من أين لكم هذا؟
تزامنا مع إحالة مجموعة من البرلمانيين ورؤساء الجماعات على محاكم جرائم الأموال، اتخذت النيابات العامة قرارات لا يمكن إلا التصفيق لها، تتعلق بتجميد الأرصدة البنكية والممتلكات العقارية والمنقولة المسجلة بأسماء المحالين والمسجلة كذلك بأسماء زوجاتهم وأبنائهم، خاصة أن بعض رؤساء الجماعات والبرلمانيين تضخمت ثرواتهم، بعد تحملهم مسؤولية تدبير المال العام.
وبالموازاة مع فتح ملفات الفساد واختلاس وتبديد الأموال العمومية، شرعت النيابات العامة بمختلف المحاكم في إحالة ملفات تحوم حولها شبهة تبييض الأموال المختلسة في اقتناء ممتلكات عقارية ومنقولة، بشكل تلقائي على الغرف المكلفة بجرائم غسل الأموال، التي تم إحداثها بالمحاكم الابتدائية بمدن الرباط والدار البيضاء ومراكش وفاس.
لقد أصبحت السياسة وسيلة للاغتناء، وتحولت الانتخابات إلى «حرفة» تزاولها بعض الكائنات الانتخابية، إلى درجة أصبحنا نرى بعض محترفي اللعبة الانتخابية يورثون الكراسي لأبنائهم وزوجاتهم، وأصبحوا من كبار الأثرياء يملكون القصور والسيارات الفارهة داخل أرض الوطن وخارجها، بعدما كانوا في بداية مسارهم بالكاد يوفرون «عشاء ليلة» كما يقال، ما يجعل الكثير من الأسئلة تثار حول مدى مصداقية تفعيل قانون التصريح الإجباري بالممتلكات، وتتبع ثروات الوزراء والبرلمانيين وكبار المسؤولين والموظفين الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم.
وأسند دستور المملكة في فصله 147 للمجلس الأعلى للحسابات مهمة مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات. كما ألزم الفصل 158 من الدستور كل شخص منتخبا كان أو معينا، يمارس مسؤولية عمومية، أن يقدم، طبقا للكيفيات المحددة في القانون، تصريحا كتابيا بالممتلكات والأصول التي في حيازته، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بمجرد تسلمه لمهامه، وخلال ممارستها وعند انتهائها.
ويشكل تحديد مصادر ثراء المنتخبين وكبار المسؤولين أحد أعمدة الحكامة الجيدة والشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد، ورغم أن المغرب اعتمد قانون التصريح الإجباري بالممتلكات منذ سنة 2010، لكن هذا القانون تشوبه العديد من النواقص والثغرات التي تجعل مهمة تتبع ثروات الملزمين بالتصاريح غير ذات جدوى، وذلك أمام استغلال المعنيين لهذه النواقص في التحايل على القانون، بتسجيل ممتلكاتهم في أسماء زوجاتهم وأبنائهم، في حين يتملص البعض الآخر من التصريح بالممتلكات، أمام الصعوبات التي تواجه المجلس الأعلى للحسابات في دراسة كل الملفات المعروضة عليه، كما أن نسبة كبيرة من المسؤولين الملزمين لم يدلوا بتصريحاتهم لدى المحاكم المالية، حسب التقرير الأخير الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات، ما يطرح أسئلة مقلقة حول فعالية هذا القانون في محاربة الإثراء غير المشروع، وتفعيل مبدأ «من أين لك هذا؟».