز الطبيعي فحسب، الذي تستخدمه موسكو أيضا كسلاح في الصراع للضغط على أوروبا، التي تساعد أوكرانيا مع الولايات المتحدة وبريطانيا. بل إن خفض واردات النفط لأوروبا من روسيا، ليست هناك سعة إنتاج فائضة في العالم لتعويضه.
رغم أن أزمة الطاقة، خاصة بأوروبا، ستعني مزيدا من إجراءات التقشف، وربما حتى أضرار بشرية نتيجة البرد القارس في الشتاء، إلا أن ذلك يضر بروسيا أيضا. فعائدات النفط تشكل الجزء الأكبر من مصادر الدخل الروسي من صادرات الطاقة (غاز ونفط وفحم). فروسيا تصدر أكثر من 7 ملايين برميل يوميا من الخام، وأكثر من مليون من المشتقات المكررة. كما أن شركات مثل «روزنفت» و«لوك أويل» تملك عددا من المصافي الرئيسية للنفط في دول أوروبا.
صحيح أنه منذ بدء حرب أوكرانيا، وتراجع استيراد أوروبا من روسيا بنحو مليون برميل يوميا من النفط، وجدت موسكو مشترين آخرين لنفطها. إذ زادت الهند والصين وارداتها النفطية من روسيا، ربما بهذا القدر ما جعل العائدات الروسية لا تتأثر حتى الآن. لكن اتفاق دول أوروبا على حظر استيراد النفط الروسي تماما بنهاية هذا العام، سيعني حاجة روسيا إلى تصريف ما يزيد على مليون برميل يوميا أخرى من إنتاجها، كي لا تنهار عائداتها في وقت تشتد العقوبات الغربية عليها.
لن يكون ذلك سهلا على روسيا، خاصة في ظل احتمال فرض أمريكا والغرب سقف سعر على النفط الروسي – وهو اقتراح يبدو غير عملي حتى الآن. لكن حتى بدون سقف السعر، فإن روسيا قد تضطر إلى خفض إنتاجها النفطي، إذا لم تجد منافذ تصدير. وتلك مشكلة أخرى، إذ إن الآبار التي تتوقف عن الإنتاج تحتاج إلى إعادة تأهيل بعد ذلك ربما تستغرق سنوات.
ربما تتحمل الأسواق العالمية غياب مليوني برميل يوميا من النفط الروسي عن المعروض العالمي، فهناك سعة إنتاج إضافية بالسعودية والإمارات تكفي لتعويض هذا النقص، بما يحافظ على توازن السوق. لكن المشكلة ستكون في انهيار الطلب العالمي نتيجة الركود الاقتصادي، واستمرار روسيا في الإنتاج، البيع بأسعار تفضيلية مخفضة لزبائنها التقليديين والجدد في غير أوروبا – حتى بدون حظر سقف السعر..
وليس لدى أوروبا مورد إقليمي مهم للنفط والغاز سوى النرويج. وتنتج النرويج بأقصى طاقتها منذ ثمانية أشهر، لكن قدرتها على توفير البديل لمصادر الطاقة الروسية لا تصل إلى ثلث تلك الواردات الأوروبية.
من السهل طبعا الحديث عن تطوير بدائل للطاقة، وأيضا التحول من مصادر الطاقة التقليدية إلى الطاقة المتجددة. لكن ذلك يحتاج إلى سنوات طويلة، فيما تواجه أوروبا أزمة حادة بعد شهر أو شهرين. حتى محطات توليد الطاقة التي تعمل بالطاقة النووية تشهد تراجعا، إما لإغلاق بعضها، بسبب وصولها إلى نهاية العمر الافتراضي للمفاعلات، أو للصيانة نتيجة الأعطال أو حتى بسبب انخفاض منسوب المياه في الأنهار، التي أقيمت عليها وتستخدم مياهها في التبريد. والعالم الأخير سببه موجة الجفاف التي ضربت أوروبا وارتفاع درجات الحرارة، ما يجعل المياه غير صالحة تماما لتبريد المفاعلات.
ربما كانت الولايات المتحدة هي المستفيد الأكبر، بشكل آني ومؤقت، لأنها زادت صادراتها من النفط والغاز في الأشهر الأخيرة لدول أوروبا، بنسب ما بين 10 و20 في المائة. وبالتالي زادت عائدات الشركات الأمريكية، خاصة التي تصدر شحنات الغاز الطبيعي المسال، وهو غالي الثمن عن الغاز الطبيعي الذي ينقل عبر خطوط الأنابيب.
وحسب الأرقام المختلفة من مصادر التحميل ومن وكالة الطاقة الدولية، فإن أمريكا استفادت من أزمة الغاز الأوروبية أكثر حتى من منتجي الغاز الكبار، مثل قطر وغيرها. مع ذلك، فإن كل ذلك قد لا يكفي لتدفئة أوروبا في فصل الشتاء القادم.
وحتى إذا تراجع الطلب وأصبح أقل بكثير من العرض وانخفضت الأسعار، فإن قدرة أوروبا على استخدام فائض المعروض في السوق العالمية محدودة. سواء من حيث محطات معالجة الغاز المسال وتحويله إلى غاز، أو وجود خطوط أنابيب إقليمية بين الدول الأوروبية التي تستقبل الشحنات، وتلك المستهلكة للغاز في داخل القارة. وإذا كانت بعض أنواع النفط الأمريكي قريبة من خصائص خام الأورال الروسي، الذي تعمل عليه أغلب المصافي الأوروبية، فإن ذلك أيضا غير كاف للحفاظ على تلبية احتياجات أوروبا كاملة.
نافذة
من السهل الحديث عن تطوير بدائل للطاقة لكن ذلك يحتاج إلى سنوات طويلة فيما تواجه أوروبا أزمة حادة بعد شهر أو شهرين