مغاربة أولا وأخيرا
ما الذي حدث حتى تحول ناصر الزفزافي من زعيم يخطب في المحتجين بالحسيمة مطالبا بتحقيق المطالب المشروعة إلى ناصر البغدادي يرغي ويزبد في المسجد مطالبا بتحقيق الشهادة ؟
هي أشياء بسيطة يكفي التقاطها لكي نفهم أن الرجل فقد أهم شيء لدى من يطمحون ليكونوا زعماء وهو بعد النظر.
لقد أعطى الزفزافي الدليل لمن كانوا يعتقدون أنه من الممكن أن يصير زعيما وأن يذهب في اتجاه مأسسة الحراك لكي يصير حزبا سياسيا مثلما حدث في إسبانيا مع إيغليسياس زعيم حركة بوديموس والساخر بيبي غريلو بإيطاليا، لكن اتضح أن الزفزافي لا يتمنى تحقيق مطالب المحتجين بل يتمنى الشهادة.
وحسب اعتقادي فالأبطال الأشاوس الذين يطلبون الشهادة لا يختبئون عندما يطلبهم الأمن للاعتقال، فالشجاعة تقتضي أن يسلم الزفزافي نفسه وأن يواجه العدالة بشجاعة وأن يتمسك بموقفه، لا أن يشعل المدينة ويفر إلى وجهة مجهولة وأن يطل عبر فيديوهات مسجلة تذكرنا بأشرطة الظواهري وبلادن المسجلة في المغاور والتي كانت تتوصل بها الجزيرة.
ولعل أخطر شيء نجح فيه الزفزافي وهو يصر كل يوم على تقديم نفسه كخارج عن القانون متحديا الدولة بجميع مؤسساتها شاتما رجالها هو أنه أعاد طرح إشكالية تطبيق القوانين إلى الواجهة.
فإذا كانت هناك قوانين في البلد فيجب أن تطبق، وإلا فإن الفوضى ستعم وسيصبح الزفزافي الخارج عن القانون نموذجا يحتذى به وسيكون المغرب آنذاك قد وضع قدمه على طريق الدول الفاشلة التي انتهت ممزقة الأوصال كليبيا وسوريا وتونس وغيرها.
إنه ليس من قبيل المصادفة أن يظهر بالموازاة مع ما يحدث عندنا في الريف زفزافي آخر في الجزائر اسمه عمار البيري، عسكري سابق بسلك المظليين بالجيش الجزائري، يقود بدوره جحافل المحتجين خلفه بولاية بومرداس ويهدد بمسيرات حاشدة نحو العاصمة لتحقيق مطالب شعبية.
لقد اتضح اليوم أن ناصر الزفزافي ومن معه لا يبحثون عن حلول بل عن التصعيد، اتضح اليوم أن شعار «سلمية سلمية لا حجرة لا جنوية» الذي يرفعه المحتجون هو شعار للاستهلاك، والدليل على زيفه سيول الحجارة التي انهالت على رجال الأمن من أيادي المحتجين في الشارع وفوق السطوح.
لذلك فالهدف المضمر لمن يحركون الشارع ليس هو طرح مطالب السكان وإعطاء الدولة ومؤسساتها المجال لتحقيقها على أرض الواقع، بل هو توفير أسباب الاحتقان والحشد للمحتجين والدعوة للعصيان.
أتذكر قبل سنة تقريبا نصح محذرا عبد الباري عطوان المغاربة من ضرورة الانتباه واليقظة لأن هناك مؤامرات لتقسيم دول شمال إفريقيا، والمغرب إحدى هذه الدول المستهدفة، وكيف عرض عليه التعاون مع جهات مشبوهة ورفض.
وقبله على قناة المنار استعرض الباحث السوسيولوجي أحمد ويحمان خطة تقسيم المغرب ذاكرا أن العد العكسي لهذا المشروع بدأ وأن هناك مراكز لتدريب منفذين على السلاح بليبيا، لتحقيق المخطط الخطير لتقسيم المغرب إلى أربع جمهوريات، دولة تدعى «آسامر» بالجنوب الشرقي، وجمهورية الريف التي قال إنها جاهزة، إضافة إلى جمهورية سوس وجمهورية الصحراء.
وتزامنا مع هذه التحذيرات جاء الخطاب الملكي أمام القمة المغربية الخليجية عندما تحدث عن حبك مؤامرة لتقسيم المغرب في إطار مخطط يستهدف العالم العربي، الذي تحول ربيعه إلى خريف.
ويحمان تحدث قبل سنة عن بداية العد العكسي للمخطط وعن وجود معسكرات تدريب في ليبيا لهذا الغرض، وعن أسماء وعناوين وأماكن ودول، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، تضع مخططات لتقسيم المغرب مثلما قسمت قبله العراق والسودان وسوريا وليبيا.
وقال ويحمان إن جمهورية الريف جاهزة بخريطتها وبنشيدها الوطني وأعلامها، كما أن مخطط إنشاء دولة بالجنوب الشرقي للبلاد تدعى «آسامر» أصبح جاهزا أيضا، وتمتد على طول حدود المغرب مع الجزائر، من بوعرفة حتى محاميد الغزلان وتندوف، وهي تضم بحسبه عمالات بوعرفة وفكيك وعمالة أرفود والراشيدية، وتنغير وورزازات وزاكورة، وحتى أكدز وتاكونيت.
هناك من يرفض الاعتراف بأن هناك مؤامرة تحاك ضد المغرب، بحجة أن الأمر يدخل ضمن «نظرية المؤامرة»، لكن هؤلاء يجهلون أن العالم كله مبني على المؤامرات، فالكل يتآمر على الكل، فاحتلال العراق وتقسيمه كان مؤامرة بنيت على كذبة الأسلحة الكيماوية، وتدمير سوريا تم تبريره بإسقاط النظام بالقوة وعندما فشلت المؤامرة رأينا كيف تم تدبير مؤامرة الغازات السامة.
وقبل هذا كان احتلال فلسطين وتأسيس دولة إسرائيل مؤامرة، واتفاق سايس بيكو لتقسيم الشرق الأوسط كان مؤامرة، واحتلال المغرب وفرض الحماية عليه كان مؤامرة بين دول أوربية.
وإذا كانت أداة التقسيم التي تم استعمالها بهذه الدول هي الطائفية، فإن الأداة التي يتم استعمالها في المغرب هي القبلية والنعرة العرقية، وهي بالضبط النعرة التي ظل يداعبها الزفزافي بعناية منذ ستة أشهر.
فإصراره على الحديث عن «ريافة» عوض المغاربة ورفعه لرايات تحن إلى أوهام جمهورية الريف زاد من درجة الشعور القبلي على حساب الشعور الوطني.
ولذلك فالمغاربة يجب أن يكفوا عن الحديث عن أنفسهم بوصفهم ريافة أو فاسة أو سواسة أو صحراوة أو عروبية أو زيان، وأن يقتصروا على الحديث عن أنفسهم بوصفهم مغاربة فقط، فلا فضل لريفي على سوسي ولا لسوسي على عروبي ولا لعروبي على فاسي أو لفاسي على صحراوي سوى بما يقدمونه لهذا الوطن وأبنائه من خدمات.
فالمغربي هو خليط من كل هذه الأعراق، وليس هناك عرق صافي يحتكر الحرية والكرامة والعزة فيما الأعراق الأخرى تحتكر العبودية والمذلة.
إن الوقود الوحيد لمخطط التقسيم في المغرب هو العرقية المقيتة، ولذلك يجب التعامل بصرامة مع كل من يهدد البلاد بإهراق هذا الوقود فوق أرجاء الجهات وإلقاء عود الثقاب وإحراق تلابيب البلاد.