شوف تشوف

الرأي

ملاعب «إسبيس»

مع حلول شهر رمضان، تتحول الرياضة إلى نشاط يومي لمن لا نشاط له، يتذكر الرجال والنساء بذلاتهم الرياضية المحتشمة وأحذيتهم المعلقة، ويعلنون الحرب على الترهل وعلى الجوع والعطش. في شهر رمضان الكريم يصبح الإدمان على الرياضة طقسا من طقوس التعبد والتقرب إلى الله، ويتحول الركض خلف الكرة إلى سنة مؤكدة يمارسها كل من سقط من دفاتر مدربي الأندية الرسمية.
ليس رمضان شهر العبادة والغفران فقط، بل شهر ممارسة الرياضة وتذويب الدهنيات المكتسبة على امتداد العام، لذا تصبح المساجد والملاعب قبلة للراغبين في الحصول على تعبئة مضاعفة من اللياقة الروحية والبدينة، ودرع البطولة الرمضانية.
في عهد منصف بلخياط وزير الشباب والرياضة السابق نبتت في دماغه فكرة ملاعب القرب المعروفة اختصارا بـ»سي إ س بي»، فأخرجها إلى الوجود، وهو يحلم بيوم يكون فيه بين ملعب وملعب ملعب ثالث. لم يكن الرجل في حاجة لدعم حكومي فالحبة والبارود كانت من دار القايد، أي صندوق المغربية للألعاب والرياضة الذي يضخ فيه المقامرون الرياضيون ما تيسر من ملايين الدراهم.
قال الوزير في ندوة بفندق رويال منصور، وهو يعرض مشروع ملاعب القرب، إن الفكرة ستنهي أزمة الفضاءات الرياضية، وأنها ستصالح الرجال والنساء مع الرياضة وحين سئل عن أسعار الركض في هذه الملاعب تبين أنها لا تمثل مفهوم القرب من القدرة الشرائية للمواطن البسيط الذي يعتبر مجانية الممارسة الرياضية حقا مكتسبا منذ زمن بطولات فرق الأحياء التي أصبحت في عداد الأموات.
وعد الوزير باعتماد ثمن رمزي، يخصص لصيانة هذه الفضاءات، فقال حواريوه آمين وشرعوا في تصفيق منقطع النظير، منذ ذلك الحين أصبح القرب أبرز انشغالات مندوبي الوزارة، وأصبحت الحاجة إلى ملاعب منصف أكثر من الحاجة لمقر مندوبية، بل إن كثيرا من المندوبين سقطوا من مفكرة الوزير بسبب كرة طائشة في ملف كان يحظى بأولوية في عهد بلخياط.
بعد رحيل الوزير ورثت الوزارة من بعده ملف ملاعب القرب، وجلس القائمون على هذه الفضاءات يبكون منصف ويدعون له بطول العمر، لأنه ترك لهم بقرة حلوب يستفيدون من حليبها وسمنها وزبدها وجلدها متى شاؤوا دون أن تملك الوزارة آليات دقيقة للمراقبة.
في أغلب الملاعب لا يزيد عدد القائمين على تدبير هذه المرافق عن شخصين، حارس يملك مفاتيح الأبواب ومسؤول يملك مفاتيح خزانة المداخيل، وأمام غياب مسطرة قانونية للمراقبة اغتنى كثير من القائمين على هذه الملاعب وأصبحوا «يلعبون» في معترك رجال المال والأعمال، دون حسيب ولا رقيب، شاكرين منصف على فكرة تبيض ذهبا.
بلغت عائدات بعض ملاعب القرب أزيد من مليون درهم سنويا وهو مبلغ مالي يسيل له لعاب «العاملين عليها والمؤلفة قلوبهم»، فأصبحت حديث مكونات وزارة رياضة وشباب القرب، بل إن العمل في هذه الفضاءات جعل أصحابه أقرب إلى الجاه أبعد إلى انتظار راتب شهري يتعرض باستمرار لعاديات الاقتطاع.
حضر القرب ومس البعد الضوابط القانونية التي تجعل للصرف مسطرة صارمة لا يراوغها الراسخون في الفساد، وظهرت ملامح الترفيحة على عمال لطالما اشتكوا من تعيينهم في ملاعب قبل أن يرددوا عبارة «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم». لذا أصبح التعيين في ملاعب القرب امتيازا لا يناله إلا المقربون من غرفة القرار، والأغرب في حكاية هذه الملاعب أن تعين الوزارة خريجي تخصص الشباب والطفولة في مناصب أولى بها خريجو «تخصص الرياضة»، تكريسا للفوضى التدبيرية التي تعرفها هذه المرافق التي دخلت تدريجيا عالم الريع من بابه الواسع، سيما حين يكون الأداء «كاش». لذا فدراهم ملاعب القرب كمائة لا تفطر في رمضان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى