مليارات في مجاري ليديك 2.2
كل ما خلصت إليه نتائج تقرير الخبرة المنجزة من طرف الشركتين الأجنبيتين مقابل مبالغ مالية سخية، ممولة من طرف شركة «ليديك» والمجلس، والتي تم تسليمها في شهر يوليوز 2015، هو أداء «ليديك» تعويضا بسيطا للمجلس، يقدر بمبلغ 150 مليون سنتيم، عوض 54 مليارا و600 مليون سنتيم، ويبدو أن نتائج الخبرة كانت على مقاس رغبة الشركة، وضربت عرض الحائط نتائج الخبرة السابقة التي أنجزها خبراء مغاربة، والتي أكدت على أداء المبلغ المالي، وفق بنود العقد، لأن الالتزام بتقسيم الأرباح، وهو التزام تعاقدي، لا يمكن أبدا إخضاعه لأي مساومة أو اتفاق أو بروتوكول، ما يستدعي من أجهزة المراقبة والتفتيش التابعة لوزارة المالية ووزارة الداخلية، وكذلك المجلس الأعلى للحسابات، إجراء افتحاص لمعرفة مصير هذه المبالغ المالية المستحقة لمجلس المدينة، ومن خلاله لسكان الدار البيضاء، وتحديد مدى مسؤولية المجلس المنتخب الحالي في التفريط في حقوق هؤلاء السكان الذين يدعي تمثيلهم والدفاع عن مصالحهم، وليس الدفاع عن مصلحة الشركة الفرنسية.
ونعود إلى طلب العروض المتعلق بالافتحاص المالي لشركة التدبير المفوض، ولماذا تم الإعلان عن طلب العروض في هذا الوقت بالضبط، الجواب يكمن في رغبة السلطة المفوضة بكل الوسائل في مراجعة العقد قبل نهاية السنة الحالية، لكي تكون سنة 2021 هي بداية إنجاز التوقعات المالية لعقد المراجعة، كما تم إغراق طلب العروض بأشغال التدقيق والافتحاص لمدة تسع سنوات، مع تكرار الفترة ما بين 2012 و2017 التي خضعت سابقا للافتحاص، وهو ما يؤكده التقرير المتعلق بتدقيق حسابات الشركة للسنة المالية ما بين فاتح يناير 2019 و31 دجنبر من السنة نفسها، ويشير التقرير إلى التصديق على الحسابات السنوية ما بين 2012 و2017 من طرف لجنة القيادة التي يترأسها مجلس المدينة باعتباره السلطة المفوضة، وبذلك يظهر أن إعادة افتحاص فترات سابقة، هدفه هو النفخ في فاتورة الصفقة، التي تصل كلفتها التقديرية مبلغ 200 مليون سنتيم.
وقبل الإعلان عن الصفقة قدم المدير العام للمصلحة الدائمة للمراقبة بمجلس المدينة، استقالته في بداية السنة الحالية، وهو الذي يمثل المجلس بصفته السلطة المفوضة في اجتماعات جميع اللجان المختلطة، لأن هذه المصلحة منصوص عليها في عقدة التدبير المفوض، وهي الأداة التقنية التي تُمكّن مجلس المدينة من مراقبة أداء شركة «ليديك»، وكان هذا المسؤول يشغل منصب مدير استغلال الماء والتطهير السائل بشركة «ليديك»، وعينه العمدة السابق، محمد ساجد، بعد إعفاء المدير السابق، المهندس عبد الإله بوسليمي، بعد تسريب تقرير أعدته المصلحة حول الفيضانات التي شهدتها المدينة خلال شهر نونبر 2010، والتي تسببت في انقطاع الكهرباء عن سكان المدينة، كما ألحقت أضرارا بالغة بممتلكات المواطنين، في الوقت الذي كان مسؤولون في مجلس المدينة أو في شركة «ليديك» ينكرون وجود هذا التقرير، وحاولوا التستر عليه لكي لا تخرج خلاصاته ونتائجه إلى العلن، خوفا من أن يستغله الذين تضررت ممتلكاتهم وسياراتهم لرفع شكاوى قضائية ضد الشركة المفوض لها، لأن التقرير حملها المسؤولية المباشرة عن هذه الخسائر.
لكن في الحقيقة تم تعيين المسؤول السابق في شركة «ليديك» في منصب مدير مصلحة المراقبة الدائمة للإشراف على عملية مراجعة عقد التدبير المفوض، بما يخدم مصالح الشركة الفرنسية وحمايتها، وهي العملية التي عرفت تعثرا كبيرا بسبب الضغوطات التي مارستها الشركة وامتناعها عن أداء مستحقات المجلس ونصيبه من الأرباح.
ومع اقتراب نهاية ولايته على رأس المجلس، ومن أجل سد العجز المالي الذي عرفته ميزانية الجماعة، وقع العمدة السابق، محمد ساجد، بتاريخ 29 دجنبر 2014، على بروتوكول مع الشركة، كان الغرض منه هو تخلي المجلس عن أزيد من 75 في المائة من المبالغ المستحقة لفائدته، والتي تقدر بـ546 مليون درهم (54,6 مليار سنتيم)، وذلك قبل سنة من مغادرته لكرسي عمودية العاصمة الاقتصادية.
في مقابل التوقيع على هذا البروتوكول، تعهدت شركة ليديك بدفع مبلغ 90 مليون درهم لفائدة المجلس، وبتاريخ 30 دجنبر، أي بعد يوم من تاريخ توقيع البروتوكول الأول، وقع العمدة ساجد مع الشركة، اتفاقا ثانيا، تم بموجبه تسديد مبلغ 80 مليون درهم على شكل دفعة أولى من متأخراتها المالية المستحقة لمجلس المدينة، برسم السنة المالية 2014، وتحويل مبلغ 55 مليون درهم من رصيد حساب رسوم مراقبة التدبير المفوض إلى الحساب الخاص بصندوق الأشغال، وترتب عن الاتفاقين معا، تسديد مبلغ إجمالي لم يتجاوز 225 مليون درهم في غضون خمسة أيام منذ أول إشعار بالدفع بتاريخ 24 دجنبر 2014.
المسؤول الجديد الذي تم تعيينه من طرف المصلحة المختصة بالتدبير المفوض بوزارة الداخلية عوض رئيس المجلس، ويعني ذلك أن مجلس المدينة تخلى عن ممارسة مهامه، كما أن هذا المسؤول كان موضوع تقرير أنجزه المجلس الأعلى للحسابات سنة 2009 حول شركة التدبير المفوض بمدينة طنجة، حيث سجل التقرير أن الشركة قامت بأداء نفقات بمبلغ 13.730.689،99 درهم بناء على التزامات وأوامر أداء لرئيس المصلحة الدائمة للمراقبة الذي لا يتوفر على تأهيل مسبق لذلك الغرض، وبالإضافة إلى ذلك، بلغت قيمة تكاليف الدراسات والمراقبة الملتزم بها والمؤداة في تجاوز لسقف الاعتمادات المرصودة في الميزانية المخصصة لذلك ما يناهز 204.376،43 درهم خلال السنة المالية 2002.
كما رصد التقرير إصدار سندات طلب لفائدة أقارب الرئيس السابق للمصلحة الدائمة للمراقبة دون احترام مبدأ المنافسة ونظام الصفقات الممولة من حساب المفوض إليها، حيث ابتداء من تاريخ دخول عقد التدبير المفوض حيز التنفيذ حتى أكتوبر 2009، قامت المفوض إليها بشراء أدوات المكتب والمواد والعتاد المعلوماتي بمبلغ 29.601.718،17 درهم عن طريق سندات طلب تم إصدارها لفائدة شركة في ملك زوجة وأقارب الرئيس السابق للمصلحة الدائمة للمراقبة، المسؤول، حسب الفصل 52 من اتفاقية التدبير المفوض، عن المراقبة الدائمة لتدبير المرافق الثلاثة المفوضة لحساب السلطة المفوضة، وبلغ رقم معاملات المتوسط السنوي لهذه الشركة الذي تم تحقيقه فقط مع المفوض إليها ما يضاهي عتبة %70، وقد تم إحداث هذه الشركة بتاريخ 20 دجنبر 1999، عشية طلب العروض الدولي المتعلق بالتدبير المفوض لمرافق التطهير السائل وتوزيع الماء الشروب والكهرباء، حين كان الرئيس السابق للمصلحة الدائمة للمراقبة يتحمل مسؤولية تسيير مديرية الموارد العامة (Moyens généraux) داخل الوكالة المستقلة الجماعية للتوزيع بطنجة.
فهل بمثل هؤلاء المسؤولين «المثقوبين» سنجبر الشركات الأجنبية التي فوضت لها المجالس تدبير ماء وكهرباء ونظافة المدن على احترام القوانين والعقود والتعهدات؟