عمرو الشوبكي
قضية ملكية وسائل الإعلام ما زالت تثير جدلًا في العالم كله، صحيح أن الملكية الخاصة للصحف هي النمط السائد في البلاد الديمقراطية التي حافظت أيضًا على وجود ملكية عامة لقنوات تلفزيونية، وهناك محاولات متعثرة لابتكار أنماط جديدة من الملكية مثل التعاونيات ونمط الجمعية العمومية والمساهمين.
والحقيقة أن الصحافة الورقية والإلكترونية في أوروبا وأمريكا هي بالأساس صحافة خاصة يملكها قطاع خاص ورأسماليون كبار، وهناك قواعد مهنية تحكم علاقتهم بالتحرير. وقد حاولت صحيفة «لوموند» الفرنسية أن تقدم نمط ملكية جديدًا مختلفًا عن المالك الوحيد أو المحتكر، وهو ما عُرف بنمط «التسيير الذاتي»، لم يكتب له النجاح، ثم عادت لتقدم في بداية الألفية الثالثة محاولة أخرى عقب تحويل الصحيفة من شركة ذات مسؤولية محدودة إلى شركة مساهمة، أعقبها قبول المحررين دخول مجموعتي لاجاردير الفرنسية وبريزما الإسبانية كشريكين لهم في الشركة القابضة بنسبة 15 في المئة لكلٍّ منهما، وانتقل نمط الإدارة من التسيير الذاتي إلى التسيير التشاركي في محاولة لإحداث توازن بين المساهمين من الداخل (فريق العاملين في «لوموند»)، ومن الخارج (المستثمرين).
وهناك نمط آخر وهو الملكية التعاونية، ويقوم على امتلاك عدد كبير من المساهمين أرصدة صغيرة، وينتخبون جمعية عمومية، ومجلس إدارة يعبر عنهم. ويقدم البعض الملكية التعاونية على أنها الحل الأمثل لعلاج مشكلات وسائل الإعلام ليس فقط في الدول التي تمر بمرحلة التحول الديمقراطي، بل أيضًا في الدول الديمقراطية التي تقع وسائل الإعلام فيها تحت سيطرة الاحتكار الرأسمالي، ومثال على هذا النمط تمكن الإشارة إلى إحدى التجارب الناجحة، وهي تجربة وكالة «أسوشيتد برس»، حيث إن ملكيتها ترجع إلى مساهمات عدد كبير من الصحف وقنوات الراديو والتلفزيون، التي تبث أخبار الوكالة وتنشر مادتها الإعلامية أيضًا.
صحيح أن مستقبل الإعلام ما زال يتسم بقدر من الضبابية نتيجة عدم استقرار نموذج واحد للملكية، وأن نجاح صحيفة خاصة كبرى مثل «نيويورك تايمز» (The New York Times) في الرهان على توليفة المضمون الذي يتسم بالجودة والتميز مع استراتيجية تسويقية متجددة، وليس فقط على إجراءات إدارية مثل تسريح العمالة أو خفض النفقات، أسفر عن نجاح الصحيفة تجاريًا رغم مناخ عدم اليقين الذي تعاني منه الصحف في العالم، فقد ارتفعت أرقام الاشتراكات الرقمية لتصل في نونبر 2017 إلى 2.1 مليون مشترك للطبعة الرقمية فحسب، بما يحقق عائدا يقارب 800 مليون دولار من الاشتراكات الرقمية.
أما الملكية العامة للإعلام فهي تتعلق فقط ببعض القنوات التلفزيونية المحلية والعالمية (بي بي سي، فرنسا 24) وليس الصحف، وتُدار باعتبارها مؤسسات «خدمة عامة» تابعة للدولة وليس الحكومة أو الحزب الحاكم.
ستبقى محاولات تقديم نمط ملكية خارج الملكية العامة والخاصة متعثرة، ولم تنجح بعد في معظم تجارب العالم.