شوف تشوف

الافتتاحية

من أجل مؤسسات حية

شرع الملك محمد السادس في إخراج عدد من المؤسسات الدستورية من حالة الشلل التي كانت تعيشها، بعد تجاوزها لزمانها الدستوري بمدة طويلة وتغيير معظمها لقوانينها المنظمة. وعين الملك الموجة الأولى من رؤساء مجالس المنافسة والاقتصادي والاجتماعي والبيئي والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، في انتظار الإعلان عن موجة أخرى من التعيينات تهم مؤسسة الوسيط والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الوطني للشباب والعمل الجمعوي، ومجلس المناصفة ومجلس الأسرة والطفولة.
بكل صراحة، تجربة المؤسسات الدستورية خلال السبع سنوات التي تلت دسترتها، لم تقدم ما كان منتظرا منها وأظهرت أنها تعاني حالة من الإحباط والترهل، والروتين وفقدان الرؤية، مما جعلها تدخل حالة من الشلل والفراغ الذي حل محله الشارع ليقوم ببعض أدوارها ويحقق بعضا من التوازن ضد قرارات الحكومة.
بدون شك، فقد لعبت حكومة عبد الإله بنكيران دورا كبيرا في إفساد التجربة الأولى للمؤسسات الدستورية، والجميع يتذكر كيف قاد بنكيران حملة شرسة ضد المؤسسات التي ارتقى بها الدستور، وفي مقدمتها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بسبب عدم تمثيلية منتدى الكرامة داخل مؤسساته، الأمر الذي دفعه إلى مباركة الهجومات التي كانت تتعرض لها هاته المؤسسة، والتي ارتفعت وتيرتها بعد توصيتها المتعلقة بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة. ولا أحد سينسى عملية جر «زعيم» البيجيدي للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري للقضاء، بعدما وضع مذكرة طعن أمام المحكمة الإدارية بالرباط ضد حكم «الهاكا» الذي اعتبر أن قرار الحكومة منع بث الإحاطات بمجلس المستشارين في وسائل الإعلام غير قانوني. ونتذكر تحقير بنكيران لمؤسسة الوسيط، وإهمال البت والجواب عن كثير من التظلمات التي تلقتها المؤسسة من المواطنين وأحالتها عليه، رغم أن أغلبها تخص مشاكل عالقة في مؤسسات الدولة، وتهم فئات واسعة من المغاربة، فيما فتح أبواب بيته بحي الليمون لحل مشاكل فردية للمواطنين لكسب تعاطفهم الانتخابي.
اليوم نحن بحاجة إلى مؤسسات دستورية قوية تقطع مع التجربة السلبية الأولى، مؤسسات تلعب أدوارها الدستورية كاملة في تقديم الاستشارة للحكومة وتهذيب قراراتها الظالمة وسياساتها الشعبوية. فالسياق الذي نعيشه لا يحتمل الفراغ ويفرض على مؤسسات الدفاع بشراسة عن استقلاليتها الحقيقية تجاه الحكومة والبرلمان، ما دام أن مسؤوليتها تقع أمام ملك البلاد وحده.
وفي المقابل، كفى من تحويل المؤسسات الدستورية إلى حدائق خلفية للأحزاب السياسية، إذ لا يمكن أن نطالب هذه المؤسسات بممارسة صلاحيتها كاملة فيما هي مؤسسات قائمة في جانب منها على الزبونية الحزبية والولاءات السياسية. لقد كان الغرض من وضع هاته المؤسسات هو إحداث آليات مستقلة مدبرة بوجوه ذات وزن مهني ومسار أكاديمي وكفاءة عالية، لا أن يسعى كل حزب إلى أن «يبلص» فيها من يمثله لكسب بعض التعويضات والامتيازات بدون أي قيمة مضافة.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى