دعت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية المغرب إلى ضرورة خلق مزيد من فرص الشغل وزيادة عدد الوظائف النوعية في القطاع المهيكل، معتبرة أن رفع معدل النشاط من شأنه أن يرفع مستويات معيشة السكان. وقالت المنظمة، في دراسة اقتصادية حديثة، إن الشباب في المغرب يشكلون رصيدا جيدا، غير أن سوق الشغل يعاني الفوضى والعشوائية، وارتفاع مستوى البطالة بين الشباب وانخفاض معدل توظيف النساء، ما يجعل الهجرة تأخذ بعدا مهما.
لمياء جباري
قالت الدراسة إن فجوة إنتاجية العمل بين المغرب والبلدان الواقعة على الحدود لا تزال كبيرة، وتعمل الشركات متعددة الجنسيات في بعض القطاعات على تعزيز الإنتاجية الصناعية، لكن من الممكن تعزيز الروابط مع الاقتصاد المحلي.
الاقتصاد غير المهيكل يعيق الإنتاجية
لا تزال القيمة المضافة المحلية تتركز في أنشطة أقل تطورا، وعدد المنتجات التي تتمتع الشركات المغربية بقدرة تنافسية عليها دوليا آخذ في التناقص، فضلا عن أنها تصدر عددا أقل من السلع ذات التكنولوجيا المتقدمة، ولكن المزيد من السلع ذات التكنولوجيا المتوسطة والعالية، مقارنة بالماضي.
وكشف الدراسة أن حجم الاقتصاد غير المهيكل وصغر حجم الشركات يعيقان نمو الإنتاجية، مضيفة أن ميثاق الاستثمار الجديد يهدف الآن إلى تحفيز الاستثمار الخاص من خلال إعانات الدعم واتخاذ التدابير اللازمة لتحسين مناخ الأعمال. ورغم أن البنية التحتية جيدة نسبيا، إلا أن القطاع العام يهيمن على تكوين رأس المال لفترة طويلة، علما أن كفاءة الاستثمار منخفضة، وينبغي توجيه استثمارات القطاع العام وإدارتها بشكل أفضل.
وتهدف تدابير الحوافز والدعم الجديدة، مثل منح الأراضي وتحسين مناخ الأعمال، إلى تنمية الاستثمار الخاص. ومن شأن ضمان توازن الحوافز بين القطاعات الجديدة والقائمة أن يساعد في توسيع القاعدة الصناعية. ويجري تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق لتوسيع نطاق التأمين الاجتماعي ومكافحة النشاط غير المهيكل واسع النطاق الذي يؤدي إلى انخفاض الأجور ووظائف منخفضة الجودة ومهارات متخلفة. وتنتشر الأعمال والوظائف غير المهيكلة بشكل خاص في المناطق القروية حيث تكون اليد العاملة منخفضة المهارات.
مشاركة المرأة لم تتجاوز 20 بالمائة
مكنت الإصلاحات التي تم تنفيذها في الماضي من إضفاء الطابع الرسمي على بعض الأنشطة من خلال الاعتراف بالعمل المستقل ورواد الأعمال. وتوسع الإصلاحات الجارية نطاق المساعدة الاجتماعية والتأمين الصحي، وتشمل التسجيل في سجل اجتماعي جديد يمكن ربطه بوكالة التوظيف لتسهيل الانتقال إلى سوق العمل وتحسين التوافق بين العرض والطلب على الوظائف.
وحسب الدراسة، فإن ارتفاع عدد المناصب والوظائف في الاقتصاد غير المهيكل يعيق المكاسب الإنتاجية للشركات المغربية، وقالت معلّقة: «ينعكس الاقتصاد غير الرسمي على استمرار انخفاض الإنتاجية وضعف جودة الوظائف، وفي الوقت نفسه يشكل مصدراً للمنافسة غير العادلة (أو غير المتكافئة) للشركات الرسمية». ولفتت الدراسة إلى أن «الشركات الصغيرة هي الأكثر تضررًا»، منبهة إلى «أفضلية القطاع غير الرسمي بنسبة 20 إلى 40 في المائة على القطاع الرسمي عندما يتعلق الأمر بالمعاملات التجارية». وكشفت الدراسة أن مشاركة المرأة في سوق الشغل لم تتجاوز 20 في المائة عام 2022، فيما بلغت مشاركة الرجال 70 في المائة. وأوضح المصدر أن الشباب المغربي، وخاصة حديثي التخرج، يعانون ارتفاع البطالة، ما يجعل المغرب أمام ضرورة تشجيعهم على المشاركة في فرص التدريب والتأهيل، وتبسيط إجراءات هذه المشاركة.
إدماج الشباب والنساء
دعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المغرب إلى ضرورة بذل مجهود أكبر لإدماج النساء والشباب في سوق الشغل، معتبرة أن معدل نشاط المرأة بالمغرب منخفض، بل هو حاليا في تراجع، ما يستوجب سلسلة من التدابير، بما في ذلك تحسين فرص الحصول على التمويل، والحد من التمييز ومكافحة الصور النمطية التي تقصي المرأة بسبب التمييز الجنسي، وهي التدابير التي من شأنها أن تساهم في تعزيز دور المرأة في سوق العمل. وانتقدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ارتفاع حجم البطالة في صفوف الشباب، وخاصة بين الشباب حاملي الشهادات الدراسية، ما يستوجب تبسيط نطاق السياسات النشطة في مكافحة بطالة الشباب بما يمكن من مساعدة الشباب للعثور على فرص عمل.
وكان الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية قدم خلاصات الدراسة الاقتصادية التي أطلقتها المنظمة حول المغرب، مؤكدا أن المغرب يواصل تسجيل انتعاش قوي رغم الصعوبات التي واجهته بسبب جائحة كورونا وزلزال الحوز، فضلا عن تداعيات الجفاف. وأكد الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أن البرنامج، الذي يتم اختتامه، يتمحور حول أربعة أعمدة أساسية تتماشى مع النموذج التنموي الجديد.
ضرورة تقديم حوافز ضريبية
شددت الدراسة على أن أضرار «الاقتصاد غير المهيكل» تطول أيضا «تعبئة الإيرادات الضريبية والنمو الإجمالي والدينامية التنافسية في القطاع الرسمي»؛ فيما ترى منظمة التعاون الاقتصادي أن على السلطات المغربية العمل المُلح عبر خطة هجومية لمحاربة تمدد الأنشطة غير المهيكلة. وتوصي دراسة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بتقديم حوافز تضرب المثل بـ«أهمية تخفيف وخفض الضرائب واشتراكات الضمان الاجتماعي للشركات الصغيرة التي تصبح مُنظَّمة ومهيكَلة، وكذلك تعزيز آليات الرقابة والعقوبات الرادعة». وتقترح الدراسة «إمكانية أن يؤدي إدخال الحلول الرقمية، مثل الدفع/الأداء الإلكتروني والفواتير عبر الإنترنت، إلى تسهيل عملية الانتقال من خلال تقليل تكاليف الامتثال»، وفق تقديرها. وفي الوقت نفسه تقول الدراسة إنه «من الضروري تحسين فرص الحصول على القروض الائتمانية ودعم ريادة الأعمال لتشجيع العمّال والشركات على إضفاء الطابع الرسمي على أنشطتهم». وسلطت الدراسة، التي قدم خطوطها العريضة ماتياس كورمان، الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، الأربعاء 11 شتنبر الماضي بالرباط، الضوء على مجموعة من التحديات الكبرى التي يجب على المغرب مواجهتها من أجل تحسين الدخل بشكل مستدام والرفع من مستوى عيش السكان بالمغرب.
تحسين إنتاجية العمل
يتجلى التحدي الأول، وفق ماتياس كورمان، في تحسين الإنتاجية، بحيث يجب تعزيز إنتاجية العمل من أجل تحفيز التنمية الاقتصادية للمغرب بشكل دائم. وأكد كورمان على ضرورة تطوير الاستثمار الخاص في الصناعة، لافتا إلى أن المنظمة اشتغلت بمعية المملكة على ذلك، بحيث تتجلى أهمية هذه الخطوة في تمكين الاقتصاد المغربي من خلق رأسمال إنتاجي من أجل تحسين مستوى عيش الساكنة وخلق فرص شغل بجودة عالية، خصوصا للشباب الراغبين في ولوج سوق الشغل. وإذا كان القطاع العمومي ساهم في تشييد بنيات تحتية وخلق استثمارات، يقول كورمان، «نجد، في المقابل، أن الاستثمار الخاص ضعيف جدا»، معتبرا أن ميثاق الاستثمار الجديد سيعمل على ذلك بهدف تحسين الإنتاجية في المغرب.
وتطرقت الدراسة إلى ضرورة تقوية التنافسية لتحفيز القطاع التجاري، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص .
وشددت الدراسة على ضرورة بذل مجهودات أكبر لمكافحة الرشوة، بحيث تظهر نتائج الدراسة تعزيز إطار مكافحة الفساد في المغرب، «إلا أن بعض الشركات تشير إلى دفع رشاو مقابل الحصول على خدمات من الإدارة». ويرى كورمان أن هذا الأمر يستدعي مواصلة الجهود لمكافحة الرشوة، وخاصة من خلال تقليل التفاعلات بين المواطنين والإدارة وخلق مناخ أفضل للمقاولات.