مناورات عسكرية
بإعلانه عدم ترشحه لعهدة خامسة، يكون عبد العزيز بوتفليقة نجح في نزع فتيل قنبلة الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية التي اجتاحت الجزائر منذ إعلان ساكن قصر المرادية ترشحه للولاية الخامسة من قاعة الإنعاش بأحد مستشفيات سويسرا.
واضطر بوتفليقة، أول أمس، للخضوع لـ«فيتو» الشارع ضد عهدته الخامسة، معلنا بشكل رسمي عدم الترشح لولاية جديدة وتأجيل الانتخابات الرئاسية، وفتح حوار وطني يفضي لإصلاحات دستورية وسياسية، واستبق أجندته بتغييرات داخل الحكومة على بعد شهر واحد من انتهاء انتدابه الرئاسي.
بغض النظر عن الخلفيات والكواليس التي تحكمت في إخراج السيناريو المحكم الذي كشف بوتفليقة عن بعض فصوله، فإنه شكل نوعا من التجاوب السياسي مع مطالب المحتجين للحد من اتساع رقعة الغضب التي كانت تتمدد كل يوم، لكن التخوف أن تكون قرارات بوتفليقة مجرد سحابة دخان للتغطية على مشروع فترة خامسة مقنعة، والتفاف سياسي على مطالب الشارع بالتنحي واحترام القواعد الديمقراطية.
الكثير من الجزائريين ينتابهم التوجس من خطوة بوتفليقة وهم يشعرون بأنها مناورة سياسية لربح الوقت من أجل فرض المرشح المتوافق عليه داخل الأجهزة الأمنية وتحديد من ستكون له الكلمة الأخيرة داخل المؤسسة العسكرية في تعيين الرئيس القادم.
بدون شك، ستخلف خطوة بوتفليقة نوعا من الارتياح الظرفي داخل الشارع الجزائري كمقدمة لطي صفحة وزير خارجية بومدين، لكنها لن تنهي الحراك السياسي الذي انطلقت شرارته منذ شهر، فسيناريو العسكر الذي تلي على لسان رئيس الجمهورية لا يحترم القواعد الدستورية التي تمنع تأجيل الانتخابات إلا في حالات استثنائية لا تتوفر شروطها، ولا يقدم أجندة زمنية واضحة للانتخابات المقبلة ولا خطة واضحة للندوة الوطنية المستقلة المكلفة بوضع الدستور وتاريخ إجراء الاستفتاء الدستوري.
لكن يبقى السؤال الأساسي هو هل يقبل الشارع الجزائري أن تتم عملية إدارة مستقبل الجمهورية من طرف رجل مريض هو الحلقة الأضعف في صراع الأجنحة داخل قصر المرادية؟
وهل سيقبل الجزائريون عملية تغيير الوجوه دون تغيير بنية السلطة ومصادر شرعيتها التي يتحكم فيها الجيش؟
مما لا ريب فيه، أن الشارع الجزائري رفع مطلب رفض العهدة الخامسة للرئيس وقد انتصر في تحقيق مطلبه، لكن الأمور لن تقف عند هذا الحد ولن يقبل بالتضحية بالرئيس واستمرار النظام العسكري.