ملفات ساخنة في الدخول السياسي والاجتماعي
قانونا الإضراب والمسطرة الجنائية يثيران الجدل وإصلاح التقاعد يفرض نفسه
هناك العديد من الملفات الساخنة المطروحة على جدول أعمال الحكومة والبرلمان في الدخول السياسي والاجتماعي المقبل، فبالإضافة إلى مشروع قانون المالية الذي سيكون أهم قانون سيناقشه البرلمان بعد افتتاح السنة التشريعية، هناك مشروع قانون المسطرة الجنائية المثير للجدل، والقانون التنظيمي للإضراب، كما أن الإصلاح الاستعجالي لأنظمة التقاعد المهددة بالإفلاس أصبح يفرض نفسه بإلحاح على الحكومة، وفي أول اجتماع للمجلس الحكومي بعد العطلة الصيفية، أكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، أن الحكومة ستنكب في أفق النصف الثاني من الولاية الانتدابية على توطيد دينامية الاستثمار وخلق فرص الشغل، عبر توفير بيئة استثمارية تضمن النمو الاقتصادي المستدام، وبالتالي تحقيق التوازن الاستراتيجي بين البعدين الاجتماعي والاقتصادي، وفق المسار التنموي الذي سطره الملك محمد السادس. وحسب رئيس الحكومة، هناك رهانات كبرى مطروحة في الدخول السياسي، تستدعي ضرورة مضاعفة الجهود لتفعيل مختلف السياسات العمومية التي التزمت بها الحكومة، والرفع من وتيرة العمل، والتحلي بالجدية والفعالية في تنفيذ مختلف المشاريع المبرمجة.
إعداد: محمد اليوبي
الإعداد لمشروع قانون المالية لسنة 2025
بعد المذكرة التوجيهية التي أصدرها رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بخصوص إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2025، تعكف أقسام الميزانية بمختلف القطاعات الحكومية على إعداد الميزانيات الفرعية للقطاعات المعنية، وإعداد الوثائق التي تحال على البرلمان رفقة مشروع قانون المالية، حيث يودع المشروع بعد المصادقة عليه بالمجلس الوزاري والمجلس الحكومي، بالأسبقية بمكتب مجلس النواب في 20 أكتوبر من السنة المالية الجارية على أبعد تقدير.
ويرفق قانون المالية بمذكرة تقديمية للمشروع، تتضمن معطيات حول استثمارات الميزانية العامة وحول الآثار المالية والاقتصادية للمقتضيات الضريبية والجمركية المقترحة، ويرفق، كذلك، بالتقرير الاقتصادي والمالي، وتقرير حول المؤسسات العمومية والمقاولات العمومية، وآخر بشأن مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة، وتقرير حول الحسابات الخصوصية للخزينة، وتقرير عن النفقات الجبائية، وتقرير عن الدين العمومي، وآخر بخص الميزانية القائمة على النتائج من منظور النوع، وتقرير حول الموارد البشرية وآخر حول المقاصة، فضلا عن مذكرة بشأن النفقات المتعلقة بالتكاليف المشتركة، وتقرير حول العقار العمومي المعبأ للاستثمار، ومذكرة حول التوزيع الجهوي للاستثمار، ويمكن، كذلك، أن يرفق مشروع قانون المالية للسنة بتقرير حول الحسابات المجمعة للقطاع العمومي.
وحسب القانون التنظيمي للمالية، يبت مجلس النواب في مشروع قانون المالية للسنة داخل أجل ثلاثين (30) يوما الموالية لتاريخ إيداعه، ثم تعرض الحكومة، فور التصويت على المشروع أو عند انصرام الأجل المنصوص عليه في الفقرة السابقة، على مجلس المستشارين، النص الذي تم إقراره أو النص الذي قدمته في أول الأمر مدخلة عليه، إن اقتضى الحال، التعديلات المصوت عليها في مجلس النواب والمقبولة من طرف الحكومة. ويبت مجلس المستشارين في المشروع داخل أجل اثنين وعشرين (22) يوما الموالية لعرضه عليه، ويقوم بعدها مجلس النواب بدراسة التعديلات المصوت عليها من طرف مجلس المستشارين ويعود له البت النهائي في مشروع قانون المالية في أجل لا يتعدى ستة (6) أيام.
ووجه رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، منشورا إلى الوزراء حول إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2025، يتضمن أولويات المشروع، وحثهم على التقشف في صرف النفقات من خلال تقليص الميزانية المخصصة للدراسات والسفريات والإقامة بالفنادق الفخمة وتنظيم الحفلات والندوات والمؤتمرات واقتناء السيارات الفارهة.
وأكد أخنوش، في منشوره، أن الحكومة ستبقى على أعلى درجات اليقظة من أجل التدبير المستمر والفعال للمخاطر المستجدة، مبرزا أن الحفاظ على السيادة المائية والغذائية والطاقية، وحماية القدرة الشرائية التي يدعو الملك محمد السادس إلى تحقيقها، ستشكل العناوين الرئيسية للمجهود الحكومي في السنوات المقبلة، وفق قيادة قطاعية مندمجة ومتماسكة تسعى إلى التمكين والإنصاف الحقيقي للأسر المغربية.
ومن هذا المنطلق، يضيف منشور رئيس الحكومة، وتفعيلا للتوجيهات الملكية وتوجهات البرنامج الحكومي، يتمثل العنوان الأبرز الذي اتخذته الحكومة لسنة 2025 في التسريع النوعي في تثبيت الأوراش الإصلاحية في شتى المجالات وتعزيز حكامتها وذلك لضمان استدامة آثارها، حيث سيرتكز مشروع قانون المالية للسنة المالية 2025 على أربع أولويات، وهي مواصلة تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية، وتوطيد دينامية الاستثمار وخلق فرص الشغل، ومواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية والحفاظ على استدامة المالية العمومية.
وحث أخنوش الوزراء على الالتزام بضبط نفقات الميزانية، ففي ما يتعلق بنفقات الموظفين، شدد رئيس الحكومة على حصر المقترحات في الاحتياجات الضرورية لضمان تنزيل الأوراش الإصلاحية الملتزم بها، وتقديم الخدمات للمواطنين في أحسن الظروف، داعيا، في هذا الإطار، إلى العمل على الاستعمال الأمثل للموارد البشرية المتاحة، خاصة من خلال التكوين والتوزيع المتوازن على المستويين المركزي والجهوي.
وفي ما يخص نفقات التسيير، دعا أخنوش الوزراء إلى الحرص على التدبير الأمثل لهذه النفقات، من خلال ترشيد استعمال المياه، وتقليص نفقات استهلاك الكهرباء، من خلال استعمال الطاقات المتجددة، إلى جانب عقلنة النفقات المتعلقة بالاتصالات، وعدم مراكمة المتأخرات وإعطاء الأولوية لتصفيتها، خاصة تلك المتعلقة بالماء والكهرباء، والتقليص لأقصى حد من نفقات النقل والتنقل داخل وخارج المملكة، ونفقات الاستقبال والفندقة، وتنظيم الحفلات والمؤتمرات والندوات، وكذا نفقات الدراسات.
وفي ما يرتبط بنفقات الاستثمار، أعطى أخنوش مجموعة من التوجيهات للوزراء، منها إعطاء الأولوية لبرمجة المشاريع موضوع تعليمات ملكية أو التي تندرج في إطار اتفاقيات موقعة أمام الملك، أو تلك المبرمة مع المؤسسات الدولية أو الدول المانحة، هذا مع الحرص على تسريع وتيرة المشاريع في طور الإنجاز، والحرص على التسوية المسبقة للوضعية القانونية للعقار، قبل برمجة أي مشروع جديد، وذلك مع احترام المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، والتقليص إلى أقصى حد من نفقات اقتناء السيارات وبناء وتهيئة المقرات الإدارية.
وأكد أخنوش أن هذه التوجيهات تسري، كذلك، على المقترحات الخاصة بميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة والحسابات الخصوصية للخزينة والمؤسسات العمومية، داعيا الوزراء إلى عقلنة الإعانات المبرمجة لفائدة هذه الميزانيات من خلال إعطاء الأولوية لتغطية النفقات الخاصة بالموظفين والمشاريع المرتبطة بتنزيل الأولويات المحددة في هذا المنشور، وذلك في إطار التوازن مع الموارد الذاتية.
وأكد أخنوش أن حكومته ستكثف مجهوداتها الرامية إلى تحقيق التوازن المطلوب بين تعزيز الهوامش الميزانياتية واستدامة المالية العمومية، موازاة مع المضي قدما في الوفاء بالتزامها بمواجهة الإكراهات الظرفية الراهنة، ومواصلة تنفيذ مختلف الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، التي من شأنها خلق فرص الشغل وتوطيد مقومات التنمية الشاملة.
وأشار المنشور إلى أن الحكومة ستعمل، خلال سنة 2025، على تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الطموحة التي تشمل، على وجه الخصوص، مواصلة إصلاح القانون التنظيمي لقانون المالية من خلال الاعتماد الفعلي للقاعدة الميزانياتية التي ترتكز على تحديد هدف الاستدانة على المدى المتوسط تحقيقا لاستدامة المالية العمومية، وإدراج المؤسسات العمومية التي تمارس نشاطا غير تجاري في نطاق القانون التنظيمي لقانون المالية لكونها امتدادا لاختصاصات الدولة، وذلك من خلال توقع قانون المالية لمجموع الموارد والتكاليف لهذه المؤسسات والحدود القصوى للموارد المرصدة لها، وتنفيذ عمليات ميزانيات هذه المؤسسات وفق الشروط نفسها المتعلقة بعمليات الميزانية العامة. وسيتم، في إطار هذا الإصلاح، أيضا، تسقيف الموارد المرصدة التي يحددها ويأذن بها قانون المالية، مع دفع الفائض المنجز عن الحدود القصوى المأذون بها إلى الميزانية العامة، وذلك من أجل ترشيد تدبير الموارد المرصدة وضمان موارد إضافية لميزانية الدولة.
وستعزز الحكومة هذه المقاربة، حسب المنشور، من خلال مواصلة تنزيل القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الضريبي، بشكل يضمن تحقيق العدالة الجبائية وتوسيع الوعاء الضريبي دون الرفع من الضغط الجبائي على النسيج المقاولاتي الوطني.
وستعمل الحكومة على ترشيد النفقات العمومية وعقلنتها من جهة، وتعزيز موارد الدولة لتمويل السياسات العمومية من جهة أخرى، خصوصا في ما يتعلق بتطوير التمويلات المبتكرة، وعقلنة تدبير المحفظة العمومية، ومواصلة إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية تماشيا مع التوجهات الاستراتيجية للسياسة المساهماتية للدولة، موازاة مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز دينامية الاستثمارات العمومية والخاصة، بالإضافة إلى إصلاح النظام الضريبي، عبر اعتماد تدابير ملموسة من أجل تحقيق العدالة الجبائية، ووضع نظام جبائي مستقر ومبسط وشفاف، يوفر رؤية واضحة للمستثمرين ولكل الفاعلين.
وأكد أخنوش أن الحكومة ستحرص، خلال سنة 2025 والسنوات اللاحقة، على مواصلة ضبط مسار المالية العمومية والتحكم في مسار عجز الميزانية على المدى المتوسط، في 4 بالمئة من الناتج الداخلي الخام سنة 2024، و3.5 بالمئة سنة 2025 و3 بالمئة سنة 2026، وضبط حجم المديونية في أقل من 70 بالمئة من الناتج الداخلي الخام في أفق سنة 2026، بما يمكن من استعادة الهوامش المالية الضرورية لمواصلة مختلف الأوراش التنموية، مع الحفاظ على دينامية الاستثمار العمومي كرافعة أساسية لتعزيز ركائز الدولة الاجتماعية. وهكذا، وتفعيلا لأولويات مشروع قانون المالية لسنة 2025، من المتوقع تحقيق معدل نمو يناهز 4,6 بالمئة في السنة المقبلة مقابل 3,3 بالمئة سنة 2024.
استمرار أزمة طلبة كليات الطب بعد فشل الوساطة البرلمانية
مازالت أزمة طلبة كلية الطب متواصلة بعد فشل مساعي الوساطة التي قام بها رؤساء الفرق البرلمانية، حيث أعلن الطبية استمرار مقاطعتهم للامتحانات الاستدراكية المقرر إجراؤها، خلال الأسبوع المقبل، فيما تتشبث الحكومة بمواقفها السابقة، وترفض التراجع عن قرار تقليص سنوات الدراسة.
وكان مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، قد اتهم الطلبة، في تصريح صحفي، بترويج مغالطات بخصوص مُخرجات الاجتماع الوزاري المنعقد مع ممثلي طلبة الطب والصيدلة، لإيجاد حلول للأزمة التي عمرت طويلا وأربكت السنة الجامعية بكليات الطب في مختلف جهات المملكة.
وقال بايتاس إن الحكومة سجلت مجموعة من المغالطات، التي يتم الترويج لها، وتعمد إلى تقديم خلاصات نتائج غير تلك المتوصل إليها يغلب عليها الطابع السلبي الذي لا يخدم هدف التوصل إلى حلول جادة ومسؤولة تخدم مصلحة الجميع، في وقت عبرت فيه الحكومة، غير ما مرة ومن خلال اجتماعات عديدة عقدتها مع الطلبة، عن تفهمها لمشروعية بعض الانشغالات الرامية إلى تجويد نظام التكوين في مجال الصحة.
وأوضح بايتاس أنه في إطار مساعي الحكومة الرامية إلى التعاطي الإيجابي مع مطالب طلبة كليات الطب والصيدلة، وتجاوز الوضعية الحالية التي تعيشها كليات الطب والصيدلية، انعقد يوم الجمعة 21 يونيو بالرباط اجتماعا وزاريا حضره وزير الصحة ووزير التعليم العالي والوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقة مع البرلمان، وعمداء كليات الطب والصيدلة، وممثلي طلبة كليات الطب والصيدلة، حيث تم الاتفاق على الدورة الربيعية يوم 26 يونيو 2024 وبعدها دورتها الاستدراكية قبل متم شهر غشت الماضي، مع برمجة امتحانات الدورة الاستدراكية للفصل الأول في شتنبر 2024، إضافة إلى استدراك فترات التداريب الاستشفاشية التي تمت مقاطعتها ابتداء من الموسم الجامعي المقبل، وتعويض نقطة الصفر بالنقطة المحصل عليها خلال الدورة الاستدراكية.
والتزمت الحكومة، حسب بايتاس، بإعادة البت في العقوبات تفاعلا مع مبادرة افتتاح الدورة الربيعية يوم 26 يونيو 2024، ودعت الحكومة جميع الأطراف في ملف طلبة الطب والصيدلة إلى تحمل مسؤولياتهم، سيما الطلبة وعائلاتهم.
وأكد بايتاس أن الحكومة تلتزم بتحمل مسؤوليتها لضمان جودة التكوين الطبي، وذلك من خلال إصلاح جوهري يهدف إلى الارتقاء بمهنة الطب قصد تعزيز العرض الطبي بما يكفل المساواة للولوج إلى الخدمات الصحية، وأوضح بايتاس أن الوزراء الحاضرين في اللقاء قدموا تفاصيل الإصلاح البيداغويجي لسلك التكوين في كليات الطب والصيدية، بما يضمن جودة التكوين الطبي، كما قدموا خطة الحكومة لتجويد مسار التكوين وحذف الوقت الميت لفترة التكوين الطبي، إضافة إلى مختلف الإجراءات التي تم اعتمادها للاستجابة لمختلف مطالب الطلبة، وأكد إن الوزراء استمعوا إلى ملتمسات ومقترحات ممثلي الطلبة من أجل تجاوز بعض الإكراهات التي تواجه التكوين الطبي وتفاعلوا مع مجموعة مهمة منها.
واستعرض الناطق الرسمي مجموعة من التدابير التي سيتم تفعيلها، وهي الهيلكة البيداغوجية للتكوين الطبي “دبلوم دكتور في الطب”، حيث سيتم تفعيل الهيكلة الجديدة ابتداء من السنة الجامعية المقبلة، والتي ستهم الفوج الجديد للطلبة الملتحقين بكليات الطب والصيدلة، ابتداء من شتنبر 2024 باعتماد دفاتر بيداغوجية وطنية جديدة لدبلوم دكتور في الطب، وذلك في إطار مدة التكوين لست سنوات، قصد الحصول على دبلوم دكتور في الطب، مع الحفاظ على القيمة الأكاديمية والقانوينة للدبلوم، ويشمل نظام التكوين الجديد إدراج وحدات لتمكين الطلبة من مهارات وكفاءات في مجالات الرقمنة والذكاء الاصطناعي والطب عن بعد، والتأهيل في طب الأسرة والمحاكاة، ومهارات حياتية وذاتية ولغات أجنبية تتماشى مع تطورات المسارات الطبية عالميا، كما يعتمد النظام الجديد للتكوين على أنماط بيداغوجية جديدة تضم التعليم عن بعد كنمط مكمل للتعليم الحضوري، أما الطلبة الذين يتابعون حاليا دراستهم بكليات الطب من السنة الأولى إلى السنة الخامسة، فهم خاضعون للهيكلة البيداغوجية الحالية للتكوين الطبي.
وأعلنت اللجنة الوطنية لطلبة الطب والصيدلة، استمرار المقاطعة المفتوحة لجميع الأنشطة البيداغوجية، بما في ذلك الامتحانات والتداريب الاستشفائية والدروس النظرية التطبيقية، وكشف بيان الطلبة، أن “الحكومة أخلت بالالتزامات المشتركة، حين أقدمت على خطوة أحادية الجانب، تتمثل في إعادة برمجة الامتحانات مباشرة بعد عيد الأضحى”، معتبرين ذلك “استغلالا صريحا لتضارب آراء الطلبة ومحاولة لشق الصف الداخلي الذي لم يعرف إلا الوحدة والصمود”.
واتهم طلبة الطب، “الحكومة بالتخلي عن تعهداتها والتمسك بمبدأ الحوار الصوري المبني على العرض فقط والوعود الشفوية”، مؤكدين أن “سيناريو السنة البيضاء الذي نساق له سوقا قرار سياسي محض، كلفته على بلادنا باهظة”، معتبرين أن “مخرجات آخر اجتماع مع الحكومة، بحضور كل من وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وزير الصحة والحماية الاجتماعية والوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة، لم ترقى مخرجاته لتطلعات جموع الطلبة بل فيه تراجع مهول عما تم التأسيس له آنفا كأرضية للعمل المشترك وتأكيد على تشبث الوزارتين بنهج مبدأ الحوار الصوري المبني على العرض فقط والوعود الشفوية”.
ودعت اللجنة الوطنية لطلبة الطب والصيدلة، الحكومة إلى الحوار الجاد والمسؤول من أجل إيجاد حل للأزمة التي ستكون آثارها سلبية على الطلبة وعلى المنظومة الصحية في المغرب بشكل عام، وقالت مصادر من اللجنة، إنه سيتم عقد جموع عامة من أجل بحث سبل تنزيل قرارات المقاطعة، و”الرد على تصريحات الناطق الرسمي بإسم الحكومة، والتي تضمنت مغالطات ومحاولة لتحميل الطلبة مسؤلية الأزمة”، يشير المصر، مبينا في اتصال هاتفي مع الأخبار، أن “الحكومة تدفع نحو خيار السنة البيضاء، وهذا ما لا نريده”.
قانون المسطرة الجنائية ينذر بدخول برلماني ساخن
سيتم، في الدخول البرلماني المقبل، الشروع في دراسة مشروع القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية الذي صادق عليه مجلس الحكومة في اجتماعه المنعقد يوم الخميس الماضي. ومن المنتظر أن يثير هذا المشروع الكثير من الجدل، خاصة بعض المستجدات التي يتضمنها المشروع، ومن بينها منع جمعيات حماية المال العام من تقديم شكايات تتعلق بجرائم الأموال.
وحسب مشروع قانون المسطرة الجنائية، الذي قدمه وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، أمام مجلس الحكومة، فقد تم تعديل المادة الثالثة من القانون، وأصبحت تنص على أنه لا يمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارات أو من الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أو كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك.
وخلافا للفقرة السابقة، تنص هذه المادة على أنه يمكن للنيابة العامة المختصة إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية تلقائيا في الجرائم المشار إليها سابقا إذا تعلق الأمر بحالة التلبس، وتراعى عند ممارسة الدعوى العمومية، مبادئ الحياد وصحة وشرعية الإجراءات المسطرية والحرص على حقوق الأطراف وفق الضوابط المحددة في هذا القانون.
وطبقا لمقتضيات المادة نفسها، يبلغ الوكيل القضائي للمملكة، كذلك، بكل دعوى عمومية يكون موضوعها الاعتداء على أموال أو ممتلكات عمومية أو أشياء مخصصة للمنفعة العمومية أو الاعتداء على موظفين عموميين أثناء أو بمناسبة ممارستهم لمهامهم، وتبلغ إلى الوكيل القضائي للجماعات الترابية الدعوى العمومية المقامة ضد أحد موظفيها أو عضو من أعضاء مجالسها أو هيئاتها أو إذا كانت الدعوى العمومية تتعلق بالاعتداء على أموال أو ممتلكات تابعة لهذه الجماعات الترابية أو هيئاتها.
وسبق للوزير وهبي التأكيد، في جواب عن سؤال كتابي بمجلس المستشارين، أن موضوع الشكايات الكيدية والوشايات الكاذبة ضد السياسيين ورجال الأعمال محط اهتمام وزارة العدل. ولهذه الغاية، يضيف الوزير، فإن مشروعي مراجعة القانون الجنائي والمسطرة الجنائية نصا على عدة مستجدات وتعديلات بهذا الخصوص تهدف بالأساس إلى تقييد إجراءات البحث الجنائي بناء على ضوابط محددة تضمن الاستثمار الأمثل للوشاية والشكاية كمدخل من مداخل البحث والحد من حالاتها الكيدية وكذا التشديد في العقوبات المقررة لها.
ولم تتضمن النسخة الجديدة لمشروع قانون المسطرة الجنائية أي تعديلات بخصوص المادة 265 من قانون المسطرة الجنائية المعمول به حاليا، والتي تنظم مسطرة الامتياز القضائي التي يستفيد منها الوزراء وبعض المسؤولين. وتنص هذه المادة على أنه إذا كان الفعل منسوباً إلى مستشار الملك أو عضو من أعضاء الحكومة أو كاتب دولة أو نائب كاتب دولة مع مراعاة مقتضيات الباب الثامن من الدستور أو قاض بمحكمة النقض أو المجلس الأعلى للحسابات أو عضو في المجلس الدستوري أو إلى والي أو عامل أو رئيس أول لمحكمة استئناف عادية أو متخصصة أو وكيل عام للملك لديها، فإن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض تأمر، بناء على ملتمسات الوكيل العام للملك بالمحكمة نفسها، بأن يجري التحقيق في القضية عضو أو عدة أعضاء من هيئتها، وبعد إنهاء التحقيق يصدر قاضي أو قضاة التحقيق، حسب الأحوال، أمرا قضائيا بعدم المتابعة أو بالإحالة إلى الغرفة الجنائية بمحكمة النقض، وتبت الغرفة الجنائية بمحكمة النقض في القضية، ويقبل قرار الغرفة الجنائية الاستئناف داخل أجل ثمانية أيام وتبت في الاستئناف غرف محكمة النقض مجتمعة باستثناء الغرفة الجنائية التي بتت في القضية، ولا تقبل أية مطالبة بالحق المدني أمام محكمة النقض.
ويتضمن المشروع الجديد مستجدات تتعلق بتعزيز وتقوية ضمانات المحاكمة العادلة. وأكدت المذكرة التقديمية للمشروع أنه، في إطار تعزيز مزيد من الضمانات والحقوق للأفراد وحرياتهم التي كفلتها المواثيق الدولية على نطاق واسع، تم إقرار مبدأي احترام قرينة البراءة وتفسير الشك لفائدة المتهم المنصوص عليهما في المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية، وتعزيزهما بمجموعة من المبادئ المتعارف عليها دوليا في مجال المحاكمة العادلة، خاصة الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث تم التنصيص، ضمن مقتضيات هذا القانون، على ضرورة مراعاة مجموعة من المبادئ الأساسية، كالمساواة أمام القانون، والمحاكمة داخل أجل معقول، واحترام حقوق الدفاع، وضمان حقوق الضحايا والمشتبه فيهم والمتهمين والمحكومين، وغيرها من المبادئ المرتبطة بحماية الشهود والخبراء والمبلغين ومراعاة مبادئ الحياد وصحة وشرعية الإجراءات المسطرية، والحرص على حقوق الأطراف خلال ممارسة الدعوى العمومية.
وينص المشروع، كذلك، على وضع آليات للوقاية من التعذيب، والتي من شأنها إضفاء مزيد من الثقة على الإجراءات التي تباشرها الشرطة القضائية، سيما خلال فترة الحراسة النظرية، وإضفاء مزيد من المصداقية على إجراءات البحث، نذكر من بينها، إلزامية إخضاع المشتبه فيه إلى فحص طبي يجريه طبيب مؤهل لمارسة الطب الشرعي أو طبيب آخر في حالة تعذر ذلك مع ترتيب جزاء استبعاد الاعتراف المدون في محضر الشرطة القضائية في حالة رفض إجراء الفحص الطبي المذكور.
ويتضمن المشروع مستجدات تتعلق بتعزيز مراقبة حقوق ووضعية المعتقلين عبر إقرار الزامية زيارة المؤسسات السجنية من قبل قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق وقضاة الأحداث وقضاة تطبيق العقوبات ورئيس الغرفة الجنحية لدى محكمة الاستئناف، وذلك بكيفية دورية ومنتظمة. علاوة على الدور الذي تقوم به اللجنة الإقليمية التي يترأسها الوالي أو العامل، والتي دعم القانون تركيبتها وإشراك فعاليات المجتمع المدني (الجمعيات المهمة) وتوسيع دائرة القطاعات الحكومية المشاركة فيها، وتمديد صلاحياتها لتشمل مراقبة المؤسسات المكلفة برعاية الأحداث الجانحين.
ومن بين المستجدات، كذلك، تطوير وتقوية آليات مكافحة الجريمة. وأشارت المذكرة التقديمية للمشروع إلى أن خطورة الجريمة وتهديدها للمجتمعات أصبحت تتطلب من آليات وأجهزة العدالة الجنائية اللجوء إلى أساليب متطورة لمكافحتها. ولذلك أصبح الأمر يتطلب تنظيم استعمال بعض التقنيات الحديثة في البحث والتحري أو التحقيق أو المحاكمة، وتقوية صلاحيات أجهزة العدالة وفق ضوابط ومعايير محددة تضمن التناسب مع المصالح الأساسية المحمية في مجال الحقوق والحريات تفاديا لكل استعمال من شأنه المس بها.
مواصلة دراسة قانون يحدد شروط وكيفيات ممارسة الإضراب
ستواصل لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب في الدورة البرلمانية المقبلة دراسة القانون المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وذلك تفعيلا للاتفاق بين الحكومة والنقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب على إخراج هذا القانون.
وأكد وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري، أنه سيتم إخراج القانون التنظيمي من خلال الاتفاق على المبادئ الأساسية المتمثلة في ضمان انسجام مشروع القانون التنظيمي مع أحكام الدستور، ومع التشريعات الدولية، وضمان التوازن بين ممارسة هذا الحق الدستوري وحرية العمل، وتدقيق مختلف المفاهيم المتعلقة بممارسة حق الإضراب، وضبط المرافق التي تستوجب توفير حد أدنى من الخدمة خلال مدة سريان الإضراب، وتعزيز آليات الحوار والتصالح والمفاوضة في حل نزاعات الشغل الجماعية، وأشار الوزير إلى انه سيتم العمل على إدراج هذه المبادئ في صيغة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، التي سبق إيداعها بالبرلمان، بعد استكمال مناقشة تفاصيل بنوده مع الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين باعتماد منهجية الحوار مع السعي إلى التوافق.
وتجدر الإشارة إلى مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب مازال يراوح مكانه بمجلس النواب منذ سنة 2016، في انتظار بدء مسطرة دراسته بلجنة القطاعات الاجتماعية، وسبق لهذه اللجنة أن عقدت اجتماعا خصص لتقديم المشروع، خلال الولاية الحكومية السابقة، ما أثار جدلا كبيرا بين الحكومة والنقابات، حيث رفضت هذه الأخيرة الشروع في مسطرة المصادقة على القانون، وطالبت بسحب المشروع من البرلمان، وفتح مشاورات جديدة بشأنه، قبل إعادة برمجته على أجندة أعمال البرلمان، وهو ما أدى إلى تأجيل دراسته بطلب من الحكومة إلى أجل غير مسمى.
ويعتبر مشروع القانون، من ضمن آخر القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور، والتي طال أمد انتظار إخراجها، لكن يظل الهدف الأساسي واضحا يتمثل في تنظيم ممارسة هذا الحق الدستوري بما يضمن تأطير وتحسين العلاقات المهنية ويضمن ممارسة حق الإضراب، ويكفل التوازن بين مصالح الأفراد والجماعات والتوفيق بين الحقوق والواجبات التي تعتبر أهم مقومات دولة الحق والقانون.
وينص الدستور في فصله التاسع والعشرين على أن “حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات. حق الإضراب مضمون. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته”، ولذلك فإن تحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب بموجب قانون تنظيمي يكسبه أهمية كبيرة نظرا لكون القوانين التنظيمية تأتي في المرتبة الثانية بعد الدستور.
ويتكون مشروع قانون الإضراب يتكون من خمسة أبواب ومن 49 مادة، ونص في المادة الخامسة على أن “كل دعوة إلى الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون التنظيمي تعتبر باطلة، كما يعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعا”، ووضعت الحكومة قيودا عديدة على ممارسة الإضراب، حيث يوجب مشروع القانون حسب المادة السابعة، إجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للعمّال قبل الدعوة إلى الإضراب، وذلك قصد البحث عن حلول متوافق عليها، ولهذه الغاية يمكن للأطراف الاتفاق على تعيين وسيط، ويضيف أنه في حالة تعذر المفاوضات أو فشلها يتعين بذل جميع المساعي اللازمة لمحاولة التصالح بين الطرفين، وتنص هذه المادة على أنه لا يمكن اللجوء إلى ممارسة حق الإضراب إلا بعد انصرام أجل 30 يوما من تاريخ توصل المشغل بالملف المطلبي من الجهة التي يمكن لها الدعوة إلى الإضراب.
وينص المشروع كذلك على ضرورة اتخاذ قرار الإضراب من قبل الجمع العام للأجراء، يحضره ثلاثة أرباع أجراء المقاولة أو المؤسسة، والذي يجب أن تدعو إليه الجهة الداعية إلى الإضراب خلال 15 يوما على الأقل من التاريخ المزمع عقد الجمع العام فيه، وكذا تبليغ المشغل عن مكان انعقاده قبل 7 أيام، مع اشتراط الحصول على موافقة أغلبية العمال قبل خوضه، وبلوغ نوع من النصاب القانوني قبل الشروع في الدعوة للإضراب، ولابد من الإخطار بقرار الإضراب بمهلة لا تقل عن 10 أيام، مع ضرورة تحديد دواعيه ومكانه وشكله، والكشف عن أسماء المندوبين الداعين إليه في حال عدم وجود نقابة بالمؤسسة.
ويعتبر مشروع القانون المشاركين في الإضراب بالمادة 14 من المشروع في حال توقف مؤقت عن العمل خلال مدة إضرابهم، ولا يمكنهم الاستفادة من الأجر عن المدة المذكورة، ويلزم النص الجهة الداعية للإضراب بإبلاغ رب المقاولة أو المشغل والسلطات المسؤولة ومديرية التشغيل بقرار الإضراب قبل 15 يوما على الأقل من التاريخ المقرر لخوضه، مع تخفيض هذه المدة إلى 5 أيام في حال ما إذا كان الأمر يتعلق بعدم أداء المشغل لأجور العاملين أو وجود خطر يتهدد صحتهم وسلامتهم.
وتنص المادة 15 من القانون على أنه يمكن أن يتخذ قرار الإضراب على الصعيد الوطني في جميع القطاعات أو بعضها أو في قطاع واحد أو في عدة أنشطة معينة داخل نفس القطاع أو في قطاعات مختلفة، من قبل الجهاز التداولي المختص لإحدى النقابات الأكثر تمثيلا أو ذات تمثيلية على الصعيد الوطني، وذلك طبقا لأنظمتها الأساسية.
و يمنع حسب المادة 23، بعد إنهاء الإضراب أو إلغائه بمقتضى اتفاق بين الأطراف المعنية؛ اتخاذ قرار إضراب جديد دفاعا عن المطالب نفسها، إلا بعد مرور سنة على الأقل، أما في حالة الإضراب فيمنع على المضربين حسب المادة 13، عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب، ويمنع عليهم احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها، وحسب المادة 26 فيمكن لصاحب العمل حال ممارسة الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون أن يطالب بالتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت بالمقاولة. ويمنع النص الأجراء من خوض إضراب للدفاع عن المطالب التي تمت الاستجابة لها لمدة تناهز السنة، وفيما يتعلق بالقطاع العام، يلزم النص الجديد الجهة الداعية إلى الإضراب بإخطار قبلي لا يتعدى سبعة أيام، ويتضمن القانون سلسة من المواد التي أدرجت عقوبات مادية وأخرى سالبة للحرية لكل من أخل بهذه البنود، ولم يتقيد بإجراءاتها التفصيلية، بالإضافة لتطبيق العقوبات التأديبية.
الإصلاح الاستعجالي لأنظمة التقاعد المهددة بالإفلاس
أصبح إصلاح أنظمة التقاعد يفرض نفسه بقوة على الحكومة، في ظل توالي التقارير الصادرة عن مؤسسات وطنية تحذر من خطر الإفلاس الذي يهدد هذه الأنظمة في السنوات المقبلة. ولهذا، سارع رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، إلى الإعلان، تحت قبة البرلمان، عن شروع حكومته في إعداد تصور للإصلاح، من خلال إيجاد حلول واقعية ومستدامة.
وأكد أخنوش أن الحكومة لن تقبل على نفسها، مهما بلغت الكلفة السياسية، أن تعمل على توريث هذا الملف مع تعميق أزمته، وتم تشكيل لجنة تقنية مكلفة بملف إصلاح أنظمة التقاعد، عقدت عدة اجتماعات، أسفرت عن وضع السيناريوهات الممكنة لإنقاذ صناديق التقاعد، وكذا وضع المبادئ الأساسية الموجهة لهذا الإصلاح، وذلك بعد إدخال إصلاحات مقياسية تدريجية ذات طابع استعجالي. وسيتم تنزيل المرحلة الثانية من الإصلاح على المدى المتوسط، وتروم إرساء منظومة تقاعد ثنائي القطب (عمومي وخصوصي) في أفق اعتماد نظام أساسي موحد على المدى البعيد.
وأفادت مصادر حكومية بأن وصفة إصلاح أنظمة التقاعد أصبحت جاهزة، حيث من المنتظر أن يتم عرضها على المركزيات النقابية لإبداء الرأي بشأنها، قبل إحالة المشروع على المجلس الحكومي للمصادقة عليه. وأكدت المصادر أن الإصلاح الاستعجالي لأنظمة التقاعد أصبح يفرض نفسه على الحكومة، بعدما فشلت الإصلاحات التي أطلقتها الحكومات السابقة في الحفاظ على التوازنات المالية لصناديق التقاعد، التي أصبحت مهددة بالإفلاس مع حلول سنة 2028.
وسبق لرئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أن تعهد، أمام البرلمان، بالشروع في تنزيل إصلاح منظومة التقاعد خلال السنة الحالية، حيث شرعت لجنة إصلاح أنظمة التقاعد في عقد اجتماعات من أجل التوصل إلى السيناريوهات المقترحة لتجاوز أزمة صناديق التقاعد، لبلورة مشروع قانون سيحال على المؤسسة البرلمانية للمصادقة عليه، وخلصت إلى ضرورة ضمان ديمومة المنظومة على المدى الطويل، والحد من تأثير الإصلاح على ميزانية الدولة وتعبيد الطريق للمرور نحو نظام أساسي موحد.
وترأست نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، بمقر وزارة الاقتصاد والمالية، عدة اجتماعات للجنة إصلاح أنظمة التقاعد التي تندرج في إطار تنفيذ مخرجات الاتفاق الاجتماعي والميثاق الوطني للحوار الاجتماعي الموقعين في 30 أبريل من السنة الماضية، ما بين الحكومة والمركزيات النقابية والمنظمات والجمعيات المهنية للمشغلين.
وقدمت الوزيرة وصفة الحكومة لإصلاح أنظمة التقاعد، بناء على الدراسة المنجزة من طرف أحد مكاتب الدراسات، والتي خلصت إلى ضرورة ضمان ديمومة المنظومة على المدى الطويل، والحد من تأثير الإصلاح على ميزانية الدولة وتعبيد الطريق للمرور نحو نظام أساسي موحد. ومن أجل التوفيق بين كل هذه الأهداف، المتناقضة أحيانا، تقترح الحكومة اعتماد سقف موحد للنظام الأساسي يساوي مرتين الحد الأدنى للأجور بكل من القطب العمومي والقطب الخاص، وذلك لتسهيل المرور مستقبلا نحو نظام أساسي موحد، كما تقترح تقليص نسب الاستبدال لأصحاب الأجور المرتفعة في القطاع العمومي، وتجميد الحقوق المكتسبة في الأنظمة الحالية وعدم إعادة تقييم المعاشات على مدى العشر سنوات القادمة، مع رفع سن التقاعد إلى 65 سنة بما في ذلك القطاع الخاص، ورفع نسب الاشتراكات بما في ذلك القطاع الخاص.
وقدمت الوزيرة، أمام أعضاء اللجنة، تشخيصا وتحليلا للوضعية الراهنة، وذلك بعد تنزيل الإصلاح المقياسي لسنة 2016، حيث سيستنفد نظام المعاشات المدنية احتياطياته (68 مليار درهم) بحلول سنة 2028، وللوفاء بالتزاماته بعد ذلك، سيحتاج الصندوق المغربي للتقاعد ما يناهز 14 مليار درهم سنويا لتمويل عجز النظام. وأكدت الوزيرة أن هذا النظام يعد حاليا متوازنا بالنسبة للحقوق المكتسبة بعد إصلاح 2016، بحيث إن الدين الضمني الحالي يهم، بالخصوص، الحقوق المكتسبة في الماضي. ويعرف النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد عجزا تقنيا مهما بلغ 3,3 مليارات درهم سنة 2021، وبفضل المستوى المهم لاحتياطياته (135 مليار درهم)، تمكن العوائد المالية للنظام من تغطية هذا العجز التقني.
أما بالنسبة للقطب الخاص، فيتوفر نظام تقاعد أجراء القطاع الخاص على هوامش لإدراج إصلاحات مقياسية بالنظر إلى نسبة المساهمة بالنظام 11,89 بالمئة، وسن الإحالة على التقاعد 60 سنة، وينتظر أن يستعمل النظام احتياطياته قريبا، غير أن أفق استدامته يظل بعيدا نسبيا (2038)، نظرا لعدة عوامل، بينها أن النظام غير منصف حيث يشترط على المؤمن له أن يتوفر، للاستفادة من معاش التقاعد، على 3240 يوما من العمل كحد أدنى من التصريح، أي ما يعادل في المتوسط 15 عاما من العمل، كما أن المحرك الديموغرافي الإيجابي يجلب السيولة للنظام حاليا، ولكنه، بالمقابل، يثقل دينه الضمني.
وأكدت الوزيرة أن التوازنات المالية لأنظمة التقاعد أصبحت مهددة، إذ يواجه الصندوق المغربي للتقاعد مشكلة سيولة ناتجة عن الالتزامات السابقة لنظام المعاشات المدنية، حيث لا تولد الحقوق المكتسبة بعد إصلاح 2016 أي عجز إضافي. وبالنسبة للصندوق الجماعي لمنح رواتب التقاعد، يخفي المستوى المهم لاحتياطيات النظام مشاكله المرتبطة بعدم توازنه البنيوي. وخلصت الوزيرة إلى أن تنزيل القطب العمومي يظل الخيار الأمثل لمعالجة إشكالية سيولة نظام المعاشات المدنية وكذا مشكلة عدم التوازن البنيوي الذي يعرفه النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد .
وبالنسبة للقطب الخاص، تخفف الدينامية الإيجابية لمحركه الديموغرافي من مشكل عدم توازن نظام تقاعد أجراء القطاع الخاص. غير أنه، بمجرد تراجع هذا المؤشر الديموغرافي، ستتدهور الوضعية المالية للنظام مما يستوجب إصلاحا مقياسيا مستعجلا لجعله أكثر إنصافا والحد من اختلالاته المالية.
وعلى مستوى الأداء الاجتماعي، سجلت الوزيرة وجود ضعف تغطية الأنظمة الذي يحول دون حصول أكثر من نصف النشيطين (حوالي 54 بالمئة) على حماية ضد أخطار الشيخوخة، وتجانس على مستوى متوسط المعاشات الممنوحة: 2022 درهما بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و5678 درهما للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد و7873 درهما بالنسبة لنظام المعاشات المدنية، وعدم تجانس قواعد إعادة تقييم المعاشات، بالنسبة لنظام المعاشات المدنية، إعادة التقييم ليست تلقائية وتعود آخر إعادة تقييم إلى سنة 1997، في حين تتطلب إعادة التقييم إصدار مرسوم بالنسبة لأجراء القطاع الخاص (تعود آخر عملية لإعادة التقييم إلى 2006 إن استثنينا الزيادة التي تم إقرارها شهر شتنبر 2022)، وإعادة تقييم سنوية بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، ناهيك عن أن شريحة كبيرة من أجراء القطاع الخاص، التي لا تستوفي شرط 3240 يوما للمطالبة بمعاش، تكتفي بالحصول على اشتراكاتها الأجرية، حيث تم الاتفاق أخيرا، في إطار الحوار الاجتماعي، على تخفيض هذا الشرط إلى 1320 يوما، مع الحق أيضا في استرداد اشتراكات المشغل بالنسبة للأشخاص الذين لم يستوفوا هذا الشرط.