يونس جنوحي
تتم هذه الأيام كتابة سيناريو لفيلم يحكي عن فترة حرجة من تاريخ المغرب وإسبانيا. فريق الإنتاج يشتغل على الإعداد لمراحل التصوير المرتقب أن يبدأ العام المقبل في المغرب، حيث سيعود الفيلم إلى مرحلة ثلاثينيات القرن الماضي وسوف يحكي عن زيارة فتيات قرويات مغربيات من منطقة الاستعمار الإسباني شمال المغرب سنة 1938 إلى إقليم الباسك في إسبانيا.
كانت تلك الزيارة غير عادية وخلقت الحدث، حيث خصص استقبال ضخم للفتيات المغربيات وجاء الفضوليون من كل صوب لرؤية مغربيات باللباس المغربي التقليدي لأول مرة يتمشين في شوارع إسبانيا. وقع هذا قبل نهاية الحرب الأهلية في إسبانيا.
هذا الخبر لم يصدر في أي وسيلة إعلام إسبانية، وإنما شاع بين بعض المشتغلين في قطاع الإنتاج السينمائي، عندما اتصلت بهم شركة إنتاج إسبانية تتعامل مع منصة «نتفليكس»، لكي يشتغلوا معها في هذا العمل، خلال مراحل التصوير المرتقبة في المغرب.
من المؤلم فعلا أن يتم استغلال قصة تخص الطرفين، ويتم التعامل معها سينمائيا من طرف واحد.
حدث هذا في سلسلة أخرى عرضت على المنصة نفسها وحصدت ملايين المشاهدات عبر العالم، وتناولت قصة ممرضات إسبانيات جئن إلى شمال المغرب أيام الحرب بين إسبانيا والمجاهد محمد عبد الكريم الخطابي لإسعاف جرحى الجيش الإسباني. المسلسل مغرق في الدراما البعيدة تماما عن التوثيق التاريخي. إنتاج ضخم بمؤثرات وإمكانيات هائلة، خُصص للحديث عن تشعبات وغراميات الممرضات الإسبانيات مع شخصيات عسكرية إسبانية، وصور المغاربة على أنهم شعب من المتخلفين والمتوحشين الرافضين للحضارة الإسبانية وأنهم يشكلون خطرا على الإنسان الأوربي المتحضر.
ربما يعاد السيناريو نفسه مع هذا الإنتاج المقبل، ما دام الإنتاج أحاديا ومن الجهة نفسها. هناك أرشيف مهم في إسبانيا يتحدث عن تلك الزيارة التاريخية، وتوجد صوره في قسم الأرشيف في مكتبة إسبانيا الكبرى. لكن، بالمقابل، لا نتوفر في المغرب على أي معلومات بهذا الخصوص. والسبب واضح، إذ إن التصوير وقتها لم يكن رائجا في المغرب، كما أن محاولات التوثيق المغربية وقتها لم تكن تتجاوز أن يكون بين المسافرين كاتب مهمته تدوين مراحل الرحلة بخط يده ونسخها لاحقا كما وقع مع السفراء المغاربة القدامى. وفي رحلة الفتيات المغربيات إلى «الباسك»، لم يكن هناك أي مرافق مهمته تدوين مراحل الرحلة ولا التوثيق لها.
قد نرى في العام المقبل عملا يتناول الحرب الأهلية الإسبانية بعيون مغربية دون أن يشارك المغاربة في عملية كتابة السيناريو ولا في الإنتاج. وسوف نكون مجرد متفرجين على من ينقل وجهة نظرنا في مرحلة تاريخية، ونحن آخر من يعلم!
لماذا ليس لدينا في المغرب أي عمل توثيقي يصلح لينافس في المنصات العالمية التي تبيع الأفلام ويشاهدها ملايين الناس عبر العالم؟ لماذا ليست لدينا عقود مع مخرجين ومُنتجين مغاربة؟
لا يمكن تبرير ألا يكون لدينا أي عمل سينمائي أو فيلم وثائقي أو حتى سلسلة تلفزية في رمضان، تتناول حياة سفير مغربي إلى أوربا في القرن 19، أو قصة تاريخية مشوقة عن وقائع علاقات الوزراء المغاربة القدامى مع التمثيليات الأوربية في المغرب.
هذا النوع من القصص يحقق أعلى الإيرادات عبر العالم، وكل القصص التاريخية التي تم إنتاجها حاليا حققت أعلى الإيرادات. لقد دخلنا عصر السينما والرواية التوثيقية. لقد مل الناس من أفلام الأبطال الذين يقفزون فوق العمارات ويطلقون اللهب من أفواههم، ولم تعد أفلام المشي تحت المطر تحبس أنفاس المشاهدين. العالم الآن يلتهم كل ما يقدم له حول تاريخه وقصص مغامرات أناس حقيقيين عاشوا قبلنا فوق الرقعة نفسها.