من ثقب الأوزون إلى حريق الأمازون
سعيد الباز
طفا على السطح الحديث عن ثقب الأوزون، منذ أواسط الثمانينات من القرن الماضي. هذا الحديث وما صاحبه من تحذيرات العلماء والمختصين أثار الكثير من النقاشات العلمية والإعلامية، واصطبغ في معظمه بروح متشائمة تنذر الإنسان بالنهاية المرتقبة لكوكب الأرض.
تكمن أهمية طبقة الأوزون، كما هو معروف، في حماية سطح الكرة الأرضية من الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الشمس، حيث تتركز طبقة الأوزون على شكل غلاف واق من تسرب هذه الأشعة الضارة، بدونها تستحيل الحياة فوق الأرض.
الفكرة الصارخة التي اندلعت أيامها كانت صادمة، ذلك أن في طبقة الأوزون الحامية لحياة البشر والأرض ثمة ثقب يزداد مع الأيام اتساعا. أصابع الاتهام اتجهت مباشرة إلى الانبعاث الحراري المفرط ومخلفات المصانع والمعامل، فضلا عن تلوث الهواء بسبب الاستعمال الهائل للسيارات وغيرها من المركبات الكبيرة على نطاق واسع بشكل لم يسبق للبشرية وللكرة الأرضية أن عرفت نظيرا له، وفي المقابل نما الاستغلال المتهور لمساحات كبيرة من الغابات التي تؤمّن للأرض وللإنسان حاجياته الأساسية من الأكسجين.
كان من آثار ذلك ازدياد الوعي بأهمية المحافظة على البيئة من جهة، ومن جهة أخرى الحد من توجه الإنسان نحو استغلال كل موارد الطبيعة والطاقات الكامنة فيها، دون النظر إلى ضرورة الالتزام بالتوازن الطبيعي الذي يكفل للإنسان البقاء حيا فوق أرض حية. تحوّل هذا الوعي إلى حركة سياسية تطورت إلى منظمات مثل منظمة السلام الأخضر الشهيرة باحتجاجاتها التي خلقت عدة أحداث بارزة خلال الثمانينات، وإلى أحزاب سميت بالأحزاب الخضر كان وما زال لها شأن كبير في الحياة السياسية، خاصة في أوروبا.
لكن هذه المرحلة التي كانت مجرد بداية لإشكالية كبيرة مضمونها، كيف بإمكان الإنسان أن يضمن لنفسه سبل البقاء مع هذا المد المتواصل وغير المحدود للتصنيع والاستغلال الفاحش للثروات، الذي يؤدي في النهاية إلى الإخلال بالتوازن الطبيعي لكوكب الأرض؟
أما اليوم ورغم المؤتمرات الدولية التي تم تخصيصها بالكامل لمعالجة قضية المناخ الشائكة، فإن ظاهرة الاحتباس الحراري لم تعد قضية مفترضة ذات طابع تجريدي لا تصلح سوى للنقاش في المنتديات العلمية المتخصصة، بل صارت ظاهرة ملموسة ومعاينة في كل بلدان العالم.
ومع ازدياد مخاطر ارتفاع درجات الحرارة فوق الأرض رغم كل الجهود المبذولة من أجل الحد منها من قبل أغلب بلدان العالم، تواصل بعضها الآخر التعنت، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها الحالي ترامب الذي لا يؤمن بنظرية التغير المناخي، ويعتبر أن من ورائها دوافع سياسية أو على الأقل لا ينبغي لبلاده تحمل تبعاتها.
الكارثة الكبرى هي التي حدثت أخيرا في البرازيل، حيث اندلعت حرائق مهولة في أكبر غابات العالم، هي غابات الأمازون التي كثيرا ما وصفت برئة العالم، حيث تمده بما يفوق 20 في المائة من حاجياته من الأكسجين. يبدو الحدث أكبر من أن يكون عرضيا، فالرئيس البرازيلي الجديد جايير بولسونارو ذو النزعة اليمينية المحافظة ويسير على خطى الرئيس الأمريكي، كان قد دخل منذ مدة في صراع مباشر مع الدول المانحة التي تدعم جهود المحافظة على غابات الأمازون، بتشجيع المزيد من توسيع امتلاك الأراضي المخصصة للرعي والزراعة الموجهة للتصدير، ما يدر على كبار ملاكها مليارات الدولارات.
وليس من المستبعد تماما أن تكون فاجعة حرائق غابات الأمازون مجرد سياسة غض النظر التي يمارسها الرئيس البرازيلي، كنوع من المسايرة للموجة الشعبوية العارمة التي اكتسحت المشهد السياسي في الكثير من البلدان في العالم. لكن هذا الحريق سيذكرنا بالإمبراطور الروماني نيرون الذي أحرق عاصمته روما متسليا بمنظرها، وبمحمود درويش الذي صاغ هذه الجملة المعبرة والحكيمة: «نيرون مات، ولم تمت روما».