من وحي الأربعاء الأسود
حسن البصري
في أحد أعدادها الأخيرة، خصصت صحيفة «إلباييس» الإسبانية حيزا كبيرا لموقعة ملعب الأمير مولاي عبد الله، وكشفت عن الخطر القادم من مدرجات الملاعب، مشيرة إلى دور صناع العنف في إفراز فرجة لا تكتمل إلا إذا أريق حول جوانبها الدم.
حذرت الصحيفة الإسبانية من انتشار رقعة العنف في فضاءات خصصت للإمتاع والمؤانسة، ونبهت إلى وجود تنسيق بين زعماء المشجعين في دول المغرب العربي، داعية إلى التعامل مع الظاهرة بحزم ويقظة، مضيفة أن لبلدان شمال إفريقيا النصيب الأوفر من ضحايا عنف الكرة.
وكتب شاب جزائري يدعى مسعود الشناوة، حط الرحال في الدار البيضاء لتشجيع فريق مولودية الجزائر خلال مواجهته للرجاء، مقالا في صحيفة مناصري ناديه بعنوان «عائد من معركة الرباط»، قال إنه وجد نفسه في مدرجات ملعب الأمير مولاي عبد الله مناصرا للرجاء المغربي، تلبية لرغبة بعض أصدقائه الرجاويين الذين طلبوا منه تمديد مقامه في المغرب إلى ما بعد مباراة الجيش، قبل أن يكتشف وجوده في قلب المعركة.
«قلت لا بأس من البقاء إلى نهاية الأسبوع، هنا يمكنني أن أكتشف الدار البيضاء وأن أدخن الحشيش وأخوض أول تجربة في تدخين الكيف بواسطة السبسي الخشبي، وأناقش واقع الكرة في البلدين الشقيقين».
لا فرق بين عنف مباريات المغرب والجزائر وتونس ومصر، إلا في فاتورة العقوبات التي تختلف من بلد لآخر، لكن ما أثار الضيف الجزائري ومراسل «إلباييس» هو امتلاء حقينة الملعب بالأطفال والشباب في يوم لا يعتبر عطلة مدرسية..، بل إن مسعود استغرب لقدرة قاصرين على استظهار أهازيج «الإلتراس» بحماس، في وقت يعجز اللسان عن حفظ عنوان حصة دراسية.
يروي مسعود قصة أربعة مشجعين غير مبصرين يصرون على ترديد في «بلادي ظلموني» وهم يتمسكون بعكاكيزهم ويحرصون على تثبيت نظاراتهم السوداء حول عيونهم، تساءل عن مصيرهم حين غادروا الملعب وابتلعهم غبار المعركة.
في مثل هذه المعارك يصبح «الكابو» قائد فيلق المناصرين، الكل يأتمر بأوامره، مع توصية بإخفاء ملامح الوجه خوفا من قناص مارق. في ملاعب الكرة يتبين أن بعض الفصائل لا تختار «الكابو» المناسب للتضاريس المناسبة، فالزعيم، كما علمتنا الأدبيات الدينية والسياسية والعسكرية، هو ليس فقط نتاج المجتمعات بل هو صانعها أيضا، ولنا في الحديث الضعيف الذي يقول «كما تكونوا يولى عليكم»، خير سند، لا سيما حين يتعلق الأمر بـ«إمامة» مشجعين يصلون على قبلة فريقهم.
قال ضابط أمن عركته مباريات الكرة، إن الملاعب ستمتلئ عن آخرها حتى ولو أجريت المقابلات في الفترة الصباحية، مادامت الدراسة ليست أولوية أمام الكرة. يصاب المدرس بحالة اكتئاب وهو يلج قسما غاب عنه نصف تلاميذه فيضطر المسكين لإجراء تعديل يعيد للفصل دفئه. في ظل حالة العزوف يحزن المدير على العلم الذي يرفرف وحيدا، يغضب لأوراق امتحانات يلفها البياض وحصص مهملة وساحة فارغة ومدرسة تعاني من «الوي كلو».
انتهت المعركة لكن الحرب بين الفصائل لن تنتهي، ففي اليوم الموالي تحول العائدون من جحيم الملعب إلى أبطال يروون في بوابة المؤسسات التعليمية قصص «داحس والغبراء»، ويكشفون بزهو للمراهقات ما بقي في أجسادهم من آثار القصف، معززين رواياتهم بصور وفيديوهات من ساحة الوغى.
سكت مسؤولو الفريقين عن الكلام، وجلسوا يتفرجون على بلاغات الفصائل، وبكاء أم ثكلى لازالت تبحث عن ابنها المفقود، تاركين الضحايا في مواجهة مصيرهم المحتوم. لكن الطريف أن ينشر مسؤول «فيديو» يزيد من الاحتقان بين الجماهير وهو منشغل في الديار التركية بزراعة شعر في مناطق جرداء والحال أنه أحوج لزراعة لسان.