شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

مفتاح التقارب بين الشعوب

صحيح أن مياه العلاقات الديبلوماسية بين الرباط ومدريد عادت إلى مجاريها، لكن الدبلوماسية لوحدها لا تكفي لحل المشاكل القائمة، أو التي ستقوم بين الدولتين على المدى البعيد والمتوسط. ولكي تعود تلك العلاقات إلى أفضل حالاتها، لا ينبغي أن يقتصر الأمر على رقم المعاملات التجارية، أو حجم التنسيق الأمني في مواجهة الهجرة والإرهاب والمخدرات، بل لا بد من توطيد التعاون الثقافي بين البلدين، من خلال تعزيز وتقوية وتطوير العلاقات الثقافية، علاوة على تكثيف الحضور المغربي للتعريف بثقافة وحضارة المغرب بإسبانيا.

والسؤال الذي يطرح اليوم هو، ما هي البرامج الثقافية والأنشطة الإشعاعية وشبكة البرامج الإعلامية التي تعرف بالثقافة المغربية بصفة منتظمة في إطار برامج سنوية، توجه إلى الجالية المغربية بإسبانيا، والى المواطن وصناع القرار بالجارة الشمالية؟ وما هي المؤسسات الإعلامية المغربية، مكتوبة أو مسموعة أو إلكترونية أو مرئية، التي تتوفر على مراسلين لها بمدريد؟ وفي الحقيقة ما لم يدرك المسؤولون لدينا أن قوة الديبلوماسية الرسمية للدولة لا تقاس فقط بالقوة الاقتصادية، ولا بالتفوق الأمني والموقع الاستراتيجي فقط، بل تحتاج إلى ديبلوماسية ثقافية وفكرية ناعمة قائمة على ترجمة الكتب والروايات والسينما والبرامج الحوارية والراديو والتلفزيون وترويج الفنون وغيرها من جوانب الثقافة، فإن العلاقات مع إسبانيا وغيرها ستبقى ناقصة وجافة.

إن تقوية الدبلوماسية الثقافية المغربية بإسبانيا، بما تملكه من مقومات تاريخية واحتضان داخل جاليتنا، ربما تكون أكثر تأثيرا من العمل الدبلوماسي التقليدي الرسمي، الذي يتمثل عادة في وجود سفير وسفارة وبعثة دبلوماسية. فدور الدبلوماسية الثقافية يتجاوز هذه الوظيفة البروتوكولية، إلى تقديم صناعة ثقافية موجهة إلى الجمهور الإسباني، تحدثه عن تاريخنا وتقاليدنا وطبخنا وعمارتنا وفننا وثقافتنا، بهدف بناء صورة ثقافية مقنعة ومؤثرة.

وما لم نصل إلى تحقيق ذلك المبتغى، فستظل العلاقات الديبلوماسية بين الرباط ومدريد رهينة حسابات الأرباح الاقتصادية، وحبيسة التوجهات السياسية للائتلافات الحاكمة التي تفرزها الانتخابات، وهنا من واجب مؤسسات الدولة المغربية تقديم الدعم المالي واللوجيستي للبرامج الثقافية والمؤسسات الإعلامية الموجهة إلى إسبانيا، فلا يمكن أن يظل حوالي مليون مقيم مغربي بإسبانيا بدون ارتباطات ثقافية ببلدهم، ولا يمكن أن نقنع المواطن الإسباني بعدالة قضيتنا، دون مجهود على المستوى الثقافي والإعلامي، وهي مفاتيح التقارب بين الشعبين، بل بين الدولتين.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى