ملك الأبطال
خرج الشعب المغربي عن بكرة أبيه في استقبال تاريخي للمنتخب المغربي لكرة القدم، بعد تحقيق العناصر الوطنية للمركز الرابع التاريخي في كأس العالم قطر 2022. وتوافد عشرات الآلاف من المواطنين، صغارا وكبارا، رجالا ونساء، من مختلف مناطق المملكة المغربية، حاملين الأعلام الوطنية ومرتدين قمصانا بألوان المنتخب الوطني، للتعبير عن فخرهم واعتزازهم وعرفانهم بالإنجاز غير المسبوق لـ«أسود الأطلس»، أول منتخب عربي وإفريقي يصل إلى المربع الذهبي في المونديال.
لا ينبغي المرور على الحشد الجماهيري الكبير، الذي شارك في احتفال استقبال المنتخب المغربي وطقوس الاحتفال الملكي، دون الالتفات إلى دلالات ذلك على مستوى تلاحم الشعب مع ملكه في السراء والضراء. فالأمر أكثر من مجرد احتفال بإنجاز رياضي باهر، بل هو رسالة دولة تعكس واقع ما وصلت إليه بلادنا في ميدان كرة القدم وفي مجالات أخرى، إذ تشق طريقها بعزيمة وثبات في كثير من الميادين، وسط الأزمات والضربات والحملات الممنهجة. فهي تسجل الإنجاز تلو الإنجاز والانتصار تلو الانتصار في ميادين العمل الرياضي والأمني والدبلوماسي والاجتماعي والتنموي، وهي كذلك في طريق طويل وشاق نحو بناء الدولة المنصفة تجاه الجميع.
إن المشاركة الجماهيرية الواسعة للاستقبال والاحتفاء الأبوي الدافئ والعائلي، الذي خص به الملك محمد السادس أفراد المنتخب وعائلاتهم، بعيدا عن صرامة البروتوكول المخزني، هي شهادة نجاح وافتخار من ملك تجاه فريق رياضي. وهي إعلان عن انتصار باهر لسياسات الدولة في المجال الرياضي، وفي الوقت نفسه رسالة إلى من يهمه الأمر بأن بلدنا في حاجة إلى المزيد من الانتصارات في مجال السياسة الصحية والتعليمية والتشغيلية والإدارية. فنجاح بلادنا عالميا في كرة القدم ينبغي أن يكون واجهة من ضمن واجهات النجاح الأخرى، لكي تحافظ على بوصلتها، وتسجل هدف الفوز الساحق في شباك خصومها والمتربصين بها، سيما أنها ما زالت عصية على الكسر والانكسار، الذي حاق بخصومها الذين تكسرت حملاتهم دون أن تنال من وطننا، بل على العكس من ذلك، خرجت بلادنا ومؤسساتها ورموزها من كل معركة ضارية أكثر قوة، وأكثر قربا من بناء الدولة القوية، وأعظم ثقة بقدرتها على تحقيق حلم دولة المساواة وتكافؤ الفرص.
إن الاستقبال الشعبي والرسمي للأبطال، الذي أخرج الجماهير العريضة عن بكرة أبيها، بكل ما تحمل الكلمة من معنى، لتعلن بملء الفم انحيازها لمشروعية الإنجاز، ووقوفها إلى جانب وطنها مهما عظمت التحديات وبلغت التضحيات. إنها رسالة بمعان متعددة والكرة بعد ذلك في ملعب من يهمه الأمر، لتحقيق دخول المغرب إلى مربعات ذهبية أخرى في مجالات العيش الكريم ودولة الحماية الاجتماعية.