من أين تستمد «داعش» قوة الاستقطاب؟
لم يعد التنظيم الإرهابي المسمى دولة الاسلام في العراق والشام، والمعروف اختصارا باسم «داعش « يقتصر على استقطاب الشباب المنتمي إلى الفئات الفقيرة أو ذات الدخل المتوسط، فهذه المرحلة يبدو أن التنظيم قد تجاوزها استراتيجيا، ليبدأ في الامتداد كسرطان ويبدأ في اختراق فئات أخرى كانت إلى حد قريب بعيدة عن متناول يده. هذه الفئة هي فئة الميسورين وأصحاب المؤهلات العلمية والثقافية.
داعش لم تفلح في استقطاب شباب الفئات الفقيرة والغنية في العالم الاسلامي فحسب، بل تمكنت من أن تضم إلى صفوفها شبابا من المعسكر الغربي أيضا، بل إن العديد من الشباب جاء إلى تنظيم داعش من أعرق الديمقراطيات في الغرب، كالمملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة. نعم جاء شباب من كلا الجنسين، بمستوى ثقافي متباين ومن مختلف القارات ليقاتلوا في صفوف دولة الاسلام في الشام والعراق فما الذي جلبهم لهذه الدولة الوهمية التي جعلت من الإرهاب والترويع وسيلتها المثلى للانتشار والامتداد. قد يكون الفقر والجهل، أحد الأسباب والعوامل الحاسمة في نجاح داعش من أن تخترق وتكسب ولاء شباب الفئات الفقيرة التي همشتها الاختيارات السياسية للحكومات المتعاقبة على السلطة .الشباب المهمش والجاهل بتعاليم وروح الدين الاسلامي، هذا الدين الذي يؤكد أن قتل نفس واحدة هو بمثابة قتل الناس جميعا، سرعان ما يقوم أمراء الظلام بملء وشحن رأسه بعكس ما يدعو إليه الاسلام من رحمة وتجنب سفك الدم. يحدثونهم عن الشهادة التي لا تكون إلا من نصيب صاحب الحظ العظيم، لأنها تفتح للشهيد أبواب الفردوس السبع، لكن الشهادة في قاموس الإرهابيين تعرف بأنها قتل الناس الآمنين من نساء، وأطفال، وشيوخ وكل من لا يؤمن بتوجهات داعش. يصورون للمقاتلين الشباب أحلاما أقل ما يمكن القول عنها أنها طوباوية. هذه الأحلام طبعا تقوم على استصغار شأن حياة الدنيا لأنها لا تساوي جناح بعوضة، مقابل الحياة الباقية. هذه الحياة التي تتميز بما تحتويه من متع لم ترعين ولم تسمع أذن بمثلها. وللحصول على هذه الملذات وخاصة حور العين التي لو كشفت واحدة منهن وجهها لأهل الدنيا لكسفت وجه أجمل جميلات الأرض.
هذا الخطاب الديني الطوباوي الذي يبخس الحياة حقها، ويعلي من شأن الآخرة، قد نفهم وقوع الشباب الفقير والأمي تحت تأثيره لكن ما يثير الدهشة ويتطلب فهم الظاهرة بشكل عقلاني، هو استقطاب شباب لا يعاني العوز، وينتمي إلى بيئة المناخ الديمقراطي فيها سليم مقارنة مع الدول العربية الإسلامية وله من أسلحة العلم ما يجعله في منأى عن أوهام داعش التي لا يمكن أن تنطلي سوى على ذوي التفكير المحدود.
يرى البعض أن نجاح داعش في الوصول إلى الفئات الراقية، كضم أبناء بعض الوزراء، وأساتذة جامعيين في (أكسفورد) من السودان، وأطباء.. مرتبط بالأساس بأزمة النظام الرأسمالي في حد ذاته فالدولة الحديثة هي دولة «البرجوازية « بامتياز، ومن أهم صفات هذه الدولة أنها تضع خيارات محدودة تجاه المجتمعات، إضافة إلى الرجة الاقتصادية التي أصبح النظام الرأسمالي يعرفها والتي تظهر في الأزمات التي تعرفها أكبر الاقتصادات العالمية وعلى رأسها الاقتصاد الأمريكي، وتداعيات أزمة هذا الاقتصاد على الاقتصاد العالمي. يدخل اقتصاد الدول نتيجة لذلك حالة من الركود، يكون القول الفصل فيها لصندوق النقد الدولي وحلوله التي هي كالسيف تقطع رزق الفقراء وتجعل قرارات الحكومات الاقتصادية تحت رحمة هذه الصناديق العالمية.
دخول النظام الرأسمالي مرحلة التناقضات على حد تعبير الاشتراكيين، مع تضخم في رؤوس الأموال لدى فئة قليلة مقابل السواد الأعظم للشعب. كل هذا يجعل البحث عن نموذج طوباوي مفارق للواقع ويحقق الإنصاف والعدالة الاجتماعية أمرا ضروريا. ينطلق شباب داعش وراء هذا الحلم بإيمان عجيب غير آبه بما سيحدثه من تدمير وترويع للأبرياء الآمنين في ديارهم.
داعش تتبنى عن وعي خطابا معولما يرمي تحقيق طموحات الشباب اليائس، إنه خطاب عالمي يوظف عالمية الدين الإسلامي لتعزيز فكرته وهو خطاب يستخدم كافة وسائل العلم الحديث خاصة المعلوميات كي يتمكن من اختراق العولمة وضربها من الداخل وهدم منظومتها الفكرية بنفس الأسلوب والآليات. هذا الأسلوب يمكن التنظيم من الوصول إلى شباب القارات الخمس بكل يسر وسهولة.
التنظيم يستغل إحباط العديد من الشباب سواء في الدول العربية أو الغربية من تحقيق مفهوم العدالة الاجتماعية، فأغلب الاقتصادات العالمية حتى تلك المتضخمة لم تتمكن من تحقيق طموحات الشباب في خلق نوع من الحراك الاجتماعي بإمكانه أن يؤثر على البنية الاجتماعية ويغيرها. فالسلطة الاجتماعية والدينية والسياسة كانت ولا تزال في يد فئة محددة الأعمار والاتجاهات مما حرم فئة عريضة من الشباب من تحقيق طموحاتها.
داعش طبعا لا يمكن أن تكون البديل الذي يبحث عنه الشباب في تجاوز تناقضات ما تمكن الفكر البشري من إنتاجه من أنظمة سياسية واقتصادية، فهي تلعب كأغلب الحركات المتطرفة على البعد العاطفي للدين، من خلال إعادة أمجاد الدولة الاسلامية إبان عقودها الأولى، وتدفع باليائسين إلى اعتماد العنف البشع لاستعادة هذه الدولة التي توفر السبايا من النساء والإماء مما يمكن الشباب المكبوت من الحصول على النساء بدل الواحدة أربع أو ما ملكت الإيمان.
ستظل داعش تحمل لواء لا خلاص سوى في الإسلام لكن عن أي إسلام تتحدث. هذا ما يجب على الحكومات وكل المسؤولين في العالم تصويبه وتعديله.