مفارقات للتأمل 2/2
علاقات فرنسا بإيران ليست وليدة اليوم فعندما فر الخميني من إيران حط في باريس، ومن باريس خطط لثورته وطار منها إلى إيران لكي يحكمها.
لذلك عندما جاء الأهبل دونالد ترامب تصرف كفيل مسعور في دكان للخزف وحطم كل ما بناه أوباما، وعلى رأسه الاتفاق النووي مع إيران، ولذلك أطل على الإيرانيين من التلفزيون لكي يبارك انتفاضتهم ويطالبهم بإسقاط نظام الملالي، وكذلك فعل ظله نتانياهو الذي نظم قصيدة غزل في حق الشعب الإيراني مطالبا إياه بالتحرر من أغلال ولاية الفقيه.
وكم هم خبثاء رؤساء الدول الغربية فهم يسمحون لأنفسهم بممارسة الوصاية على الشعوب وإفتاء آرائهم عليها وإعطائهم الدروس والنصائح كما لو كانت كل الشعوب قاصرة بنظرهم.
وعندما سمعت قبل أسبوع الرئيس الفرنسي يقول بحضور الرئيس التركي إن بشار هو عدو الشعب السوري، قلت مع نفسي «دابا هادا شكون عطاه الحق باش يهضر باسم الشعب السوري»؟
أما إيران التي لا تتوقف في كل مرة عن تهديد إسرائيل بتدميرها فلنا أن نتساءل ماذا فعلت إيران ضد إسرائيل حتى اليوم دفاعا عن فلسطين؟ لا شيء عدا العنتريات الفارغة.
وفضيحة صفقة الأسلحة التي نشرت تفاصيلها صحيفة التلغراف بشأن ضبط شحنة أسلحة مهربة من «إسرائيل» إلى إيران عبر اليونان مثال ساطع على التعاون السري.
والمطلعون على خبايا الأمور يعرفون أن إيران و«إسرائيل» لم يكونا يوما في صراع إيديولوجي بقدر ما هما متنازعتان استراتيجيا بهدف الهيمنة على المنطقة العربية.
فإيران تبحث عن مدخل إلى الشرق الأوسط والمنطقة العربية، ولأجل ذلك تستغل ورقة الصراع «العربي الإسرائيلي»، محاولة الظهور بمظهر «عدو» إسرائيل اللدود، والداعمة الرئيسية للقضية الفلسطينية عبر دعم وتسليح وتدريب عناصر حماس وحزب الله، والحقيقة هي عكس ذلك، فإيران تستثمر مأساة فلسطين لمصالحها الخاصة تماما مثلما يصنع تاجر البازار التركي أردوغان.
الحقد الشيعي الإيراني على العرب والسنة لا حدود له، ومن يزور إيران سيكتشف أن أربعين في المائة من سكان طهران مثلا هم من السنة، لكن لا يوجد مسجد واحد مخصص للطائفة السنية، في الوقت الذي تخصص الدولة أماكن صلاة لليهود الإيرانيين.
الحقيقة أن إيران تكره العرب والسنة تحديدا لأنها مسيجة جغرافيا ببلدان سنية، ولذلك فهي تدعم جماعات وحركات مسلحة لإقامة أنظمة شيعية موالية لها، فهي تخشى أن يأتي يوم يهاجمها ويحتلها العرب من جديد مثلما فعل صدام حسين عندما خرب طهران بالقذائف، ولذلك فهي تطبق سياسة «أفضل طريقة للدفاع عن النفس هي الهجوم».
والواقع أنه ليس إيران وحدها من تكره العرب، فتركيا تكره العرب وأمريكا تكره العرب وأوربا تكره العرب، والمصيبة أنه حتى العرب يكرهون بعضهم البعض، ويتآمرون ضد بعضهم البعض، ويغدرون ببعضهم البعض، وهذه هي الطامة الكبرى.
وأكبر دليل على ذلك هو ما حدث ويحدث في سوريا، أليس من يتقاتل هناك جميعهم عرب؟
وبعدما كنّا نعرف شيئا اسمه مغاربة العالم أصبحنا اليوم أمام تعميم بلاغ وقعه مقاتلان مغربيان في سوريا، هما أديب أنور وياسين الغزوي اللذان يقاتلان تحت لواء جيش النصرة السورية بإدلب، باسم جمعية يترأسانها هدفها كما قالا هو إخراج قضية المغاربة الذين التحقوا بساحات القتال في الشام من كنف ما سمياه الغموض.
كما أن هدفهما فتح حوار مع السلطات المغربية والدعوة لإرسال مندوب يمثل الدولة المغربية إلى سوريا للوقوف على أوضاع المغاربة، «زعما هاد الدولة المغربية تخلي تمشي تجيب المغاربة اللي مشاو يقلبو على طرف ديال الخبز وصدقو عالقين فليبيا، ولا تمشي تجيب المغاربة العالقين بسوريا واللي مشاو باش يقطعو ريوس عُبَّاد الله ويتصورو معاها»؟
الغريب أن هؤلاء الناس يتحدثون بدم بارد عن ذهابهم إلى تركيا من أجل التسلل إلى سوريا كما لو أنهم ذهبوا في رحلة سياحية منظمة لإزمير أو إسطنبول للتمتع برؤية معالم الحضارة العثمانية وليس لجز رؤوس جنود بشار الأسد ومقاتلي الميليشيات الموالية له، وأحيانا جز رؤوس بعضهم البعض بتهم الخيانة والعمالة وما إليها من التهم التي تحددها محاكم البغدادي الدموية.
إنها مفارقات عجيبة حقا، لكنها تكشف أن العالم تحكمه المصالح وليس العواطف، وهذا هو الدرس الذي لم يستطع العرب والمسلمون فهمه بعد.