من متردد على زاوية إلى مريد جماعة صوفية أصبح رئيس حركة تمرد
حسن البصري
ولد مبارك التوزونيني عام 1883 في قرية توزونين بأقا التابعة لطاطا، قيل إن والده كان يهودي الديانة، ويدعى بداح، قبل أن يعتنق الإسلام، فيما ارتمى ابنه مبارك في حضن الزاوية الدرقاوية، حيث تقرب أكثر من مريديها وبدت عليه أعراض السلطة وهو لازال شابا.
عمل الولد على نشر الفكر الصوفي وحاول قدر الإمكان التخلص من تاريخ يطارده، يكمن في ديانة والده، بل إنه ظل يهدد كل من يلقبه بـ«ولد ليهودي». ومع مرور الأيام، أعلن مبارك نفسه متمردا على المخزن مستغلا انشغال الجيش السلطاني بالتصدي لتمرد بوحمارة من جهة وتربص فرنسا بالبلاد من البوابة الشرقية.
وحين أصبح المغرب تحت الحماية الفرنسية، عمل مبارك على جمع كلمة القبائل التي كانت في منطقته مستغلا النفوذ الروحاني للزاوية، ليعلن نفسه مجاهدا، بل إنه قرر الانتقال إلى سوس، حيث شرع في جمع أتباعه استعدادا لما أسماه الجهاد «ضد الدولة والنصارى»، وكان ينتقي مؤيديه من الطبقات الفقيرة حيث يحرضها على الأعيان.
وعند ظهور دعوة أحمد الهيبة في مراكش التحق به، وعند هزيمته أمام الفرنسيين في معركة سيدي بوعثمان، انصرف عنه مبارك وشرع يتنقل بين سكتانة وإليغ ومكناسة، وغاص في بلاد سوس وتزوج من آيت عطا بالقرب من تافيلالت، واستقر بمنطقة الرك.
ويذكر محمد المختار السوسي أن التوزونيني اشترى فرسا وربطه بقبة على نية الجهاد، واعتبر التوزونيني أن من علامات الإذن بالجهاد أن يصبح الفرس ذات يوم مسرجا وملجما. استولى الرجل على السلاح من إحدى الثكنات بقصبة تيجمرت ودرب مقاتليه على استعمال الذخيرة، ووعدهم بمناصب سامية في حاميته، وكانت أول غارة قادها موجهة ضد القاعدة سالفة الذكر بقيادة القبطان أوستري، وكانت البداية بتصفية هذا الضابط عن طريق كمين نفذه أحد أبناء قبيلة مبارك ما سهل عملية اختراق الثكنة، وهيأ الأجواء لتقبل دعوة مبارك للجهاد وانتصر على الجيش الفرنسي في البطحاء في 15 أكتوبر 1918 وبايعه الناس سلطانا ونظم جيشا مرابطا وضع على رأسه محمد بن بلقاسم النكادي، وعينه وزيرا للحربية وهاجم من اتهمهم بموالاة الاحتلال، فقتل عددا من القضاة والعلماء.
في أيام عيد الأضحى، احتل مبارك قصبة منسوبة للمولى سليمان في تافيلالت، وبايعه الناس سلطانا، وخطب باسمه أئمة المساجد، ووصلت سيطرته حتى أرفود، وجمعته وقائع حامية وتكاثر الناس عليه بالهدايا والطاعة، واشتد هو على من اتهمهم بموالاة الاحتلال والسلطة الفرنسية، فقتل عددا من القضاة والعلماء وقياد المخزن، خصوصا الأشراف الذين صادر أموالهم باعتبارهم الفئة الاجتماعية ذات النفوذ السياسي والاجتماعي بالواحة. بعد هذا الانتصار، كبرت أطماع مبارك، ووصل صداها إلى التهامي لكلاوي، باشا مراكش، الذي قاد حملة ضد التوزونيني، درءا لأي نوايا توسعية في الجنوب المغربي، لكن صراعا خفيا بين مبارك و«وزيره» النكادي أطاح بحركته. ويروى أن الثائر بلغ به الأمر حد إذلال مساعده أمام الملأ، فأخرج النكادي بندقيته وأرداه قتيلا أمام الجيش فبويع في الحال مكانه، حصل هذا في 23 أكتوبر 1919، وتوجد أشعار تؤرخ للحدث للشاعر الطاهر الإفراني.
سقط التوزونيني من كتب التاريخ، وانتهى به ممنوعا من الصرف حتى في مدخل بوابة صغيرة بأرفود.