شوف تشوف

الرأي

ملف الأساتذة المتدربين : دروس وعبر

انتهت رسميا أزمة الأساتذة المتدربين، وهي أزمة بدأت للوهلة الأولى مطلبية لفئة وجدت في مرسومين حكوميين ظلما كبيرا لها، لكنها تطورت في ما بعد لتصبح أزمة سياسية واجتماعية وتربوية هي الأكبر في ظل هذه الحكومة. لذلك فالمسار الذي عرفته يتطلب قراءة ذكية لاستخلاص عبرها ودروسها، لاستدراك ما يمكن استدراكه في مشروع إصلاح المدرسة المغربية.
الدرس الأول، هو أن مكونات الدولة المغربية ليست موحدة في مقاربتها لإشكالية التعليم، فإذا تجاوزنا منطوق الخطابات والتصريحات الرسمية، والتي تتحدث عن الأسبقية الوطنية للتعليم، فإن واقع الحال يؤكد عكس هذا، إذ في الوقت الذي يسعى المجلس الأعلى لوضع التعليم العمومي في سكة الإصلاح، نجد في المقابل خطابا حكوميا صريحا ومعلنا يعتبر هذا التعليم عبئا يثقل كاهل الميزانية العامة. والأدهى هو أنه بالرغم من كون هذه السنة تعتبر الأولى للبدء في تنفيذ الرؤية الاستراتيجية، فإن الحكومة أدخلت القطاع في حسابات سياسية، بشكل يجعلنا نستنتج ببداهة أن الرؤية الاستراتيجية فشلت في سنتها الأولى. وفي الوقت الذي نجد الخطابات الملكية تتشبث بالتعليم العمومي نجد الحكومة ممعنة في دعم التعليم الخصوصي، على الرغم من لا وطنيته الواضحة، والتي أثبتها مرارا، منها إفشاله لمشروع تكوين 10 آلاف إطار، لأننا أمام قطاع خاص يستغل جهد القطاع العام، عبر موارده البشرية دون أن يلتزم بواجباته. كل هذا أمام عجز حكومي، إن لم نقل تواطؤ حكومي. ويكفي أن نذكر هنا أن الكثير من وزراء هذه الحكومة يستثمرون هم أيضا في هذا القطاع، لنستنتج المعنى الحقيقي للتواطؤ.
الدرس الثاني للنقابات، وهو أن تخاذلها المستمر في المواجهة المبدئية لمسلسل ضرب المدرسة العمومية، وتخاذلها في مواجهة مسلسل استهداف نساء ورجال التعليم من طرف حكومات ما بعد التناوب، بل ومساهمتها المخجلة أحايين كثيرة في قرارات تضرب في العمق مبدأ الإنصاف والمساواة بين موظفي القطاع، بدليل تواطؤها في إخراج النظام الأساسي لسنة 2003، والذي ما زال التاريخ يتذكرها إلى اليوم. كل هذا جعل عموم نساء ورجال التعليم يفقدون ثقتهم فيها وفي قيادتها، مفضلين في المقابل تأسيس تنسيقيات فئوية مستقلة على هامش العمل النقابي المؤسسي الرسمي. وما حققته مختلف هذه التنسيقيات من مطالب، بما في ذلك تنسيقية الأساتذة المتدربين، أكبر من أن تحققه نقابة معينة، بسبب حرص هذه الأخيرة على التوازنات والحسابات السياسية. لذلك نتصور أن الأساتذة المتدربين، أثبتوا بالملموس نهاية العمل النقابي المؤسسي التقليدي. صحيح أن النقابات كانت جزءا من الحل الذي توصل إليه هؤلاء، لكن لا أحد من النقابيين يستطيع أن يدعي أن التنسيقية كانت تأتمر بأمره. فإصرار هؤلاء على انتزاع حقوقهم هو الذي فرض على الحكومة التنازل عن حدود كان رئيس الحكومة يقسم أن لا يتنازل عنها.
الدرس الثالث للوطن، وهو أن المغاربة مازالوا لم ينعموا بعد بحكومة وأحزاب تضع ثوابت الوطن فوق كل اعتبار، وأن مسار إرساء ديموقراطية حقيقية تحصن المكاسب الوطنية ما زال طويلا، ففي كل لحظة، يمكن لملف صغير اجتماعيا أن يعصف بالاستقرار، ولنتذكر هنا التجييش الذي قام به الحزب الأغلبي على هامش حادثة وجدة، وكذا على هامش رد وزير المالية على سؤال وجهته له المعارضة بخصوص ملف الأساتذة المتدربين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى