شوف تشوف

الرأي

من غرائب انتخابات 4 شتنبر

من أراد أن يكتشف شيئا من غرائب وعجائب الانتخابات بالمغرب فليتوغل في ثنايا المجتمع القروي بالخصوص فسيجد عجبا مما يندهش له المرء ويحار فيه العقل ويتركنا أمام عدة أسئلة إشكالية حول الممارسة الديمقراطية ببلادنا؟ بل وأمام أسئلة مقلقة حول شروط وآفاق الانتقال الديمقراطي والتنمية المحلية التي هي الهدف من كل هذه الجوقة.
جدير بالقول أن الممارسات اللاديمقراطية في مسألة الانتخابات لازالت مستشرية في البلاد عموما في حاضرتها كما في باديتها، وقضية شراء الذمم واستغلال النفوذ وحشد الأصوات بطرق غير مشروعة لازالت تمارس والكل يعلم، أما أساليب هذا الفساد الانتخابي فمتعددة ومتنوعة لا يحلها استبدال الصندوق الخشبي المعتم بالزجاجي الشفاف ولا حتى بالذهبي اللامع، فالتزوير والتحايل للأسف الشديد يوجد متجذرا في البنية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية متمثلا في شيوع الأمية واللاوعي والجهل وانتشار الفقر، أو عدة أنواع من الحاجة والفقر ليس أقلها الفقر الأخلاقي والسلوكي والقيمي.
لن أجزم بتفش كامل للمسارات اللاديمقراطية والسلوكيات غير القويمة بخصوص الممارسة الانتخابية، فهناك نماذج تؤشر على إمكانية وجود نوع من التغيير الإيجابي يلوح في الأفق، لكن سيادة عكس ذلك من الممارسات التي لا تمت للديمقراطية بصلة واللامعقولة أخلاقيا وسلوكيا هو ما يملي علينا اقتحام هذا الموضوع مستحضرين لو يتسع المجال ما لا يحصى من الأمثلة عن استمرار ثقافة انتخابية لا تنبأ بخير ولا تدعونا كثيرا للتفاؤل.
الانتخابات في البوادي والقرى لازال يحكمها في الحقيقة منطق القبيلة والعائلة، منطق القوة والنفوذ والتسلط بل منطق السلاح أحيانا، منطق ما يسمى «رمي العار» منطق السخط والرضا من قبل الوالدين، ثم منطق البيع والشراء سواء بالأموال أو لقاء المصالح المستحقة ولو كانت بسيطة.
فتوقع النتائج وعدد الأصوات في إطار ما يسمى استطلاعات الرأي يكون في قرانا أبعد ما هو عن درجة اقتناع الناخبين ببرنامج الحزب والمترشح، بل هو على أساس عدد أفراد عائلته التي تعتبر أصواتهم في جيبه في الغالب، ومن تم قبيلته التي تربطه معها علاقة الدم، ثم الأصدقاء والجيران والمقربين من ذوي المصالح المباشرة، ثم يكمل ما ينقصه من أصوات لضمان الفوز بالاستعانة بشكارته أو شكارة الحزب.
أما طريقة إبعاد الخصوم واستدرار عطف الناخبين وضمان أصواتهم فيستثمر ما يترسخ في ثقافة البادية من تقاليد وما تؤمن به من أعراف وعادات، متعلقة أساسا بالملح والطعام حيث «يزرد» المترشح أبناء دواره فلا يستطيعون خيانة الطعام فيصوتون عليه، أما من تصلب منهم فتساق إليه الذبيحة أكانت معزة أو «فروجا»، ويرمى عليه العار الذي سيكبله وأبناءه إن هو خان «الأمانة»، وقد يقصد المترشح لغرض كف خصمه عنه والديه، فيرمي عليهما العار أن يكفا ابنهما وإلا شمله سخطهما فيخيرانه بين السخط والرضا لينزل عن بعض حقوقه الدستورية ويسحب ترشيحه.
أما من لا تنفع معه جزرة المال ولا تقييده بثقل التقاليد والأعراف فتستعمل معه العصا متمثلة فعلا في العصي والهراوات، حيث دخل سكان في عدة دواوير في فترة الانتخابات لـ 4 شتنبر في ما يشبه المعارك الضارية سواء ضد المترشح المنافس أو من يوالونه، فاستخدمت سيارات الأعيان لنقل الشباب من الغلاظ الأشداء بمعداتهم من الأسلحة مختلفة الألوان، لإخافة الخصوم وترهيب حتى الهيأة الناخبة، وذلك بدل التحدث بمنطق البرامج والمنشورات التي لا مكان لها تقريبا هنا.
في ظل هذه الممارسات المسجلة أخيرا نطرح السؤال حول جدوى العملية الانتخابية بالأصل، وحقيقة ومصداقية ما تقرره صناديق التصويت، ولو سلمت يوم الاقتراع من العبث؟
لكن التفسير الواضح وما يبرر هذه الفضائح هو ما لازالت تنطوي عليه المواقع التمثيلية من امتيازات ومصالح للمنتخبين، تتمثل علاوة على الاستفادة المباشرة من أموال ومقدرات الجماعة الترابية في الإمساك بزمام كل المشاريع والصفقات والجماعية وهو ما يستخدمه أصحاب الشكارة في ربح الصفقات والتسهيلات والإعفاءات الضريبية وتيسير أمورهم وتعاملاتهم المالية والتجارية ولو فوق القانون في كثير من الأحيان، وهو ما بات يعلمه الجميع ولم نأت فيه بجديد.
لكنه التفسير الوحيد لتهافت أصحاب الشكارة حول مناصب المجالس، وإلا فما الذي يدعوهم لصرف الملايين سواء لشراء الأصوات وفي مرحلة أخرى لشراء الرؤوس الأكبر من الأعضاء المنتخبين؟
ومن بعض الأمثلة التي يمكن سوقها وكثيرا ما تحدث قبل وأثناء الحملة الانتخابية الدعائية وبعضها في يوم الاقتراع نذكر:
• وجود أعضاء ممثلين عن بعض الأحزاب عبارة عن «بلطجية» يدلسون في العملية الانتخابية وجهوا ولو بشكل غير مباشر اختيار المصوت في يوم التصويت.
• الاعتداء على المرشح المنافس وحرق ممتلكاته وإرعابه بالتهديدات.
• وقد روي لي أن مرشحا دعته عائلته الكبرى لوليمة وأرادت أن تعلن عن تأييدها العلني له وأعطته العهد بأن يصوت قرابة 20 شخصا لصالحه، وما هي إلا ساعات حتى زارهم المنافس الخصم فهددهم بالسلاح وقطع الطريق عليهم إن لم يصوتوا له، فكان أن قلبت نية التصويت لديهم مخافة أن يلحق بهم مكروه، فاعتذروا لابن عائلتهم الذي لم يكن بسوء خصمه على الأقل، ولم يجد ما يصنعه.
• مرشح آخر وهو رئيس الجماعة للولاية المنقضية، أجبر امرأة ترشحت مع خصمه ضمن لائحة النساء، على التخلي عن هذا الترشيح والالتحاق بلائحته، مستغلا حاجتها إلى إتمام بناء إحدى الغرف في بيتها فخيرها بين إتمام البناء أو البقاء على ترشحها مع الخصم؟ وبتحليل هذه الواقعة يتبين لنا مدى تغلغل الفساد في منظومتنا الاجتماعية والإدارية، فرئيس الجماعة هذا قد مارس فسادا متعدد الأوجه بأن استعمل الشطط في السلطة، فإذا كانت هذه المواطنة تبني بدون رخصة وهو رئيس الجماعة فلماذا تركها من البداية؟ وحين يستغل ظرفها ويسمح لها بالبناء بدون رخصة فذلك مخالف للقوانين أيضا، والمحصلة أن القانون والمعقول آخر ما يؤخذ به.
والحل برأيي للحد من تفاحش هذه الممارسات والأعمال، لا يحتاج إلا لمراجعة قانونية لمنظومة التمثيل الانتخابي وما يتعلق به من صلاحيات ومصالح وامتيازات، بأن يتم إيقاف شلال الامتيازات المالية والاعتبارية وحصرها بشكل ضيق في تعويضات جد رمزية مع مجانية بعض الخدمات لصالح المنتخب تعينه في مباشرة مهامه دون أن يدفع من جيبه، ولكن أيضا دون أن يغتني من أموال الشعب. إضافة إلى التشديد والتضييق على طرق استفادة المنتخب من بعض الامتيازات الإدارية والقانونية.
إذا ما راجعنا كل هذه الرزنامة الضخمة من الامتيازات المالية والعينية وجعلناها محدودة إلى أقصى حد ممكن، فلن تجد من يترشح لمجالس تمثيل المواطنين وخدمتهم إلا من يريد خدمتهم بالفعل دون أي مآرب أخرى، إذاك سنضرب عدة عصافير بحجر واحد، إذ سنوفر الكثير لميزانية الدولة، وسنطهر العملية الانتخابية من الكثير من الأدران والممارسات الشائنة الفاسدة التي تسيء لصورة البلاد، ثم ستفرز الانتخابات مواطنين شرفاء لا هم لهم إلا خدمة إخوانهم الذين وضعوا فيهم ثقتهم واستأمنوهم على مصالحهم ومستقبل أبنائهم، عالمين علم اليقين في الآن نفسه أنهم بمجرد ما يتراجع أداؤهم أو في حالة اقترافهم لأي خطأ معتبر ولا يغتفر، فإنهم سيفقدون ذلك الشرف لصالح مواطن أكثر التزاما وأكثر جدية ومصداقية لخدمة الوطن وأهله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى