مكتب دراسات للبيع
يونس جنوحي
بما أن أغلب مراكز الدراسات أصبح همها القيام بأي شيء إلا الدراسات، فإن عددا من مشاكل المغاربة لن تجد طريقها إلى الحل عن طريق الحكومات، ما دامت جل دول العالم تحل مشاكل مواطنيها استنادا إلى دراسات اجتماعية وسياسية وأحيانا نفسية للتقرب من مشاكل المواطنين.
ليست هناك حكومة واحدة في العالم تحل مشاكل المواطنين بالحديث في التلفاز والصحف وتقديم الوعود. الجلوس إلى الأرض وفتح الملفات ومراجعة الدراسات التي تعالج التطور الديموغرافي والانعكاسات النفسية للتطورات الاقتصادية، هي أهم ما يقوم به رؤساء الحكومات للوقوف على المشاكل الحقيقية للمواطن.
هنا، نتحدث عن فقدان المغاربة للثقة في الأحزاب. لكن كل حزب تقريبا يقدم لنا وعدا باكتساح الانتخابات المقبلة كما لو أنهم يقامرون على «الكلاب» في مضمار، ولا أحد يبني لنا وعده على أساس منطقي ولا أحد أيضا يقدم السر وراء الرهان.
«دعم الأرامل» كان هو الورقة التي لعب عليها الحزب الحاكم في تسخينات الانتخابات الماضية. والذين يعرفون المغاربة جيدا يعرفون أن الدعم الحقيقي للأرامل في المغرب هو الحوالات التي تصرف بالأورو، والتي يرسلها الأبناء البررة إلى أسرهم في المغرب بعيدا عن أي مخطط حكومي. ولو أن المجتمع المغربي انتظر فعلا من الحكومة أن تفعل شيئا لمواطني القطاعات غير المهيكلة، وهم الأغلبية الساحقة في هذا البلد، لكانت كارثة بالفعل. وهذا ما يفسر، بطبيعة الحال، وجود وكالات تحويل الأموال في المغرب منتشرة بطريقة تفوق بكثير انتشار إدارات الدولة. حتى أن بعض وكالات تحويل الأموال تبقى أبوابها مفتوحة إلى وقت متأخر من الليل وأيام السبت والأحد أيضا، وهذا ما لا تقدمه الإدارات العمومية، بطبيعة الحال، بما فيها بعض المستوصفات وأقسام المستعجلات.
مكاتب الدراسات التي لا تقوم بأية دراسات، تكتفي بالمشاركة في الأيام الدراسية التي تنفق عليها الدولة، ويتحدثون في كل شيء إلا في الدراسات. هناك فريق من الأكاديميين يعيشون حاليا على أبحاث أساتذة سابقين قاموا بمحاولات قبل ثلاثين سنة، لا تزال معتمدة إلى الآن في التحليل السياسي والأكاديمي لعدد من الظواهر. وهذا الأمر لا يمكن أن يعتبر إلا فضيحة في بلد لديه إشباع كبير في عدد الحاملين للشهادات العليا. وربما سوف يأتي يوم يكون فيه عدد الحاصلين على الماستر والدكتوراه في المغرب أكثر من عدد المغاربة أنفسهم.
إنها فضيحة اجتماعية أن يصبح الحصول على دكتوراه الدولة أو الماجستير، وسيلة للترقية الإدارية، فقط لا غير. ماذا سوف يقدم «باحث» في الدكتوراه لا يهمه إلا الحصول على «الكارطونة» لكي يدلي بها لقسم الموارد البشرية ليزيد درجة في السلم الإداري ويصبح بإمكانه تسديد المزيد من الفواتير؟ لا شيء بالطبع سوى تفريخ مزيد من الأولاد الذين سيفكر في توجيههم نحو التعليم الخصوصي، لأن سعادته لا يثق في التعليم العمومي.
ومن حق هؤلاء طبعا ألا يثقوا نهائيا في المدرسة العمومية لأنها ببساطة أوصلتهم إلى سلك الدكتوراه وقدموا في سبيل ذلك بحثا أكاديميا لا يعرفون مضمونه بالضبط. فكيف، إذن، يثقون في منظومة يُدركون جيدا أنهم اخترقوها بسهولة.
مسؤولية هؤلاء جميعا تتلخص في غياب دورهم اليوم في الحياة السياسية بالمغرب. لا يمكن أن نخرج من عنق الزجاجة معتمدين فقط على مُرشحي الدجاج والبرقوق. يلزمنا أناس يُجيدون القراءة أيضا ويتوفرون في منازلهم، بالإضافة إلى صحون «الطاووس»، على رفوف من الدراسات الاجتماعية والنفسية التي تؤهل السياسيين لمعرفة حقيقة التحولات التي يعيشها المغاربة لكي يضعوا برامجهم وفقها. وكلما جاءكم سياسي ليتحدث عن إصلاح حياة المغاربة بصرف معونة حقيرة للأرامل أو تخفيض سعر قنينة الغاز، فعليكم أن تُدركوا أن كل شيء ممكن على يديه، من شفاء «بوزلوم» إلى توزيع الخبز بالمجان. لكن تغيير حياة المغاربة إلى الأفضل يحتاج إلى خبراء أولا. لذلك لا تستغربوا إذا صادفتم يوما إعلانا عن بيع مكتب للدراسات، فأغلى ما سيكون في الصفقة هي الكراسي.