ممارسة فضلى، لكن…
لم يعد من باب الأسرار أن الملف الذي فتحته النيابة العامة بالدار البيضاء، وتقررت إثره متابعة مجموعة من الموظفين والمسؤولين بوزارة الصحة في حالة اعتقال، جاء بناء على شكاية كان قد تقدم بها خالد أيت الطالب إلى رئاسة النيابة العامة.
حقيقة لا يمكن سوى التنويه والإشادة بمثل هاته الممارسات الفضلى في مجال محاربة الفساد، واحتضانها سياسيا وإعلاميا ومجتمعيا، فلم يعد مستساغا أن يتذرع الوزراء والحكومة، بوجود مقاومة لمحاربة الفساد، وهم يملكون الوسائل القانونية ويتحملون المسؤولية السياسية. كما أن المغاربة سئموا من أطنان لغة الخشب والقناطير المقنطرة من تقارير التشخيص حول مكافحة الفساد والاستراتيجيات والخطط والتدابير، المغاربة يريدون محاربة كل مظاهر التلاعب بالمال العام، على أرض الواقع وداخل ردهات الإدارات والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، التي ما زالت مجالا محصنا في وجه المساءلة الحقة.
وحينما يحتفي المغاربة بمثل ما قام به وزير الصحة ويطلبون المزيد، فليس لأن ذلك يمثل تفعيلا للقانون أو تنزيلا لقواعد دينية، بل لأنهم يدركون أن الفساد قوة مدمرة وأشد المتألمين منها هم الفقراء والطبقة الهشة، وآثار ذلك واضحة للغاية، فالفساد والرشوة يحرمان الكثير من المرضى من الدواء والعلاج والمواعد في وقتها والعمليات في آجالها، والفساد يعني التلاعب ببناء المدارس ومحفظات التلاميذ والدعم المخصص لغذائهم، والفساد يؤدي إلى انجراف الطرق والممرات بشوارعنا، بمجرد بعض القطرات من الأمطار، ويهدر المال العام الذي يقتطع من ضرائب المغاربة. لكن أخطر ما في الأمر، أن الفساد في الصفقات والرشوة في تمريرها أمام مسمع السلطات، يبدد ما تبقى من الثقة الضرورية بين المواطن والدولة لنجاح التنمية. لذلك وصل المواطن إلى خلاصة وحيدة وواحدة، مفادها أن الشفافية والنزاهة في أداء المهام لن تأتي من التشريعات الحالمة، وإنما من مساءلة المقصّرين، ومن عينه على مصالحه الشخصية، وليس المصلحة العامة.
لذلك فالدرس الذي يقدمه الوزير أيت الطالب مهم وجريء، لأنه على الأقل شكك في حقيقة فرض الفساد كواقع، وتعويد العموم على أنه لا فائدة من مكافحة الفساد، وأن كل المحاولات للتصدي له مصيرها الفشل، ويمكن أن تعود بالوبال على أصحابها، لكن لا ينبغي أن تمس معركة محاربة الفساد أطرافا هامشية فقط، ينبغي الاقتراب ممن يسمون الحيتان الكبيرة، التي يمكن أن تكون مؤثرة في المجال الذي يتحرك فيه الفساد، بالإدارة والجماعات والمؤسسات العمومية. فمحاربة الفساد لا ينبغي أن تكون مثل بيت العنكبوت، يصطاد الحشرات الصغيرة، بينما تعبث به الطيور الكبيرة.