عبد القادر الكيحل
يعتبر حزب الاستقلال عميد الأحزاب المغربية، ومرجعا في المزاوجة بين البعد التأطيري المبني على القيم الوطنية، وترسيخ الهوية والإنسية المغربية والتعادلية الاقتصادية والاجتماعية، والبعد التنظيمي المستلهم من العمل السياسي، المتفتق عن عبقرية الحركة الوطنية النابعة من الخصوصية المغربية.
فالحزب استمر حاضرا بقوة في المشهد السياسي الوطني لأزيد من ثمانية عقود، بإيمان راسخ بكونه حزب رسالة وتربية وتأهيل وتأطير، في وقت أفلت فيه أحزاب وتراجعت أخرى. والعديد من المتتبعين والباحثين في علم السياسة تعرضوا لدراسة أسباب ثبات حزب الاستقلال في المشهد الحزبي المغربي، وعدم خضوعه للدورة الحزبية التي ميزت الظاهرة الحزبية بالمغرب.
إن حزب الاستقلال هو تجل لفكرة وطنية صادقة، في حضن بنية تنظيمية متراصة، تعكس أخلاق وتربية الاستقلاليات والاستقلاليين، بنية تتسم بتفريع دقيق، وهيكل تنظيمي محكم، يعكس خصوصيات البنية المجتمعية المغربية، بنية تنظيمية احتفظت للراحل علال الفاسي بالرئاسة والزعامة، حيث صادق المؤتمر التاسع المنعقد في شتنبر 1974 بإجماع المؤتمرين، على أن يحتفظ برئاسة الحزب للرئيس علال الفاسي طيب الله ثراه، تأكيدا على السير وفق النهج نفسه الذي خطه بجهاده وكفاحه.
ووزعت الأعباء التنظيمية على مكونات الحزب، انطلاقا من الخلايا والدوائر والفروع، كوحدات أساسية في نظام الحزب، مرورا ببقية التنظيمات المحلية والإقليمية والجهوية، وصولا إلى الهيئات المركزية، وفي صدارتها مؤسسة الأمين العام، الذي يضطلع بمسؤولية الحفاظ على كيان الحزب، ويسهر على الالتزام بمبادئه وصيانة أهدافه واحترام مقرراته.
وتميز حزب الاستقلال عن باقي الأحزاب السياسية المغربية بمؤسسة متفردة، وهي جهاز مفتشي الحزب. وشكل هذا الجهاز مجالا للسجال التنظيمي، عبر المؤتمرات المتعاقبة بين مؤيد ورافض. وتختلف مواقف الاستقلاليين حول هذا الجهاز انطلاقا من منظورين: أحدهما ذاتي والآخر موضوعي. فالمنظور الذاتي يتحدد، وفق طبيعة علاقة المناضل بالمفتش على المستوى الإقليمي… أو من الحمولة اللغوية لهذا الجهاز «المفتش» كاسم فاعل يوحي بدور المراقبة والاطمئنان، وهذا ما يبدو منافيا لطبيعة العمل النضالي الحزبي، المبني على التطوع والاختيار الديمقراطي. أما المنظور الموضوعي فيتجلى في النضج التنظيمي للمناضل، واستحضار أهمية الجهاز بعيدا عن الذات، أو بعض الأخطاء العرضية في بعض مكوناته.
ولكن السجال انتهى دائما إلى أن المصلحة العليا للحزب تقتضي الإبقاء على هذا الجهاز، الذي ارتبط دائما بصيانة ومناعة الحزب في مجموعه، وعلى امتداد التراب الوطني، برغم الصعوبات والظروف التي لم تكن دائما مساعدة داخليا وخارجيا.
إن مركزية مفتشي الحزب في البناء التنظيمي، تتمثل أساسا في المرتكزات التالية:
أولا: الدور التاريخي للمفتشين في حماية وحدة الحزب
لقد خلفت صدمة انشقاق 1959 ـ كواقعة تاريخية في المسار الحزبي الوطني ـ آثارا في نفسية المناضل الاستقلالي، والذي يعتبر وحدة الحزب وتماسك بنيانه أمرا مقدسا، ينبغي تضافر كل الجهود للحفاظ عليها، حيث إن جل الأدبيات التنظيمية للرواد والمناضلين والباحثين خلصت إلى التركيز على مفهوم الوحدة والانضباط الحزبي. وبالرغم من الهزات التنظيمية التي عرفها الحزب، إلا أنه بقي عصيا على التطويع من الغير أو الانشطار والانشقاق. وفي هذا الإطار، يستحضر الاستقلاليات والاستقلاليون الدور الحاسم والتاريخي لمفتشي الحزب سنة 1959 وما تلاها، في الحفاظ على وحدة الحزب وممتلكاته، على الرغم من أهمية ورمزية ومكانة دعاة الانفصال، حيث إن جل مفتشي الحزب في تلك المرحلة ناصروا اتجاه الوحدة والعقيدة الاستقلالية الحقة، ولم يلتحقوا بالاتجاه المنشق، باستثناء حالتين معزولتين، حيث جاء في الألوكة التي وجهها الزعيم علال الفاسي إلى جميع أعضاء الحزب من خلال اجتماع الندوة الأولى للجان العمل واليقظة، بتاريخ 7 ماي 1959: «ويمكننا الآن أن نصرح بأن المجهود الذي بذل في هذا الصدد قد كلل بالنجاح التام، وقد سهل ذلك إخلاص القاعدة الشعبية للحزب وثباتها في مبادئها. على أن الخسارة التي وقعت في صفوف الحزب لا تساوي شيئا مذكورا، فلم يفصل من هيئة المفتشين إلا اثنان من بين التسعة عشر مفتشا».
إن هذا الدور التاريخي لمفتشي الحزب يستحضره المناضلون في كل محطة تنظيمية، ناقشت جدوى استمرار مسؤولية المفتش في البناء التنظيمي للحزب.
ثانيا: المفتش مؤسسة مركزية في البناء التنظيمي للحزب
حددت الأنظمة الأساسية للحزب مهاما أساسية لمفتشي الحزب، تتمثل في:
– المفتش مؤتمن على أنظمة الحزب: تتمثل أدواره في السهر على تطبيق أنظمة الحزب ولوائحه وقراراته، وهو مؤتمن على السير الطبيعي لمؤسسات الحزب، ويعتبر مرجعا معتبر الرأي في كل اختلاف حول تنزيل أو تأويل أنظمة الحزب، والساهر على توجيه البنيات التنظيمية المحلية والإقليمية.
– الحفاظ على ممتلكات الحزب: يعتبر الحفاظ على ممتلكات الحزب وصيانتها، من أهم الأدوار التي اضطلع بها المفتشون عبر الوطن، خصوصا قبل إصدار القانون التنظيمي رقم 11. 29، المتعلق بالأحزاب السياسية. حيث عمد جل المفتشين إلى خلق إطارات جمعوية لتسيير المدارس الوطنية المقامة على أملاك حزبية، إضافة إلى سلك مساطر قانونية لتثبيت وتثمين ممتلكات الحزب، في تنسيق تام مع إدارة المركز العام للحزب، وتبليغ قيادة الحزب بكل المستجدات التي تهم هذه الممتلكات، والاعتداءات المادية التي قد تتعرض لها.
نافذة:
حزب الاستقلال هو تجل لفكرة وطنية صادقة في حضن بنية تنظيمية متراصة تعكس أخلاق وتربية الاستقلاليات والاستقلاليين بنية تتسم بتفريع دقيق وهيكل تنظيمي محكم