منزلة الأمانة في الإسلام
أحمد الراقي
قال اللَّه تعالى: (إن اللَّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها).
وقال تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان؛ إنه كان ظلوماً جهولاً).
الأمانة مصدر قولهم: أمِن يأمَن أمانة أي صار أمينًا ورجل أمنة: إذا كان يأمنه النّاس ولا يخافون غائلته. واصطلاحًا: قال الكفويّ: الأمانة: كلّ ما افترض اللّه على العباد فهو أمانة كالصّلاة والزّكاة والصّيام وأداء الدّين، وأوكدها الودائع، وأوكد الودائع كتم الأسرار.
الأمانة هي التكاليفُ الشرعية، أي حقوقُ الله وحقوق العباد، فمن أدَّاها فله الثواب، ومن ضيَّعها فعليه العقاب، فقد روى أحمد عن بن مسعود أنه قال: (الصلاةُ أمانة، والوضوءُ أمانة، والوزن أمانةٌ، والكيل أمانة) وأشياء عدّدها، (وأشدُّ ذلك الودائع)، فمن اتَّصفَ بكمَال الأمانة فقد استكمَل الدينَ، ومن فقد صفةَ الأمانة فقد نبذ الدينَ، كما روى الطبراني من حديث ابن عمر: (لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له).
الأمانةُ خلُقٌ مِن أخلاق الأنبياءِ والمرسَلين، وفضيلةٌ من فضائل المؤمنين، عظَّم الله أمرَها ورفع شأنها وأعلى قدرَها، وقد قال الملكُ ليوسف عليه السلام: (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ) وعُرِف النبي صلى الله عليه وسلم بالأمانة ولُقّبَ بالأمين قبل البعثة، وقصة وضع الحجر الأسود مشهورة حيث فرح القوم بمقدمه صلى الله عليه وسلم وقالوا: هذا الأمين، وأمانته صلى الله عليه وسلم كانت سببًا في زواجه من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها بل إن الله وصف بها جبريل عليه السلام: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ).
الأمانةُ أمر الله بحفظِها ورِعايَتِها، وفرَض أداءَها والقِيامَ بحقِّها: (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ)، ويقول جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)، ونبيُّنا يقول: (أدِّ الأمانةَ إلى من ائتَمَنك، ولا تخُن من خانك) وعن أبي هريرةعن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان». رواه البخاري.
إن الأمانة هي الرابطة بين الناس في أداء الحقوق والواجبات، ولا فرق بين حاكم وموظف وصانع وتاجر وزارع، ولا بين غني وفقير وكبير وصغير، فهي شرف الغني وفخر الفقير وواجب الموظف ورأس مال التاجر وسبب شهرة الصانع وسر نجاح العامل والزارع ومفتاح كل تقدم بإذن الله ومصدر كل سعادة ونجاح بفضل الله، وإن مجتمعًا يفقد هذه الصفة الشريفة لهو من أفسد المجتمعات، إذ إن الأمانة موجودة في الناس عن طريق الفطرة والوحي، ثم تقبض منهم لسوء أفعالهم. قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ).
كيف تكون أمينًا؟
أولاً: أداء حق الله جل وعلا بتوحيده وفعل الواجبات والبُعد عن المحرمات، ومن لم يكن أمينًا في دينه حريٌّ به ألا يكون أمينًا في مُعاملاته مع الناس، ومن ضيّع حق الله جل وعلا فهو لحق غيره أضيع.
ثانيًا: بذل جهدك في أداء ما كُلّفتَ به على الوجه المطلوب أينما كان مكانك ومهما كانت صفتك، وإن لم يعلم عنك أحد فالله جل وعلا هو السميع البصير، وهو سيجازيك لإحسانك ونزاهتك، ويُعاقبك على إساءتك وتفريطك.
ثالثًا: نزاهتك المادية بصيانة الأموال العامّة وحفظها ورعايتها، وعدم التساهل فيما هو ليس من حقك، والبعد عن كل ما فيه شُبهة أو شك، فسلامة الدين لا يعدلها شيء، ومن ترك شيئًا لله عوضه خيرًا منه.
رابعًا: القيام بحقوق المسلمين والعدل فيها وعدم الظلم والجور وأدائها بالصفة الصحيحة والوقت المحدد، مع النصح لهم فيما هو خير وأنفع.
والأمانة من الأمور المهمة للمجتمع، وبدونها يعيش المجتمع في بلاء عظيم، والأمة التي لا أمانة لها هي التي تنتشر فيها الرشوة، وينتشر فيها الغش والخداع والتحايل على الحق وتضييع الواجبات التي أنيطت بأفرادها، فما من إنسان منا إلا وعمله أمانة لله في عنقه، فالشعب أمانة في يد ولاة الأمور، والدين أمانة في يد العلماء وطلبة العلم، والعدل أمانة في يد القضاة، والحق أمانة في يد القائمين عليه، والصدق أمانة في يد الشهود، والمرضى أمانة في يد الأطباء، والمصالح أمانة في يد المستخدمين، والتلميذ أمانة في يد الأستاذ، والولد أمانة في يد أبيه، والوطن أمانة في يد الجميع، وأعضاء الإنسان أمانة لديه، فاللسان أمانة فاحفظه من الكذب والغيبة والنميمة والسخرية بعباد الله، والعين أمانة فاصرفها عن النظر إلى الحرام وتوجه بها إلى النظر إلى المباح الحلال، والأذن أمانة فجنبها استماع المحرمات واصرفها إلى استماع ما يعود عليك بالنفع والفائدة في الدنيا والآخرة، والرجل أمانة واليد أمانة فلا تمش إلا إلى الخيرات، وأموالكم أمانة فلا تصرف إلا فيما يرضي الله سبحانه وتعالى، وكل هذا قبل أن يأتي يوم للسؤال عن هذه الأمانة: فقد ثبت في الحديث أن النبي قال: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين أتى به وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به؟).
ومِن الأمانةِ العظيمةِ على كلِّ مسلم في هذه الأرض حملُ هذا الدينِ، وإبراز محاسنِه العِظام وفضائِله الجسام، وإفهامُ العالم كلِّه بالعِلم والعمَل بالسلوك والمظهر وأنَّ هذا الدينَ خير ورحمةٌ عامّة للبشرية وصلاحٌ للعالَم يحمِل السعادة والسّلام والفوزَ والنجاة في الدنيا والآخرة.