ممرضة ضمن بعثة إنسانية سألتني عن والدها المغربي الذي كان أسيرا في سجون الجزائر
مانسيناكش علي عثمان (طيار مغربي أسير سابق للبوليساريو):
22 فبراير، 2024
حسن البصري:
هل كشف لك الضابط المغربي المرضي عن مخطط الهروب الذي أعده؟
سمح للأسرى بممارسة الرياضة، لكن من سيمارس التمارين الرياضية وغالبية المعتقلين يجترون إصابات. البعض كانت تراودهم بشكل فردي فكرة التخطيط للهروب، غير أن لا أحد كان يتحدث في هذا الموضوع، بل إن أي فكرة تمرد غالبا ما يتم التفكير فيها بشكل سري. وحدهما المرضي والملازم أستاتي ثابرا على الرياضة بغاية الهروب، لكن الأخير، الذي قام بالمبادرة سنة 1987، غادر مركز الاعتقال مباشرة بعد مناداة المساء، منتهزا غفلة من رئيس المركز، ليتبخر في الطبيعة، قبل أن يتم اعتقاله في اليوم الموالي وإعادته إلى المركز، حيث لم يقتصر التعذيب عليه وحده بل تجرع مرارته جميع الأسرى، خاصة الذين كانوا يرافقونه في الأسر.
معنى هذا أن الهروب ركضا تطلب تحضيرا خاصا..
كان الهدف الوصول إلى ما وراء الجدار العازل، أي قطع مسافة تفوق السبعين كيلومترا. لم يكن المشكل في طول المسافة بل في المدة الفاصلة بين لحظة التأكد من عدد الأسرى، بمعنى أن الهروب يحتاج لوقت أطول حتى لا تتم المطاردة وتنتهي بإلقاء القبض على الهارب وإعادته إلى السجن لتبدأ مرحلة تعذيب ليس للمعني بالفرار فحسب، بل لأصدقائه وغالبية الأسرى كذلك. هناك بعض الجنود تمكنوا من الفرار بنجاح، لكنهم قلة ومنهم من هرب من منطقة جنوبية، وهذا دافع للهروب ومشجع على خوض المغامرة، وطبعا الحافز الأكبر هو الوطن والحرية والشوق إلى الأبناء. للأسف لم أكن معنيا بالهروب بسبب وضعي الصحي، وطبعا لم أكن الوحيد المعفي من هذا الحلم، بل كان ثمة العديد من الأسرى المصابين ومنهم كثير من المعطوبين. كان هروب المرضي أسطوريا واهتم بأدق التفاصيل الصغيرة، حتى تتم العملية بنجاح أو تتم بأقل أخطاء ممكنة. الهروب ليس مجرد ركض بل قفز واختفاء، وأنا لم يكن بإمكاني المشي بشكل طبيعي فما بالك بالقفز. لا تنس، أيضا، أن الصحراء كلها مخاطر بحكم الألغام المزروعة وهذا يجعل الهروب قضية معقدة، وليست مجرد هروب في الخلاء. يجب، أيضا، وضع العوامل المناخية في الحسبان، هناك رياح وزوابع وحرارة، وهي أمور يمكنها أن تبطل أحلامك. أنا، مثلا، لولا الزوابع الرملية لما سقطت مظلتي في معسكر البوليساريو بعد أن تعرضت طائرتي لصاروخ. في جميع الحالات الشيء الوحيد الذي يفكر فيه كل من يسعى للإفلات من الأسر، هو الإفلات من البوليساريو وبلوغ الجدار الأمني المغربي، في أقرب وقت.
هل عاد الطيار المرضي إلى عمله في سلاح الجو؟
حسن المرضي كفاءة رياضية لم يستسلم للأسر، وظل محافظا على لياقته البدنية. استعاد مكانته في القوات المسلحة الملكية برتبة ملازم ثان، وواصل الخدمة في القوات الجوية طيارا مكوِنا، وظل في سلاح الجو إلى أن أحيل على التقاعد برتبة عقيد، وألمت به أزمات قلبية إلى أن لقي ربه. عزاؤنا واحد في جميع الأسرى الذين ماتوا سواء في ساحة المعركة أو في الأسر أو بعد عودتهم إلى أرض الوطن.
كيف كانت علاقتك بالصحافة الدولية التي كانت تزوركم في الجزائر والرابوني؟
أولا الصحافة الجزائرية كان الهدف منها هو الترويج لأطروحة الانفصال، لهذا كنت أحتاط منها، بالنسبة للصحافيين، الذين ينتمون للصحافة المكتوبة في الجزائر، فإنهم يكتبون ما يفتى عليهم من طرف النظام الحاكم. كنا نتوصل بجريدة “المجاهد” الجزائرية حين كنت أسيرا في سجن الجزائر العاصمة، أما الصحافة الأجنبية، التي ترافق بعض المنظمات الحقوقية والإنسانية، فهي، في الغالب، تتعامل وفق تصور الجهة التي رافقتها. لهذه الاعتبارات كنت أتعامل بحذر شديد مع الصحافة وأفضل اللجوء للصمت أحيانا أو الإنكار. «سبق الميم ترتاح».
هل حصل لك موقف يستحق الذكر مع الصحافة التي كانت تتردد على الرابوني؟
العودة من الجزائر، أو بتعبير أصح الرجوع من سجن بوغار، صادف زيارة بعثة صحافية. اقتربت مني إحدى السيدات وسألتني عن بعض الأسرى الذين ينتمون لمنطقة سيدي إيفني أي قبيلة أيت باعمران. وركزت على الأسرى في عملية معينة. لا أذكر إن كانت صحافية أو طبيبة أو ممرضة مع هيئة حقوقية، لكنها سألتني في غمرة أسئلة الصحافيين.
هل تقصد أنها من أصول مغربية؟
نعم، هذا ما لمسته من أسئلتها ومن لهجتها، حاولت البحث عن سر هذا السؤال، فعادت بي الذاكرة إلى فترة اعتقالي في بوغار، حين كان أحد الأسرى يحدثني عن ابنته الممرضة، ربما كانت تسأل عن أبيها بشكل غير مباشر.
كيف كان ردك؟
أنكرت طبعا، لأنني لم أثق في من يأتي إلينا برعاية الجزائر.