مقاضاة فلسطينيين لبريطانيا
داود كتاب
بعد مرور أكثر من مائة عام على صدور وعد بلفور، والمآسي التي حلت بالشعب الفلسطيني من حكومة الانتداب البريطانية على أثره، ينوي فلسطينيون من رجال أعمال ومواطنين متضررين رفع دعوى على حكومة المملكة المتحدة، مطالبين إياها باعتذار واعتراف بدولة فلسطين والتعويض عما سببته بريطانيا للشعب الفلسطيني. ويعمل في هذا فريق قانوني فلسطيني ودولي، بتهيئة الدراسات والأبحاث الخاصة في هذا الملف، وتجميع الشهادات، بهدوء وبعيدا عن الأنظار. وبذلك قريبا تبدأ المحاكم في فلسطين وبريطانيا بالتعامل مع قضية تاريخية، يرفعها أعضاء من الشعب الفلسطيني ضد حكومة بريطانيا.
يقول رجل الأعمال، منيب المصري، وهو إحدى الشخصيات التي ستتقدم بالدعوى، إن وعد بلفور «أصل معاناة الشعب الفلسطيني والتمهيد الفعلي لانتهاك حقوقه وسلب أرضه ومقدراته». ويحمل المصري «حكومة بريطانيا وكل من شارك في إعمال هذا التصريح، المجازر والمآسي التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، وخصوصا جريمة اقتلاعه من أرضه وتشريده، هذه الجريمة التي ما زالت مستمرة».
ويشارك في القضية التي سترفع في المحاكم الفلسطينية أولا، ثم البريطانية، مجموعة من أهالي ضحايا مجازر دير ياسين وقبيه والدوايمة، وغيرهم من متضررين بصورة مباشرة من آثار الجرائم التي ارتكبتها حكومة بريطانيا في أثناء حقبة الانتداب على فلسطين، من أوائل القرن العشرين إلى 15 ماي 1948. ويمثل هذا التحرك القانوني إضافة نوعية للنضال الفلسطيني، من الممكن أن توفر فرصة لدعم القضية الفلسطينية.
وكانت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، تيريزا ماي، قد أثارت حفيظة الفلسطينيين، عندما عبرت، عن اعتزازها بوعد بلفور، وعن فخرها بالدور الذي لعبته بريطانيا في تأسيس دولة إسرائيل، وذلك في احتفال بالذكرى المئوية لإعلان الوعد المشؤوم في نونبر 2017. غير أن ما بني على باطل فهو باطل، ويقول الخبراء في القانون الدولي إن هذا أساس فقهي، يمكن البناء عليه في الدعوى ضد حكومة بريطانيا ومحاكمة هذه الحكومة، للنكبة التي سببتها بريطانيا للشعب الفلسطيني وتشريده من وطنه وأرضه. والمتوقع أن يبدأ محامو الشعب الفلسطيني بالإشارة إلى وعد بلفور، ثم يتدرجوا إلى مجموعة مخالفات جسيمة وجرائم حرب اقترفتها حكومة بريطانيا في فلسطين إبان سنوات الانتداب، والتي لا تزال تسبب ضررا للشعب الفلسطيني المشرد والمهان، والذي يعيش تحت احتلال ظالم تسببت به بريطانيا بوعدها المشؤوم.
ليست القيادة الفلسطينية، في الحكومة في السلطة الوطنية وفي منظمة التحرير، طرفا في القضية، الأمر الذي يساعد على إنجاح الدعوى، ويبعد أي محاولة للتشويش عليها، أو للضغط على القيادة بشأنها.
وليس واضحا ما إذا كانت المحاكم الفلسطينية ستوافق على الاستماع إلى القضية، وقد تحاول الاستناد إلى أمور شكلية، مثل موضوعي الصلاحية والتقادم. يقول فريق المحامين الفلسطيني والدولي إن كون بريطانيا وفلسطين موقعتين على اتفاقيات لاهاي وجنيف يعتبر ملزما، عليها تحمل مسؤولية تبعات تلك الاتفاقيات، والتي تتعامل مع حقوق الشعوب تحت الحكم الأجنبي. وفي ما يتعلق بالتقادم، لم يتوقف الضرر، بل هو مستمر، كما أن القانون الدولي يحدد التقادم للأشخاص وليس للدول، حيث يسمح بمقاضاة الدول، مهما طال الزمان.
يهيئ المحامون للقضية ببيانات مفصلة، بالاستفادة من عدة مصادر قانونية وإنسانية، كما تمت الاستفادة من أرشيف ضخم موجود في جامعة القدس الفلسطينية. وقد يعتبر بعضهم أن القضية متأخرة جدا، ولكن المثل يقول أن تأتي متأخرا أفضل من أن لا تأتي، فالمهم الآن هو نجاح القضية في تسليط الضوء على المخالفات الجسيمة التي قامت بها حكومة بريطانيا، وفي الوقت نفسه، توفير فرصة قانونية وسياسية للمملكة المتحدة لأن تحاول أن تتحمل مسؤولية ما حدث، وتعمل على تصحيح الخطأ التاريخي الذي لا يزال يحل بشعب بأكمله.
إذا كان لدى بريطانيا الحد الأدنى من التعامل مع مبدأ العدالة الإنسانية، فإن أبسط الأمور الآن يتطلب منها الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود سنة 1967، خطوة رمزية وأولية لبدء تصحيح الجرم الذي تسببت به حكومة بريطانيا.