شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةتقارير

مكالمة سامة للجسم القضائي

تضع المكالمة الهاتفية المسربة لبعض رموز المؤسسة القضائية، منظومة العدالة برمتها أمام محك حقيقي لقياس منسوب تطبيق خطابات إصلاح السلطة الثالثة في المنظومة الدستورية. إن نازلة تسريب التسجيل الصوتي لمكالمة هاتفية، جمعت القاضية «ع. ن»، عضوة سابقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والقاضي «م. غ» بغرفة الجنايات الدار البيضاء، تعد تدخلا سافرا في قضاء الحكم، فالقاضية أظهرت حماسة غريبة في مناقشة قضية معروضة أمام أنظار العدالة، بل وصل الأمر إلى تنديدها تارة بأسباب التأخير المتكرر في تجهيزها، وإشادتها تارة أخرى بأخلاق الطرفين المعتقلين، واتهامها لمحامية بتلقي رشاو باسم القضاة، فيما انحصرت ردود القاضي المستشار في شرح الإجراءات، ومحاولاته إقناع القاضية كونه سيعمل اللازم لإنهاء الأمر، بالشكل الذي سيرضي هذه الأخيرة ويأخذ بتوجيهاتها.

لذلك لا نبالغ بالقول إن تلك المكالمة التي خرجت للرأي العام، كان لها مفعول الهدم السريع لكثير من لبنات الإصلاح التي بدأت تترسخ في الأذهان، فنحن أمام قضاة يضعون أنفسهم في مخالفة صريحة أمام التوجيهات الملكية، باعتبار جلالة الملك هو الضامن الأول والأخير للعدالة والعدل، وأمام الدستور والقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وأمام النظام الأساسي للقضاء وقانون رئاسة النيابة العامة، وأمام منظومة العدالة، التي تبذل يوميا جهودا كبيرة لإصلاحها، قبل أن تأتي أحداث معزولة لتضرب كل تلك الجهود.

نحن لن ننتصر في هاته الواقعة المؤلمة للفئات المهنية، سواء كانوا قضاة أو محامين، فالقانون بعد تدخل النيابة العامة والفرقة الوطنية سيتخذ مجراه ولا خيار غير ذلك، لكن من العيب بل من الخطأ الجسيم أن تناقش ملفات المتقاضين في الهواتف، بينما المكان الوحيد للمناقشة والترافع في الجوهر والمساطر هو الجلسات وغرف المداولة، قبل إصدار الأحكام باسم جلالة الملك وطبقا للقانون. فكيف لمسؤولين قضائيين يفترض أنهم مضرب المثل في احترام منظومة العدالة، يتناسون وضعهم الدستوري والاعتباري، وينشرون غسيل بعض الملفات، بينما منطوق الدستور يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء، بل ويزيد في القول بأن القاضي لا يتلقى بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات، ولا يخضع لأي ضغط، بل يجب على القاضي كلما اعتبر أن استقلاله مهدد حتى في اعتماد مساطره، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

للأسف هناك مجهود كبير يبذله المجلس الأعلى للسلطة القضائية ومؤسسة النيابة العامة والجسم القضائي، من أجل تجويد أداء منظومة العدالة، لكن يبدو أن بعض القضاة وبعض المحامين لم يندمجوا بالكامل مع هذا التحول الإصلاحي المطلوب، ولم يستطيعوا الانسلاخ من ثقافة قضائية باتت من ماض ما زال عصيا على أن يطوى، واليوم ليس أمام السلطة القضائية من خيار سوى نهج مسلك الصرامة تجاه كل من تسول له نفسه المس بصورة القضاء ولو بشكل عفوي، فالقضاء الذي يحمي الجميع في كل الأوقات، في حاجة إلى من يحميه في بعض النوازل، خصوصا إذا كانت من بعض أهل الدار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى