شوف تشوف

الرأي

من أين تُؤكل الكتف؟

إذا كنت تعرف من أين تؤكل الكتف فعلّمني، ولا تترك جيبي نهْبا للصوص، ولا تترك لحمي فريسة للصقور. فاللصوص منشغلون بتوزيع الغنائم والصقور منغمسون في افتراس الحمائم.. فهل أنا لص أم صقر أم حمامة أم دجاجة تبيض بيضة في العش وبيضة بجانب العش؟ الجواب عندي وعندي الشجاعة الكافية لأعترف: «أنا لص، أنتمي إلى طبقة سُرّاق الزيت. سرقت أنهارا من الزيوت، وسبحت فيها على ظهري وعلى بطني، لذلك فأيادي القضاء والقدر لا تستطيع الإمساك بي لأنني مواطن لزج. وأنا صقر، أشحذ مخالبي جيدا كل صباح، قبل الذهاب إلى عملي، حيث أغرز مخالبي جيدا كل صباح، في أرزاق المواطنين المدجّجين (من فئة الدجاج) الذين يقدمون أعناقهم للذبح عربونا على الوفاء للسيدة وفاء.. ومن سلفني درهما صرت له عبدا. وأرجو أن تصدّقني، فأنا لست حمامة تُحلق في الأعالي رغم تربص الصقور، بل دجاجة تقضي عمرها وهي «تُقَوقِئ» دون أن تبيض بيضة واحدة.
تستطيع الآن أن تسميني «المواطن-الدجاجة»، ولا تنس أن تعلّمني من أين تؤكل الكتف، فلم يسبق لي أن أكلت كتفا. يقولون إن لحم الكتف لذيذ ومخدر وكل من يذوقه لأول مرة لن يستغني عنه أبدا. الأمر أشبه بالإدمان.. لذلك تسهر حكومتنا على وضع مشاريع لإنشاء مراكز صحية للعلاج من الإدمان على أكل الكتف. ولأن حكومتنا تسهر فإنها تستيقظ متأخرة دائما بعد أن يلتهم المدمنون الكثير من الأكتاف.
وصلنا إلى الأسئلة الصعبة. السؤال الأول في مادة «التربية الحمارية»: هل سبق أن ركلك حمار؟ وما هي أهم الانعكاسات السلبية لظاهرة الاحتباس الحراري على صحة المواطنين «المركولين» من طرف الحمير؟ السؤال الثاني في مادة «الفلسفة الكلبية»: كم كلبا ضالا اهتدى على يديك؟ وكم عدد العضّات التي تحمّلتها في سبيل هدايته؟ خذ مهلة للتفكير قبل الجواب.. فأنا أحب طرح السؤال ومساعدة المسؤول على الجواب، أو أترك مهلة مفتوحة له للتفكير في كيفية إحراق الوثائق والمستندات التي تدينه وإلصاق التهمة بالسيد «مجهول»، الذي يقولون عنه كلما سألتهم من يكون هذا المجهول، إن التحريات أثبتت أنه من أحسن أنواع التمور في بلادنا.
والمسؤول مستعد دائما للسؤال أمام الله وليس مستعدا للسؤال أمام الشعب. مستعد للسؤال أمام الله، لذا فهو يصلي كل يوم جمعة، ويزكي ليلة السبت، ويصل الأرحام بالأدبار، ويحج البيت على نفقة الرشوة، ويرجم الشيطان رغم أنه ذو فضل كبير عليه وعلى أمثاله. ويُحكى أن الشيطان حزم حقائبه وتوجه إلى المطار، عازما على الرحيل بدون رجعة، ولما سألوه عن سبب رحيله، أجاب غاضبا: «كلما يُطرح سؤال (من أين لك هذا؟) على هؤلاء اللصوص، يقولون هذا من فضل ربي، ولا أحد قال هذا من فضل الشيطان». وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقد نسيت أن أذهب للفساد. لحظة من فضلك، فكّر في الجواب عن السؤال أمام الله وأمام الشعب وأمامي. سأفسُد وأعود إليك وأعوذ بالله من شرور مسؤولينا. حان وقت الفساد.. فحيَّ على الفساد. أنا مواطن فاسد، فلماذا لم تضعوني في الثلاجة قبل أن تفوح رائحتي الكريهة وتزكم أنوفكم؟ لماذا تركتموني للحمير تركلني وللكلاب تعضني..؟ كان عليكم أن تخبئوني داخل الثلاجة حتى تبرد أعصابي وتجمد أعضائي التي لا تكف عن الارتعاش.. هل كُتب علينا الفساد كما كُتب على الذين من قبلنا؟ وهل سبق أن ركلك حمار؟ وكم كلبا ضالا اهتدى على يديك؟ يبدو أن لا أحد منا يستطيع تقديم أجوبة عن هذه الأسئلة.
جرت العادة، أيها السادة، أن نُقحم الديمقراطية في أي حديث عن الديمقراطية، لأنها مفهوم مركزي في مادة «التربية الحمارية»، لذلك لا بد من ربط الحمار إلى عربة الديمقراطية، فالحمار يجر وأنا أدفع.. وديمقراطيتنا من الوزن الثقيل أما الحمار فهو وزن الريشة، ومع ذلك فإنها تسير بفضل الدفع المسبق. ولأن الديمقراطية بالحمار تُذكر، فإن الديمقراطية عندنا حمار قصير، تركبه أحزابنا ونقّاباتنا وحكومتنا، فهو لا يركل لأن حوافره رطبة مثل كبدي.. فقط ينهق وينام.
دعني أبوح لك بسر؛ أنا مواطن صالح لكنني خوّاف. أخاف من مخلب ينغرز في جيبي. أخاف من كبش ينطحني. أخاف من حمار يركلني. أخاف من كلب يعضني. أخاف أن يشتمني الناس بكوني دجاجة. لذلك أعلن أمامك أنني قررت إجراء عملية تحول جنسي. تعبت من حياة الدجاج. أريد أن أصير صقرا يفتك بالدجاج. تعبت من نظافة اليد ونظافة الجيب، أريد تلطيخ يدي وجيبي بأوساخ الدنيا وما فيها من أوساخ.
دعني أبوح لك بسر آخر؛ أنا أعتبر نفسي رجل المعجزات.. فرغم الحمير التي تركلني والكلاب التي تعضني، استطعت أن أعيش.. ورغم ظاهرة الاحتباس الحراري لم أفسُد ولم ألتجئ إلى الثلاجة.. وسأظل أدفع الديمقراطية دون كلل.. ولن أكون دجاجة ولا صقرا ولن أتعلم من أين تؤكل الكتف، خوفا من الإدمان. أنا فعلا رجل المعجزات.. وأهم معجزة أنا رجلُها هي زوجتي لأنها تُعجزني بطلباتها التي لا تنتهي..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى