ملف ملكي استراتيجي
للمرة الرابعة، وفي ظرف من الزمن محدود، يترأس الملك محمد السادس جلسة عمل مصغرة خصصت لتتبع البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027، والأكيد أنه لم يسبق لأي ملف، مَهْما بلغت أهميته واستراتيجيته، أن تربع على الأجندة الملكية وحظي بكل هذا الحجم من الإشراف والمساءلة والتتبع الشخصي لأعلى سلطة في البلد.
صحيح أنه عبر تاريخ المغرب المستقل أخذت الملكية على عاتقها تحقيق الأمن المائي للمغاربة والصرف عليه بسخاء، ولتحقيق ذلك الهدف فتحت باب الاستثمار العمومي والخصوصي في الداخل والخارج على مصراعيه، وهذا ما جعل المغرب أكبر دولة في مجال تشييد السدود، لكن اليوم، وأمام ارتفاع الطلب الاستهلاكي والاستثماري والسياحي والفلاحي والصناعي على الماء وفي ظل تقلبات مناخية صعبة، هناك تحديات أخرى أمام الملك محمد السادس جعلته يشرف شخصيا على تدبير ملف الأمن المائي بكل تفاصيله حتى لا تبقى للسياسي فرصة لهدر الزمن مرة أخرى، وحتى لا تتعطل مشاريع ضخمة ومصيرية بفعل حسابات سياسوية ضيقة.
فلا أحد ينكر أن الحكومات السابقة، سيما حكومتي العشرية الأخيرة، تلاعبت بالأمن المائي للمغاربة، وأفشلت عن قصد وسبق إصرار الاستراتيجية الوطنية للماء التي كان بإمكانها مواكبة التغيرات المناخية لكي لا نصل للفقر المائي الحالي، وللأسف ما زال نفس النسق والوتيرة التي عرفها ملف الأمن المائي خلال السنوات الماضية دون تجديد أو تغيير في طريقة التدبير، خاصة في وتيرة صنع القرار وتنفيذه بعيدا عن سطوة البيروقراطية البالية، وهذا ما سيزيد، إذا لم يتم تدارك ذلك، من تعميق أكثر لأزمة المياه الحالية.
وهذا هو أحد الأسباب التي جعلت الملك محمد السادس لا يثق كثيرا بأن يدبر هذا الملف من داخل حقل السياسات العمومية والقطاعية الخاضع لمزاج وحسابات السياسيين التي جنت العطش للبلاد والعباد، بل أدرجه ضمن المجالات الاستراتيجية العابرة للقطاعات ولزمن الحكومات والانتخابات، وهو ما سيوفر له ضمانات النجاح وسيجنبه مصير الفشل الحتمي.
إننا في لحظة فارقة في معركة ضمان وجودنا واستمرارنا، فالمغرب، الذي كان يتغنى به على أنه “بلاد الماء والخضرة”، هو اليوم، في الحقيقة، غير ذلك، بل ومصنف دولياً ضمن المناطق الجافة التي تشكو من شح الأمطار وها هو الجفاف الذي ضرب بلدنا لأربع سنوات متتالية يؤكد ذلك. لذلك لم تعد هناك فرصة لإضاعة فرص الإبداع في موارد جديدة وبديلة، وعلى رأسها التنزيل الفعلي والمستعجل لمحطات تحلية مياه البحر والبحث عن السبل التي تجعل هذا المورد أسهل منالاً وأرخص تكلفة، ناهيك عن الإشراف على الاستثمار في مجال تحلية مياه البحر من قبل القطاع الخاص الوطني والأجنبي، بالإضافة إلى العمل الدائب والمستمر على توطين تلك التقنيات، فبدون توطين تقنية تحلية مياه البحر والطاقة الهيدروجينية وتصنيع المعدات اللازمة لها محلياً، سيظل ذلك المصدر غير مأمون على الرغم من اتساع وامتداد شواطئنا على كل من المحيط الأطلسي والمتوسط.
إن الحضور الملكي الفعلي هو ما يدفعنا للتفاؤل بأننا أمام مرحلة جديدة من السياسات المائية، ستكون فعلا ذات أثر إيجابي على أمننا المائي، اللهم إذا واصل الفاعل السياسي استراتيجيته المضادة لتعطيل مشاريع ذات طابع استراتيجي.