محمد اليوبي
حصلت «الأخبار» على معطيات وأرقام صادمة عن آلاف محاضر المخالفات الغابوية والأحكام القضائية الصادرة لصالح الوكالة الوطنية للمياه والغابات، ولا يتم تنفيذها، ما كبد خزينة الدولة ملايير الدراهم، خلال السنوات الأخيرة، رغم أن إدارة الوكالة ترصد سنويا ميزانية مهمة لأداء أتعاب المحامين والمفوضين القضائيين.
وأفادت المصادر بأنه يتم تسجيل أكثر من 30 ألف محضر سنويا بخصوص مخالفات الاعتداء على الملك الغابوي، يتم تفعيل مسطرة التصالح بشأن حوالي 3 آلاف محضر مخالفة، أي بنسبة 10 في المائة، وتحال باقي المحاضر على القضاء، تصدر أحكام قضائية لصالح الوكالة في حوالي 80 في المائة منها، لكن نسبة تبليغ وتنفيذ هذه الأحكام لا تتجاوز 5 في المائة، وبذلك تضيع ملايين الدراهم سنويا من الأموال المحكوم بها لصالح الإدارة، وهي أموال عمومية.
وتعد المديرية الجهوية للرباط سلا القنيطرة إلى جانب كل من المديرية الجهوية لجهة فاس مكناس، والمديرية الجهوية لجهة طنجة تطوان الحسيمة، من المديريات التي تسجل فيها نسب كبيرة من المخالفات. وعلى سبيل المثال، فقد تم تحرير أكثر من 7 آلاف مخالفة غابوية، خلال الأربع سنوات الأخيرة بجهة الرباط سلا القنيطرة، تم إجراء التصالح في حوالي ألف مخالفة، وبلغ عدد المحاضر التي أحيلت على المحاكم المختصة للبت فيها حوالي 3 آلاف محضر، صدرت أحكام قضائية لصالح الإدارة في حوالي 2400 محضر، لكن عدد المحاضر التي صدرت فيها أحكام لم يتم تنفيذ سوى 5 في المائة منها، ما يطرح الكثير من الأسئلة حول مآل تلك الأحكام الصادرة، وحول الجدوى من تحرير محاضر المخالفات وإحالتها على المحاكم المختصة وصدور أحكام قضائية في شأنها، إذا كان الجزء الأكبر من هذه الأحكام الصادرة لا يبلغ ولا ينفذ.
وكشفت المصادر أن الإدارة لا تهتم بتتبع الملفات المحالة على القضاء باستثناء الملفات الرائجة أمام القضاء الإداري والملفات المدنية التي لها علاقة بالعقار الغابوي. وأوضحت المصادر ذاتها أن هناك محاضر مخالفات تحال على القضاء تكون لها علاقة بالقانون 29.05 المتعلق بحماية النباتات والحيوانات المهددة بالانقراض يتم إرسالها إلى النيابة العامة المختصة دون أي تتبع لها، بل هناك محاضر تتم المصادقة عليها جهويا ومركزيا حسب مبلغ الغرامة وعندما تعاد إلى المديريات الإقليمية جزء مهم منها لا يرسل إلى المحكمة بل يتم طي الملف وإجراء «تسوية» مع المخالف.
وأوضحت المصادر أن المندوبية السامية للمياه والغابات سابقا، في عهد المندوب السامي، عبد العظيم الحافي، كانت اعتمدت نظام «paps» كان ممولا في إطار اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، من أجل الرفع من مؤشر تنفيذ الأحكام القضائية، وفعلا تحسنت حينها الأرقام على مستوى تنفيذ الأحكام القضائية، لكن بمجرد تحول الوكالة الوطنية للمياه والغابات التي عوضت المندوبية السامية تخلت عن العمل بهذا النظام، و«عادت حليمة إلى عادتها القديمة». وأشارت المصادر إلى أن إهمال آلاف المخالفات الغابوية وعدم تنفيذها يعني هدر مجهود كبير يقوم به محررو هذه المحاضر، وينتج عن ذلك تبديد ملايين الدراهم دون الاستفادة منها، علما أن الجزء الأكبر من المخالفات الغابوية يرفق بمذكرة المطالب التي تعدها الإدارة، ولا يستدعي تكليف محام، خلافا لمخالفات الترامي على الملك الغابوي بالحرث والتعشيب والبناء، التي تتطلب تكليف محام للنيابة عن الإدارة، حيث تخصص هذه الأخيرة اعتمادات مالية مهمة لأداء أتعاب المحامين والمفوضين القضائيين، لكن دون إجراء تقييم لحصيلة عملهم.
وحسب المصادر ذاتها، فإن تدبير المنازعات الغابوية على المستوى الوطني يفتقد للنجاعة، كما أن جزءا كبيرا من الملفات تخسرها الإدارة في مواجهة المتقاضين بسبب ارتكاب أخطاء مرفقية تدبيرية، لأن عدد المحاضر المحررة في مواجهة المخالفين لا يتم إدخال بيانات جزء كبير منها في القاعدة المعلوماتية، حيث غالبا ما يكون عدد المحاضر المحررة أكبر بكثير من عدد المحاضر المسجلة في قاعدة البيانات، وهذا الأمر ينعكس سلبا على مستوى التقارير السنوية للمنازعات الغابوية التي تفتقد للدقة، لأنها تكون مبنية على أرقام غير مطابقة لما هو موجود في الواقع، ويظهر ذلك من خلال الأرقام الدورية التي تتوصل بها الإدارة المركزية ضمن جداول تتبع القضايا الجنحية كل ثلاثة أشهر، وتكون متناقضة مع الأرقام الواردة في التقرير السنوي.
وأفاد مصدر مسؤول بالوكالة بأن الإدارة تهتم فقط بالصفقات المربحة، ولا تعطي أهمية للمنازعات الغابوية، فباستثناء المصالح المركزية لا توجد مصالح جهوية وإقليمية خاصة بالمنازعات، بل غالبا ما يكون مكتب مهمش وثانوي تابعا لمصلحة يترأسها مهندس غابوي ليس له أي تكوين قانوني يسمح له بتتبع الملفات الرائجة أمام القضاء. وتحدث المصدر عن وجود إقصاء ممنهج وتهميش للكفاءات القانونية داخل القطاع، حيث إن أغلب الأُطر القانونية تشتغل في ظروف غير لائقة، ولا تتوفر على الحد الأدنى للحاجيات، وتخضع لسلطة وتعليمات وتوجيهات رؤساء ليس لهم أي تكوين قانوني.
وحصلت «الأخبار» على وثائق تتضمن المحاضر المنجزة في حق شركات تستغل مقالع فوق الملك الغابوي، ومراسلات تحمل توقيع المدير العام للوكالة الوطنية للمياه والغابات، عبد الرحيم الهومي، موجهة إلى المدير الجهوي للوكالة بجهة تطوان طنجة، يطلب منه تكليف محامي الإدارة لتقديم طلبات إلى المحكمة المختصة من أجل التنازل عن كل الملفات الجنحية الرائجة أمام القضاء تخص شركتين إحداهما تستغل مقالع بنواحي طنجة، والثانية تستغل مقالع بنواحي تطوان. وسبق للهومي أن وجه مراسلتين حول الموضوع نفسه بتاريخ 12 ماي 2023، تحملان عدد 882 و883، بخصوص المساطر القضائية المفتوحة ضد شركات تستغل مقالع فوق الملك الغابوي. وكشفت المصادر أن إحدى هذه الشركات تستغل مقلعا على مساحة 57 هكتارا بغابة «بني حزمار» بمنطقة «الزينات» تجني منه مداخيل تفوق 50 مليون سنتيم يوميا، وكانت هذه الشركة موضوع محاضر جنح منذ سنة 2012، تتضمن غرامات والإرجاع والتعويضات بمبالغ مالية بلغ مجموعها 55 مليار سنتيم، مع مصادرة الوسائل المستعملة في اقتراف الجنح، حسب تقرير مفصل توصلت به الإدارة المركزية للوكالة.