شوف تشوف

الرئيسيةسياسيةشوف تشوف

من أجل ثورة صناعية

كان ترؤس الملك بالقصر الملكي لحفل تقديم نموذج سيارة أول مُصنع مغربي، والنموذج الأولي لمركبة تعمل بالهيدروجين قام بتطويرها مبتكر مغربي ضربة معلم حقيقية، ومناسبة حمالة رسائل للداخل والخارج. خصوصا عندما نرى الجيران يتباهون أمام “البراوط” معتقدين أنهم اخترعوا المركبات الفضائية مدعين الريادة في مجال لا يفقهون فيه أي شيء.
فمن جهة أعطى الملك الدليل على أن المغرب يمكنه فضلا عن تحقيق الريادة عالميا في صناعة سيارات الماركات العالمية أن يحقق الريادة أيضا بتصنيع نموذج سياراته الخاصة والاستفادة من خبرات المبتكرين المغاربة لتطوير قطاع صناعة سيارات الهيدروجين التي تعتبر طاقة المستقبل.
الحدث كان أيضا مناسبة لإعادة طرح ملف “صنع في المغرب” على الطاولة، وهي مناسبة لكي نتساءل عن مآل بنك المشاريع الذي كانت وزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي قد أطلقته في 2020 على عهد حفيظ العلمي والذي وصلت قيمته إلى 34 مليار درهم لدعم المقاولات التي ستصنع 83 مليار درهم من المنتجات محليا، وخفض قيمة المنتجات المستوردة من 183 مليار درهم سنويا إلى 100 مليار درهم.
ما الذي تحقق من هذا المشروع وكيف تم إنفاق 34 مليار درهم؟
بمعنى أدق وبلغة الأرقام هل حققت المقاولات 918 التي مول بنك مشاريعها تحدي استبدال الواردات بـ51.3 مليار درهم، ما سيسمح بتعويض للواردات يمثل نسبة 157 في المائة من الهدف المحدد في 34 مليار درهم؟
هل حققت مؤهلات التصدير المقدرة بمبلغ 66.3 مليار درهم، أي ما مجموعه 117.6 مليار درهم كتأثير على الميزان التجاري؟
هل نجحت هذه المقاولات في خلق 196767 منصب عمل، منها حوالي 78707 مناصب مباشرة، وتحقيق حوالي 69 في المائة من السيادة في المنتجات الصناعية كما تم الترويج له؟
كلنا لازلنا نتذكر المداخلة التي قدمها وزير الصناعة والتجارة في البرلمان حول الاستراتيجية الجديدة للمغرب لما بعد الجائحة والتي وصفها البعض بالثورة الصناعية.
الوزير قال أمام النواب أنه طلب من موظفي وزارته إعداد لائحة كاملة بكل ما يستورده المغرب من الخارج لكي يتم حذف كل المواد التي لا حاجة لنا بها أو التي يمكننا تصنيعها محليًا.
تخيلوا أن المغرب رائد عالمي في صناعة معلبات السمك، لكننا لازلنا غير قادرين على صناعة المعلبات التي نضع فيها السمك ونشتريها من الخارج.
المغرب رائد في تصنيع السيارات، لكن قطع الغيار التي نحتاجها في هذه الصناعة نستوردها من الخارج.
والمغرب رائد في صناعة العصائر وهو من أكبر البلدان المنتجة للحوامض والفواكه، ومع ذلك لازلنا نستورد روح العصائر المركزة من البرازيل.
خلال الجائحة اكتشفنا أن المغاربة قادرون على صناعة أجهزة تنفس اصطناعية وأجهزة طبية متطورة، ومع ذلك فالمغرب ظل يستورد أسرة المستشفيات وطاولات المدارس وكل المستلزمات الطبية.
لدينا منتجات فلاحية متنوعة ومع ذلك لدينا تخلف كبير في الصناعات التحويلية الغذائية، ونصدر هذه المنتجات كما هي لكي نستوردها مصنعة بالعملة الصعبة.
وهكذا فالعملة الصعبة التي نربحها من وراء تصدير منتجاتنا نصرفها في استيراد مواد كان من الممكن إنتاجها محليا.
فعندما ننظر إلى الميزان التجاري نصاب حقيقة بالدهشة عندما نرى كيف أن المغرب، إحدى الدول التي تحتل مؤخرة الترتيب في سلم التنمية، يعاني من اختلال كبير في ميزان الواردات والصادرات، بسبب ضعف إنتاجه للمواد القابلة للتصدير وتعويله على استيراد أغلب حاجياته الاستهلاكية من الخارج، ولهذا يسجل الميزان التجاري عجزًا مزمنًا، والسبب هو أن المغرب يستورد ضعف ما يصدره.
والمغرب لا يستورد فقط المنتجات الباهظة المخصصة للهاي كلاص، وإنما حتى أبسط المنتجات الاستهلاكية الموجهة للطبقات المسحوقة. فحتى السليبات القطنية أصبحنا نستوردها من تركيا والبانغلاديش. أما الولاعات التي نستوردها من الصين فقد وصل حجمها إلى 40 مليون بريكة سنويا، أي بريكة لكل مواطن. دون أن نتحدث عن إبر الخياطة التي نستوردها من الهند.
وهكذا أغلق رجال الأعمال وحدات الإنتاج وأصبحوا يجلبون كل شيء من تركيا والهند والصين، ومنهم من أغلق مصانعه هنا وأصبح يصنع منتجاته في مصانع بالصين لأن تكاليف الإنتاج أرخص.
وإذا استمرت وتيرة الاستيراد كما كانت عليه فإننا بدون شك سنستورد كيس الحمام من إسبانيا، والخرقة من إيطاليا، والكسال ربما سيكون صينيا هذه المرة، يضع في معصمه ساعة مقاومة للماء «مايد إن تشينا» يحصي بها دقائق كل تكسيلة.
وشخصيا أعتقد أن عدم تقدير المغاربة لعلاماتهم التجارية الوطنية وللمنتوج المحلي لديه سبب موضوعي وآخر نفسي.
السبب الموضوعي هو أن المنتوج الوطني يعاني فعلا من عائق التنافسية على مستوى الجودة والسعر مقارنة بالمنتجات المستوردة. وهنا لا نتحدث فقط عن الصناعات الغذائية وإنما أيضا عن مواد التنظيف والأثاث المنزلي وقطع الغيار والآلاف من المنتجات التي تغرق السوق الوطنية وتعجز الصناعة المحلية عن منافستها.
أصحاب المنتوج المحلي لديهم رغبة مرضية في الربح السريع على حساب الجودة وتنافسية السعر، أما الخدمة بعد البيع فهذا شيء لا يؤمنون بوجوده أصلا، وأعتقد أننا نحتل مؤخرة الترتيب في العالم في غياب هذه الخدمة، بمجرد ما يبيعونك شيئا يتنكرون لك إذا اكتشفت أن المنتوج فيه عطب. وهم بهذا السلوك يعتقدون أنهم في قمة الذكاء فيما هم يقترفون فعلا غبيا من الناحية التجارية ويفقدون زبونا إلى الأبد لصالح صاحب منتوج أجنبي.
أما السبب النفسي فيتعلق بمشكلة عدم الثقة في النفس التي تشكل أكبر إعاقة نفسية يعاني منها المغربي عموما.
وهذا أصل مشاكلنا كلها.
اليوم لم يعد مقبولًا أن نبدد العملة الصعبة في استيراد مواد ومنتجات نحن قادرون على صناعتها محليا. ولم يعد مقبولا أن نصدر منتجاتنا خاما كما هي دون الاستفادة من تصنيعها وتحويلها وتنويع استعمالاتها.
لذلك قلت فمشروع “صنع بالمغرب” ليس مشروع وزارة بل مشروع دولة سيربح منه المغرب في حال تحققه على أرض الواقع، فهو ثورة صناعية سيمنح للعبقرية المغربية المجال لكي تتفتق وتعطي أحسن ما عندها لبلدها وأبنائه ولشركائنا التجاريين.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى