من «ووهان» إلى بنسليمان
يونس جنوحي
لا يمكن لمن تتبع ترقب عائلات العائدين الـ167 من الصين على مشارف مطار مدينة بنسليمان، إلا أن يتضامن معهم في هذه المحنة التي يسود فيها الترقب والانتظار.
آخر الأخبار القادمة من «ووهان» الصينية تقول إن مجهودات الحكومة الصينية لاحتواء الوباء وتطويق بؤر الإصابة وعزلها، لا تزال تعرف صعوبات كثيرة، رغم توفير مستشفيات ومراكز للكشف للاستجابة للطلب الكبير.
تتشدد جل الحكومات في الإجراءات الاحترازية لعدم دخول الفيروسات والأمراض إلى أراضيها، وطبعا تتفاوت درجات الاحتراز من دولة إلى أخرى. وقبل أن يشيع اسم «كورونا» في العالم، كانت الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2016 سباقة إلى سن إجراءات مشددة عززت بها خطها الدفاعي الأول في المطارات. وتمثل الإجراء في ضم أغذية ومنتجات إلى لائحة الممنوعات التي يحرم على المسافرين حملها معهم إلى داخل البلاد، حتى لو تعلق الأمر بحبة فاكهة موسمية في حقيبة مسافر. ورغم الاستياء الذي سجله مهاجرون من دول أمريكا اللاتينية، بسبب منع إدخال بعض الأغذية التقليدية والفواكه المحلية التي يحملونها معهم من بلادهم لإهدائها إلى الأقارب، إلا أن المنظمات الصحية لم تتخذ موقفا من الإجراء الاحترازي، لأنها تعلم جيدا أنه يتعين عليها احترام المخطط الأمني لحماية الحدود لأقوى دولة في العالم.
ورغم كل هذه الاحترازات، فإن الخوف من تسجيل إصابات بفيروس «كورونا» يقض مضجع الحكوميين في الولايات المتحدة، ومنها إلى بقية دول العالم بطبيعة الحال.
وُجهت اتهامات كثيرة للصينيين بخصوص انتشار وباء «كورونا»، لكنها للأسف تفتقر لأدلة علمية. فأسباب انتشار الوباء لا تزال مجهولة إلى اليوم، رغم الأخبار الكثيرة المتناسلة عن الأعراض الجانبية لتصنيع بعض الأغذية والمنتجات بطرق لا تلائم معايير السلامة التي توصي بها منظمة الصحة العالمية وهيئات حماية المستهلكين عبر العالم.
يصعب جدا ربط «فيروس كورونا» بتهاون صيني في الجانب المتعلق بالصحة العامة. الدول التي توجد بها كثافة سكانية تتجاوز المليار نسمة، تقدّر إكراه التحكم في هذه المؤشرات، التي تفشل حكومات دول العالم الثالث في ضبطها حتى لو كان عدد سكانها بضعة ملايين فقط.
وخلال اليومين الماضيين، انتشرت مقالات منسوبة لهيئات الأطباء الصينيين، تتحدث عن اعتبار الأطباء الصينيين أبطالا قوميين، بحكم التضحيات الجسام التي قاموا بها في إقامة معسكرات الكشف عن المصابين وتقديم الرعاية الصحية لهم، رغم إكراه انتقال الفيروس إليهم بحكم واقع مزاولة المهنة. وقد سجلت فعلا إصابات في صفوف بعض الأطباء الذين دخلوا إلى بؤر الإصابة، خلال الساعات الأولى لانتشار المرض، دون أن تكون لهم الدراية الكافية بمدى خطورة الحالات التي كانوا بصددها.
هؤلاء الأطباء هم الذين أشرفوا في المناطق الحدودية للصين على تأمين مغادرة بعض الرحلات الأولى للصين، وبها نازحون من جنسيات آسيوية فضلوا مغادرة البلاد قبل الانتشار الفعلي للوباء بالطريقة، التي تداولتها وسائل الإعلام الأجنبية.
لا تتوفر معلومات كافية إلى حد الآن، عن الخطة الصينية لإنهاء هذا المسلسل العصيب. رغم أن عددا من الاتفاقيات الدولية تضم بنودا بشأن تقديم الدعم الدولي لبعض الدول في حالة انتشار أوبئة قاتلة بها، إلا أن العالم حتى الآن يشاهد الصينيين وهم يتجندون لحماية المدن التي لم يصلها الوباء ويحاولون تطويق المنافذ لتقليص اتساع بؤرة الإصابة، رغم الانتقادات التي وجهت إلى الحكومة الصينية بخصوص المعاملة القاسية التي تعرض لها المصابون، والمتمثلة في الحجر عليهم ومنع الكثيرين من الالتحاق بنقاط العلاج، رغم ظروف بعضهم المتمثلة في الإصابة بالسرطان أو الضغط، ومنع لمسهم إلى حين حضور المتخصصين.
في هذه الأثناء، يقبع 167 مغربيا في أسرّة تخضع للمراقبة طيلة اليوم والليلة، وقلوب الجميع معلقة بالسماء حتى لا تسجل في أوساط هؤلاء المنقولين من الصين حالة من حالات الإصابة. لطف الله هو أشد ما تسأله الأسر وهي تتابع أخبار هذا العالم، الذي لا يكف عن إصابتنا بالصدمة مما يحدث.