كشف التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات عن أسباب فشل الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية، التي أطلقتها الحكومة السابقة. وأكد التقرير أن حوادث السير مازالت تحصد آلاف الأرواح سنويا على الطرقات، ما يستدعي محاسبة المسؤولين عن الفشل عوض مكافأتهم بالمناصب والامتيازات من طرف الوزير الحالي، محمد عبد الجليل.
وحسب التقرير، فإن حوادث السير تتسبب سنويا بالمغرب في 3.500 حالة وفاة و12.000 إصابة خطيرة، أي بمعدل عشر حالات وفاة و33 إصابة خطيرة يوميا. وأشار التقرير إلى أنه للحد من هذه الوضعية، اتخذت عدة إجراءات، من بينها اعتماد نظام لمراقبة ومعالجة المخالفات الملتقطة بواسطة الرادارات الثابتة، من خلال وضع أجهزة تكنولوجية مخصصة لضبط ومراقبة وإثبات المخالفات، كما تنص على ذلك المادة 197 من مدونة السير على الطرق.
ويتكون الأسطول الوطني للرادارات الثابتة، (إلى غاية شهر مارس 2022)، من 113 رادارا مشغلا و552 رادارا من الجيل الجديد في طور التركيب، تم اقتناؤها، خلال سنة 2018، بمبلغ إجمالي قدره 276 مليون درهم، بالإضافة إلى مصاريف صيانتها بمبلغ 11,5 مليون درهم. وأشار التقرير إلى أن هذا النظام الآلي مكن من معالجة أكثر من 17,1 مليون رسالة مخالفة نتج عنها 8,5 ملايين محضر، خلال الفترة 2015-2021، منها 1,07 مليون رسالة تمت تسويتها في المرحلة الودية (أي بنسبة 12,5% من المحاضر التي تمت معالجتها)، و1,63 مليون مخالفة في طور التحرير، فيما تمت إحالة 5,8 ملايين محضر مخالفة على القضاء.
ورغم هذه الكوارث، مازال المسؤول عن تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية التي أطلقتها الحكومة السابقة، خالدا في منصبه، منذ تعيينه في سنة 2012، من طرف الوزير الأسبق، عزيز رباح، كما أن الوزير الاستقلالي الحالي، محمد عبد الجليل، منحه المزيد من الامتيازات، وعين إلى جانبه مهندس صفقة «الرادارات» التي كلفت خزينة الدولة مبلغ 27 مليار سنتيم، حيث كان يشغل سابقا منصب المسؤولية بالقطب المكلف برخص السياقة والورقة الرمادية و«الرادارات».
وأدرج المغرب السلامة الطرقية ضمن أولوياته الوطنية، من خلال تبني استراتيجية وطنية للسلامة الطرقية تروم الحد من المنحى التصاعدي لحوادث السير، بالإضافة لإحداث لجنة مشتركة بين الوزارات ولجنة دائمة ولجان جهوية للسلامة الطرقية، فضلا عن اعتماد القانون رقم 52.05 الخاص بمدونة السير على الطرق، والذي دخل حيز التنفيذ في فاتح أكتوبر 2010. واعتمدت الحكومة السابقة استراتيجية وطنية للسلامة الطرقية، تغطي الفترة 2017-2026، تهدف إلى تنمية سلوكيات مسؤولة وطرقات أكثر أمانا، وحددت الاستراتيجية هدفا كميا يتجلى في تقليص حوادث السير إلى 50 في المائة في أفق سنة 2026، أي إلى أقل من 1900 قتيل على الطرقات في سنة 2026، مع عدم تجاوز 3 آلاف قتيل في سنة 2020. ولتفعيل هذه الاستراتيجية تم وضع خطط عمل تقوم على خمسة مرتكزات، وهي تدبير السلامة الطرقية، وطرقات أكثر أمانا، ومركبات أكثر أمانا، وسلوك أكثر أمانا من مستعملي الطريق، واستجابة أكثر تفاعلية لما بعد الحادثة. كما تم تحديد مؤشرات بينية، مثل إنشاء الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، واعتماد خطة جهوية للسلامة الطرقية ومؤشرات متعلقة بالتغييرات في سلوك مستعملي الطريق.
وأضاف التقرير أنه، رغم أن السنة المرجعية لإعداد الاستراتيجية الوطنية هي 2015، لم يتم الشروع في تنفيذها سوى في سنة 2017، وهو ما يعني عدم تزامن تنزيلها مع الأجندة المنصوص عليها في خطتي العمل العالميتين للسلامة الطرقية، عن العقدين 2011- 2020 ثم 2021-2030. وتقتضي هذه الوضعية تحيين هذه الاستراتيجية من أجل إدراج الإجراءات المتعلقة بتشجيع النقل متعدد الأنماط والتهيئة العمرانية واللجوء إلى سياسات تفرض تخفيض السرعة، كنقطة انطلاق لاعتماد نهج السلامة الطرقية، وذلك وفق ما هو منصوص عليه في الخطة الثانية 2021-2030.
وفي السياق نفسه، سجل تقرير المجلس الأعلى للحسابات غياب عقد – برنامج بين الدولة والوكالة الوطنية للسلامة الطرقية يحدد التزامات الطرفين والوسائل البشرية والمالية اللازمة لتنفيذ أهداف هذه الاستراتيجية في إطار اختصاصات هذه الأخيرة.
وأوصى المجلس بضرورة الرفع من أداء اللجن المسؤولة عن السلامة الطرقية، حيث نص المرسوم رقم 2.04.266 الصادر في 25 يوليو 2006 بإحداث اللجنة المشتركة بين الوزارات واللجنة الدائمة واللجن الجهوية للسلامة الطرقية، على المقتضيات التنظيمية والاختصاصات المخولة لهذه اللجن.
وفي هذا الإطار، تم تكليف اللجنة المشتركة، التي يرأسها رئيس الحكومة، بالمصادقة على الاستراتيجية الوطنية المندمجة في مجال السلامة الطرقية التي تقترحها اللجنة الدائمة، تحت رئاسة الوزير المكلف بالنقل، وبتنسيق تطبيق استعمال الوسائل الموضوعة لهذا الغرض رهن إشارة القطاعات الوزارية المعنية. كما عهد للجن الجهوية، التي يرأسها والي الجهة، بإعداد وتنفيذ مخطط جهوي لتطبيق الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية والسهر على تنفيذها، وكذا إعداد تقرير للتقييم كل ثلاثة أشهر يتعلق بعملها وتوجيهه إلى اللجنة الدائمة. غير أن فعالية هاته اللجن تقتضي الانتظام في عقد اجتماعاتها.
وفي هذا الصدد، أكد التقرير أن عدد الاجتماعات التي عقدتها اللجنة المشتركة، خلال الفترة 2015-2021، لم يتجاوز أربعة اجتماعات، في حين كان عليها عقد أربعة عشر اجتماعا على الأقل، أي بمعدل اجتماعين في السنة، وفق ما هو منصوص عليه في المادة 5 من المرسوم رقم 2.04.266 سالف الذكر، كما تميزت كل من اللجنة الدائمة واللجن الجهوية للسلامة الطرقية بقلة نشاطها. وانعكست هذه الوضعية على مستوى التنسيق والتشاور بين مختلف المتدخلين في عمليات تركيب وتشغيل الرادارات الثابتة، وتحديد المحاور الطرقية ذات الأولوية واختيار المواقع الملائمة لتركيبها، ووضع خطط جهوية للسلامة الطرقية، وتقديم اقتراحات لتحسين تدبير نظام مراقبة ومعالجة المخالفات الملتقطة، وكذا إعداد تقارير تقييم في الموضوع.
محمد اليوبي