مكناس وخيوط العنكبوت2.1
لو أن الفنان المسرحي الساخر كوليش عاش إلى اليوم، لنحت لنا من تسمية شركة “سيكوميك” المكناسية ذائعة الصيت، عبارة أقرب إلى واقع حال هذه الشركة في علاقتها بمحيطها، وحولها من عبارة “sicomek” إلى عبارة “c’est comique”، لأنه من باب السخرية من الشعب أن تدبج “بلادية” مكناس بلاغا يشبه إلى حد كبير مذكرة جوابية لمحام فاشل تورط في الدفاع عن متهم وكله في قضية خاسرة، موجها مدفعيته الثقيلة نحو صدور 700 عامل وعاملة من شركة “سيكوميك”، الذين لم يجدوا من سبيل للتعريف بمعاناتهم سوى الاحتجاج السلمي أمام مقر الجماعة الترابية التي صوتوا على مستشاريها، وأوصلوهم إلى مراكز القرار، لتنبيه المسؤولين إلى الأوضاع المأساوية التي أصبحوا يتخبطون فيها.
غير أن عبد الله “بو وانو” رئيس المجلس الجماعي الذي بهدله المتظاهرون، بعدما واجهوه بوعوده الزائفة، لم يجد من حل سوى تسطير بلاغ متشنج يتنصل فيه كمجلس من أية مسؤولية في الموضوع، ويقول لهم بأن سيادته ومعه باقي أعضاء مجلسه الموقرين، تفاجؤوا بمجموعة من العاملات والعمال المنتسبين إلى شركة “سيكوميك”، يضربون حصارا على مقرات الجماعة من أجل منع انعقاد دورة فبراير، فالظاهر أن السيد “بو وانو” وصحبه لا يهتمون بنبض الشارع إلا في الحملات الانتخابية، ويحسبون في بقية أيام الله أن كل صيحة عليهم، وأن عاملات “سيكوميك” من كثرة راحتهن لم يجدن ما يفعلنه في ذلك الْيَوْم، وفكرن فجأة ودون سابق إنذار في طريقة لتعكير مزاج المجلس الذي يملك فيه البوجاديون الأغلبية المريحة، وتحركن بدون سبب معقول للاحتجاج عليهم، خدمة لأجندات سياسية معارضة محليا وحليفة وطنيا، بهدف منع انعقاد دورة فبراير المجيدة، التي اضطر سيادته إلى تهريبها إلى مكان آخر، فرارا من صراخهن المزعج.
ويبدو أن السيد “بو وانو” اختار في رده على المحتجين استعمال قبعة رئيس الجماعة، وطرح جانبا كل القبعات الأخرى التي يملكها وما أكثرها، من أجل أن يتذرع بالقانون التنظيمي للجماعات الترابية، ويوجه المحتجات إلى طرق أبواب أخرى غير باب جماعته، أو “مجاعته” على حد تعبير وزيرة الماء، ونسي أن سيادته قيادي في الحزب الحاكم، وبرلماني يمثل الأمة ويشغل مهام نائب رئيس الفريق ورئيس لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، بالإضافة إلى كونه قدم شخصيا للعمال والعاملات وعودا بإيجاد حل لمشكلتهم، وتضامن معهم في 11 دجنبر 2017، ولم يبد أي انزعاج آنذاك.
وما دام القانون التنظيمي 113.14، الذي صوت عليه حزب “المصباح” لا يسعف مسؤوليه في توفير العدالة والتنمية المكذوب عليهما لمزاليط الشعب المخدوع الذين صوتوا عليهم، وإذا كان هذا القانون يضيق عليهم الخناق، ويرسم لهم الاختصاصات ومجالات التدخل، ويشكل الإطار الوحيد لعملهم، كما جاء في بلاغهم، فلماذا لم يبادروا بتغييره بقانون أرحب؟
فإذا كنتم عاجزين عن إصلاح القانون الذي يقيد حركتكم ويطفئ نور مصباحكم عند أول هبة ريح، وإذا كُنتُم عاجزين عن محاربة الفساد والاستبداد الذي وعدتم بمحاربته، إلى أن صرتم جزءا لا يتجزأ من منظومته، فلماذا تكذبون على أبناء الشعب في حملاتكم الانتخابية، وأنتم تطرقون أبوابهم، وتقبلون رؤوسهم، وتذرفون الدموع أمامهم، وتعدونه بخلق فرص شغل ومحاربة البطالة وإيجاد المناخ المناسب للاستثمار وغيرها من الوعود المعسولة التي تعلمون قبل غيركم أنكم لن تستطيعوا إليها سبيلا.
أما وقد ثبت عجزكم عن إيجاد حلول للمواطنين الذين منحوكم الأغلبية في المجلس، ثبوتا شرعيا، فيمكنكم على الأقل أن تخاطبوهم بلباقة وأدب في بلاغاتكم، وأن تحترموا ذكاءهم، وتتواضعوا قليلا أمام معاناتهم ومآسيهم التي دفعتهم إلى اللجوء إليكم لإسماعكم صوتهم، ظنا منهم أنكم ما زلتم تنصتون إليهم، فإذا بكم تشيطنونهم وتتهمونهم بخدمة أطراف سياسية ونقابية تركب على معاناتهم.
وأمام الحرج الذي وضع السيد “بو وانو” نفسه فيه بسبب عجزه عن الوفاء بالتزام سابق له، نقل عبر شاشة التلفزة وشاهده ملايين المغاربة، جاء ليقول في بلاغه بأن ذلك التصريح التلفزي لا ينبغي إخراجه عن سياقه الزمني المرتبط بتقدم الحوار مركزيا، بمعنى أن صاحبنا يعترف ضمنيا بأن ما صرح به تلفزيا بالأمس لم يكن إلا محاولة للركوب إعلاميا على الحدث، ظنا منه أن المشكل قد وجد طريقه إلى الحل، أما وأن المشكل لا يزال عالقا، فهو اليوم يستنكر ويشجب أي اتهام لرئيس المجلس بأية علاقة بالملف أو أطرافه، ويستغرب تحميله وزر هذا الملف الذي لا تتحمل فيه الجماعة أي مسؤولية، وسمح لنفسه بأن يوجه المتظاهرين إلى ضرورة طرق الأبواب الحقيقية والتي لا تعد الجماعة إحداها، منتهيا بمساءلة بليدة للعاملات المحتجات اللواتي مارسن حقهن في الاحتجاج السلمي، حول مدى احترامهن للدستور والقانون، وتوفيرهن الأجواء الطبيعية لعمل المؤسسات والحفاظ على السير العادي لعملها، “أسيدي باز على صنطيحة عندك”.
فيبدو أن السيد “بو وانو” وجماعته قد استهوتهم لعبة الأكل مع الذئب والبكاء مع السارح، وصاروا في تعاملهم مع مشاكل المواطنين الذين وثقوا في خطابهم، مثل ذلك الشاب الذي قام بكل ما في وسعه للظفر بأجمل فتاة في الدوار، وعندما أصبحت من نصيبه وزوجت له على سنة الله ورسوله، اكتشف ليلة دخلته أنه عنين لا يقدر على شيء، وصار يعلق عجزه على خرافات السحر والشعوذة والحسد ويمارس التضليل عبر خطابات العفاريت والتماسيح.