أَفلست التجارة.. توقّف التهريب.. ماتت مدينة الفنيدق مختنقة تحت وطأة الأزمة الاقتصادية.. كل هذه العبارات التي تغرق في السلبية القاتلة وغيرها كثير، كانت محط نقاش ساخن واحتجاجات عارمة بالمدينة الساحلية خلال أزمة جائحة كوفيد 19، وإغلاق معبر باب سبتة المحتلة، لكنها أصبحت من الماضي، وحل محلها الأمل والتطلع لغد أفضل، مع التدخل الحكومي من خلال تنزيل مشاريع تنموية وبدائل حقيقية للتهريب، بتنسيق بين مجموعة من المؤسسات المعنية، على رأسها وزارة الداخلية ومصالح ولاية جهة طنجة – تطوان – الحسيمة.
الفنيدق: حسن الخضراوي
انطلق العمل بمنطقة الأنشطة الاقتصادية بباب سبتة المحتلة، بحر الأسبوع الماضي، وتم استقبال أول حاوية سلع مستوردة من الخارج وفق القوانين الجاري بها العمل، وهو إعلان صريح لنهاية سنوات من التهريب وتخريب الاقتصاد الوطني، وضياع فرص مناصب شغل مهمة، وخطر استهلاك مواد غذائية غير مراقبة، ولا تخضع لمعايير شروط الصحة والسلامة والوقاية من الأخطار.
كل المستثمرين الذين استفادوا من محلات تجارية بمختلف المساحات والأحجام بمنطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق، عازمون على الاجتهاد لإعادة الحياة إلى أسواق المدينة، باستيراد أجود أنواع السلع ومواكبة تطور التجارة العالمية، والرفع من المعاملات المالية والتنسيق مع التجار الصغار لتحويل المشروع الجديد لقاطرة قوية تجر المدينة والمنطقة ككل نحو مستقبل أفضل في إطار سياسة الهيكلة، واستفادة خزينة الدولة من مداخيل بالملايير، مع حماية صحة وسلامة المستهلك، والقطع مع الفوضى والعشوائية في قطاع التجارة.
مصالح عمالة المضيق، والسلطات المحلية بالفنيدق الممثلة في الباشوية، تعيش على وقع الاستنفار والتتبع الدقيق لبداية عمل منطقة الأنشطة الاقتصادية، من خلال فتح المجال لتسجيل التجار الذين تتوفر فيهم الشروط، والراغبين في دخول المنطقة لجلب السلع بالجملة وبيعها بعد ذلك بالتقسيط، فضلا عن الحذر من كل عراقيل تواجه المستثمرين وعمليات الاستيراد، لضمان انطلاقة قوية وتحقيق الإشعاع الاقتصادي المطلوب.
بلغت تكلفة مشروع منطقة الأنشطة الاقتصادية بباب سبتة المحتلة أزيد من 20 مليار سنتيم، لتجهيزها ببنيات تحتية حديثة تحترم المعايير العالمية، حيث تبلغ مساحة الشطر الأول من المشروع 10 هكتارات وتتكون من 76 مستودعا مزودا بجميع الوسائل والتجهيزات الأساسية للاشتغال، ما يمنح المشروع دينامية كبيرة لاقتصاد المنطقة، وينتظر مساهمته في إحداث ما يناهز 1000 منصب عمل قار ومباشر، وكذا تحسين الجاذبية السياحية الداخلية.
معايير حديثة
تم تشييد مشروع منطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق وفق معايير حديثة تتوافق وتطور التجارة العالمية، ومواصلة الميناء المتوسطي تحقيق أرقام إيجابية وصعود منصة الترتيب العالمي في ظرف وجيز، والرفع من جودة الخدمات وضمان معاملات مالية شفافة، يمكن من خلالها لأجهزة الدولة تتبع رؤوس الأموال، ووضع برامج تنموية بناء على معطيات دقيقة، فضلا عن القطع مع عشوائية وفوضى القطاعات غير المهيكلة التي كانت سببا في استفحال أنشطة شبكات تبييض الأموال والاتجار الدولي في المخدرات بأنواعها والتهريب المنظم.
وذكر مصدر مسؤول أن جميع السلع التي تستقبلها منطقة الأنشطة الاقتصادية تمر بمسار قانوني يمكن أن يبدأ من مكان شرائها بعدد من دول العالم، حيث فتحت مصالح الجمارك والضرائب غير المباشرة إمكانية التنسيق القبلي مع المستثمر لنصحه بشراء أو عدم شراء المنتوج من الأساس، حتى لا يسقط في مشاكل جمركية عند وصول حاويات السلع، كما يتم التأكيد على ضرورة الجودة وشروط الصحة وحماية المستهلك والمعاملات المالية القانونية.
وأضاف المصدر نفسه أن السائح والزائر الذي سيقصد مدينة الفنيدق والمدن المجاورة خلال عطلة الصيف، سيجد أمامه بضائع معروضة للبيع تتوفر فيها شروط الجودة، ومرت بمسار قانوني للاستيراد، وليس هناك تضارب كبير في أثمانها كما كان يحدث سابقا أثناء فوضى وعشوائية التهريب، كما سيكون بالإمكان شراء أي منتوج دون خوف من مصادرته من قبل مصالح المراقبة التابعة للجمارك أثناء السفر في اتجاه المدن الداخلية.
واستنادا إلى المصدر عينه، فإن الجماعة الترابية بالفنيدق أصبحت مطالبة بهيكلة شاملة للأسواق حتى تتوافق والمعايير الحديثة للتجارة، فضلا عن تجويد الخدمات والقطع مع عشوائية سوق المسيرة الخضراء حيث الممرات الضيقة واحتلال الملك العام، وغياب الأجواء المناسبة لعرض السلع، سيما وأن تطور القطاع السياحي بالمنطقة رهين بعقلية تجويد الخدمات واستقبال السائح والزائر وكأنك تستقبل ضيفا في بيتك.
وأشار المصدر ذاته إلى أن المؤسسات المعنية بالشمال، بتنسيق مع المصالح الحكومية المختصة، وضعت رهن إشارة المستثمرين والتجار كل الوسائل القانونية المتاحة لتكون انطلاقة منطقة الأنشطة الاقتصادية بالقوة اللازمة، وتحقق الأهداف المرجوة كقاطرة يمكن الاعتماد عليها في التنمية والسياحة، وتسريع التعافي من تبعات جائحة كوفيد 19 على الاقتصاد المحلي والوطني بصفة عامة.
عناية ملكية
بعد الاحتجاجات التي شهدتها مدينة الفنيدق وتضرر السكان من إغلاق باب سبتة المحتلة بسبب إجراءات الحد من انتشار جائحة كوفيد 19، صدرت تعليمات ملكية سامية بضرورة التعجيل بالاستجابة لمطالب المحتجين بتوفير مناصب شغل بشكل مباشر وغير مباشر، وتنزيل مشاريع يمكن من خلالها تحقيق بدائل ملموسة عن التهريب وفوضى القطاعات غير المهيكلة.
وقال محمد الياسيني، الذي يشغل منصب نائب بمجلس عمالة المضيق، إن الحكومة تدخلت بالإقليم من خلال التنسيق مع كافة القطاعات الوزارية المعنية لفتح مجموعة من الأوراش التي توفر فرص شغل مهمة للشباب العاطل، فضلا عن تدخل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية برئاسة العامل ياسين جاري، لدعم النساء ممتهنات التهريب المعيشي سابقا، في مجالات التكوين والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتتبع الدقيق لتعليمات والي جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، محمد مهيدية، بتسريع تنفيذ منطقة الأنشطة الاقتصادية في أقرب الآجال الممكنة.
وأضاف المتحدث نفسه أن تشييد المنطقة الاقتصادية بالفنيدق يعد بمثابة إعلان صريح لنهاية سنوات من التهريب وفوضى القطاعات غير المهيكلة، كما يأتي ذلك استجابة من الحكومة لسيل من الأسئلة التي تم طرحها من فريق حزب الأصالة والمعاصرة بالمؤسسة التشريعية، وتنبيهه القطاعات الوزارية المعنية لمزيد من تجهيز البنيات التحتية بالإقليم باعتبارها المنصة التي يمكن أن تستقطب استثمارات مهمة في جميع المجالات.
وحسب الياسيني، فإن الفرق البرلمانية مازالت تتابع مشروع المنطقة الصناعية بحيضرة بالفنيدق، حيث تم الشروع في الأشغال لبناء وحدات صناعية، لكن وجب تسريع الإجراءات وتوفير الاعتمادات المالية، من قبل مجلس جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، لتجهيز البنيات التحتية، حتى يتم استقبال مستثمرين آخرين واستفادتهم من التشجيعات التي طرحتها الدولة لتوفير مناصب شغل والنهوض بالمنطقة لتخرج من ظلام استفحال القطاعات غير المهيكلة، لفجر الهيكلة وتحقيق مداخيل مهمة تنعش الميزانية وتعود بالنفع على تقدم وازدهار البلاد، تنزيلا للتعليمات الملكية السامية وتوجيهات ملك البلاد لبناء وطن حديث يواكب التطور العالمي في جميع المجالات.
وذكر المتحدث نفسه أن مصالح وزارة الداخلية الممثلة في السلطات الإقليمية والمحلية بالفنيدق، أظهرت وعيها التام بالرهان الخاص بالمرحلة الانتقالية من التهريب للهيكلة، حيث تم تعويض فشل المجالس الجماعية أكثر من مرة، وإخفاقها في مسايرة المشاريع الملكية التي تروم خلق دفعة قوية للاقتصاد المهيكل، والقطع مع المعاملات المالية السوداء التي تضيع على الدولة ملايير من المداخيل تذهب لجيوب لوبيات مستفيدة، تختفي خلف مشاكل الطبقات الاجتماعية التي تعاني الفقر والهشاشة.
عمل مهيكل
تتميز منطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق بعملها المنظم والمهيكل، حيث تتوفر على إدارة خاصة بالجمارك والضرائب غير المباشرة، فضلا عن إدارة خاصة بالمنطقة وجمعية تضم المستثمرين وتهتم بالدفاع عن حقوقهم أمام المؤسسات المعنية، والتدخل لحل المشاكل والإكراهات خلال مدة زمنية مقبولة، فضلا عن التوجيه والتأطير ومساعدة التجار على الانتقال من التعامل بالتهريب والفوضى، للتعامل بالقانون والفواتير وأداء مستحقات الدولة.
وأنهت جماعة الحضرية للفنيدق، بحر الأسبوع الماضي، إلى كافة تجار الأسواق التجارية بالمدينة، أن عملية التسجيل بمنطقة الأنشطة التجارية بواد الضاويات انطلقت فعليا، وما على الراغبين في الولوج للمنطقة المذكورة للتبضع إلا الالتحاق بإدارة المنطقة الموجودة بعين المكان.
وتم وضع شروط خاصة بالاستفادة من دخول منطقة الأنشطة الاقتصادية، منها التوفر على السجل التجاري، والإدلاء بنسخة من بطاقة التعريف الوطنية، ونسخة من الورقة الضريبية، حيث سيكون بمقدور جميع التجار الذين تتوفر فيهم الشروط والمعايير المطلوبة، اقتناء السلع من محلات المنطقة بالجملة وإخراجها بواسطة فاتورة بالدرهم المغربي، لبيعها بنصف الجملة والتقسيط.
وكشف ابراهيم أمغاوش، أحد المستثمرين بمنطقة الأنشطة الاقتصادية، وصاحب أول حاوية للاستيراد تصل محملة بالمواد الغذائية المراقبة وتتوفر على الشروط الصحية للاستهلاك، أن تشييد المشروع المذكور هو بمثابة تحقيق حلم المدينة والمنطقة ككل، في العودة للرواج التجاري بوتيرة أكثر من السابق، والرفع من المعاملات المالية القانونية واستفادة خزينة الدولة بشكل ينعكس على التنمية الشاملة.
وأضاف المتحدث نفسه، الذي يرأس جمعية للمستثمرين بالمنطقة، أن السلطات المختصة والمؤسسات الرسمية والقطاعات الوزارية المعنية، مطالبة بمواصلة الاهتمام وتنفيذ كافة الالتزامات، وذلك بدعم رجال الأعمال لتحريك عجلة الاقتصاد بأقصى سرعة ممكنة، سيما وأن المرحلة الانتقالية من فوضى التهريب إلى فضاء الهيكلة توجد في المراحل الأخيرة، والمغرب يطمح للخروج من أزمة كوفيد 19 بشكل أكثر قوة وتنظيما، واللحاق بركب تطور التجارة العالمية والانفتاح على كافة أسواق العالم، دون إغفال الإمكانيات المتاحة للتصنيع والتصدير لتحقيق التوازن الاقتصادي.
وحسب أمغاوش، فإن ما يميز السلع والمواد الغذائية التي توجد بمنطقة الأنشطة الاقتصادية، عن غيرها من السلع المهربة، هو المسار الذي تسلكه المنتوجات المستوردة من خلال مراقبتها من قبل مصالح الجمارك والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (ONSSA)، وسهولة التعرف على البائع من خلال الفواتير ليتحمل مسؤوليته الكاملة أمام القانون، فضلا عن المعاملات المالية القانونية، وإمكانية الانخراط في معاملات تجارية عالمية حديثة مع الحفاظ على رؤوس الأموال واستقرارها، ناهيك عن توفير فرص شغل مهمة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي بالمنطقة.
وأكد ابراهيم أن كل السلع التي كانت تدخل عن طريق التهريب توجد الآن بمنطقة الأنشطة الاقتصادية وفق معايير الصحة والسلامة، بالإضافة لاجتهاد مستثمرين لجلب سلع أخرى ذات جودة عالية، لذلك سيكون الموسم الصيفي لهذه السنة، إن شاء الله، استثنائيا بكل المقاييس، من حيث تزويد الأسواق بكل ما تحتاج من السلع ذات الجودة العالية وحماية صحة وسلامة المستهلك، والمساهمة في الرفع من جودة الخدمات السياحية.
ضربة موجعة
مع إطلاق المصالح الحكومية المختصة لمجموعة من المشاريع التنموية المهيكلة بمدن الشمال، تلقت شبكات تبييض الأموال والاتجار الدولي في المخدرات والتهريب المنظم..، ضربة موجعة بتراجع معاملاتها المالية في السوق السوداء، بشكل كبير طيلة المدة التي توقف فيها التهريب بباب سبتة المحتلة، نتيجة الإجراءات المتعلقة بجائحة كوفيد 19.
وحسب مصادر مطلعة، فإن شبكات الاتجار الدولي في المخدرات تكون في الغالب في أمس الحاجة لمن يدخل الأموال التي تجنيها بطرق ملتوية، فتقوم بالاستعانة بخدمات شبكات تبييض الأموال التي توفر للمهربين المبالغ المطلوبة بدول مختلفة، حيث يتم اقتناء البضائع المطلوبة على أن يتم دفع المقابل داخل المغرب بعملة الدرهم المغربي.
واستنادا إلى المصادر نفسها، فإن توقف القطاعات غير المهيكلة ظهرت مؤشراته الإيجابية على مستوى مداخيل ميزانية الدولة وأداء الضرائب، وتسجيل العمال في الضمان الاجتماعي، والقطع مع مشاكل خروقات حقوق الإنسان المرتبطة بالتهريب المعيشي، والاكتظاظ وحوادث التدافع التي أدت لمصرع نساء وإصابة عدد منهن بعاهات مستديمة، ناهيك عن الانتقادات التي كانت توجه لمؤسسات الدولة من قبل جمعيات حقوقية دولية.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن فوضى القطاعات غير المهيكلة بمدن الشمال كانت تستفيد من عائداتها لوبيات متعددة تحاول الاختباء خلف المشاكل الاجتماعية للطبقات الفقيرة والهشة، التي لا يصلها سوى الفتات، ومناصب شغل غير مستقرة، وغياب أبسط الحقوق وعدم احترام مدونة الشغل، فضلا عن غموض المستقبل والتخبط في العشوائية والفوضى التي تصبح هي الأساس في التعامل، ومعها تصبح القوانين من الاستثناءات.
وتتواصل مطالب تسريع وتيرة إنجاز المشاريع المهيكلة بمدن الشمال، من خلال توفير الاعتمادات المالية الضرورية والرفع من درجة التنسيق بين المؤسسات المعنية لتحقيق أهداف توفير فرص الشغل بطرق مباشرة وغير مباشرة، واستفادة خزينة الدولة من عائدات الضرائب، وفك الارتباط تدريجيا مع فوضى القطاعات غير المهيكلة، والانخراط بقوة في أهداف مشروع الميناء المتوسطي لتحقيق التنمية المنشودة ومواكبة الحركة التجارية والصناعية العالمية.