يونس جنوحي
إضرابات الأطباء لا يمكن إلا أن تُقلق المغاربة. الصحة لم تعد تاجا على رؤوس الأصحاء، فقد تساووا بدورهم مع المرضى، وجعلوا المثل السائد غير منطقي، ولم يعد أحد يرى «الصحة» تاجا على رأس أحد.
كان الله في عون الأسر التي تضع هذه الأيام حياة أحبائها بين يدي المستشفيات العمومية. السويسي، وما أدراك ما السويسي، مُغلق ووزع مرضاه على المستشفيات الأخرى.
المدن الصغرى التي يُعتبر فيها البنج ترفا، والإبرة والخيط بنية تحتية، قد لا تتضرر من غياب الأطباء، جراء الإضراب. فقد ألف سكان هذه المناطق غياب الأطباء المستمر، ولن يشكل الإضراب على كل حال فرقا في حياتهم، خصوصا أن بعض العاملين في قطاع الصحة يؤكدون أن الطبيب حتى لو حضر في المستشفى، أو المستوصف، فإن أقصى ما يمكنه تقديمه إلى المرضى، أن يُرسلهم إلى عيادة خاصة لإجراء الفحوصات.
حقيقة سوداء تكشفها أزمة قطاع الصحة، وهي غياب آليات الاشتغال. لا يمكن مزاولة مهنة الطب إلا وفق توفر شروط، أهمها آليات الفحص وأدوات التطبيب.
لا يمكن مثلا أن يكون هناك مستشفى جهوي، أو على مستوى الإقليم، لا يتوفر فيه جهاز الراديو ومركز للتحاليل الطبية. بل إن المستعجلات تبقى أبطأ مصلحة في عدد من المراكز الاستشفائية، في حين يفترض أن يكون الولوج إليها أسرع من أي مصلحة من مصالح البنايات العمومية.
الناس لا يرغبون في معرفة تفاصيل أزمة الأطباء مع الحكومة، ولا يهمهم معرفة احتياجات الطبيب. ما يريده الناس حاليا، أن يجدوا طبيبا في انتظارهم، صباح الاثنين، مع تمام الساعة الثامنة في قسم الفحوصات بالمستشفيات العمومية من شمال البلاد إلى جنوبها.
بغض النظر عن مشروعية إضراب الأطباء من عدمها، فإن المفروض في مهن يحضر فيها القسم قبل ارتداء الوزرة البيضاء، أن تستحضر أرواح الناس أولا قبل أي شيء آخر. لقد مرت سنوات طويلة راكم فيها الأطباء المشتغلون في العيادات الخاصة أرباحا على حساب ضعف بنية المستشفيات العمومية. أي بصيغة أخرى، أسرة الطب كانت دائما أكبر مستفيد من أزمة الصحة.
تصوروا لو أن المستشفيات العمومية كانت تتوفر على كل المستلزمات والإمكانيات التي يفترض أن تتوفر فيها، هل كان أحد ليقصد عيادة خاصة؟ فبالأحرى أن يقصد مصحة خاصة؟
هناك حاجة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى ضبط النفس، واستحضار تداعيات ما يمكن أن تتسبب فيه أزمة قطاع الصحة عموما، وليس مطالب الأطباء فقط.
ملف هجرة الأطباء إلى الخارج كان دائما موضوعا يثير السخط ويبعث على عدم الارتياح، خصوصا في ظل الحاجة المتزايدة إلى أطر الصحة كل سنة، ومعاناة المستشفيات الإقليمية وفي المناطق القروية من غياب الأطباء. بالنسبة إلى هؤلاء فالإضراب لم يؤثر على حياتهم، بل ويتبادلون نكاتا غارقة في السخرية السوداء. ومنها أن طبيبا كان يشتغل في قرية نواحي تارودانت، أكبر إقليم في المغرب، وفي ظل غياب الإمكانيات وانعدامها، كان دائما ينهي كلامه كلما فحص مريضا أمامه، بعبارة: «خذوه إلى تارودانت». لاحت للطبيب فرصة الهجرة إلى كندا، ولم يفكر مرتين. بدأ حياة جديدة وعمل طبيبا في مستشفى كبير في مونريال.. نعم، كما تتوقعون الآن. لقد بقي مخلصا لوصفته الطبية السحرية التي عالج بها مرضاه في المغرب، واستمر في إرسال مرضى مونريال إلى تارودانت!
رغم أن واقع الحال لا يُضحك أحدا، إلا أنه يعري على الأقل معضلة قطاع الصحة في المغرب. مشكل أكبر من أن يُعلق على إضراب الأطباء، واتهامهم بنقص منسوب الإنسانية والتنكر لمهنة نبيلة، وأكبر من أن يُحل بإضراب.