مع المنتخبين في خلوتهم
بحث الناخبون عن مرشحيهم لتهنئتهم بالفوز في انتخابات الرابع من شتنبر فلم يجدوا لهم أثرا، طرقوا بيوتهم فلا مجيب، وحين اتصلوا هاتفيا تصدت لهم السيدة الراقدة في العلبة الصوتية، لتقول لهم تارة إن الاتصال مستحيل وتارة إن «مخاطبكم حد مؤقتا من مكالماته».
شد الفائزون في الانتخابات الجماعية الرحال إلى منتجعات سياحية بعيدة عن الأنظار، ليس من أجل أخذ قسط من الراحة والاستجمام، بل للاستمتاع بخلوة سياسية تتيح للناجحين في الامتحان التجريبي للانتخابات فرصة رص الصفوف ووضع التشكيلة الأساسية للمجالس الانتخابية بعيدا عن الاختراقات الممكنة.
لا فرق بين المعسكرات التي تنظمها فرق الكرة قبل المباريات، ومعسكرات المنتخبين، فهما يقامان في منتجعات سياحية تمنح مريدها الحد الأقصى من التركيز، وتجعل السياسي والرياضي في شبه قطيعة مع الزمن.
في معسكرات الرياضيين يدعو المدرب لاعبيه إلى القطع مع الأهل والأحباب، ويفرض على عناصره نظام خلوة صارم، فيه أكل وشرب واستعداد نفسي وبدني، وعند الضرورة القصوى يصادر الهواتف النقالة للاعبين، ويمنع «الشات» ومشتقاته، ويعطي تعليمات للحرس الخصوصي للفندق بمنع أي كائن من الاقتراب من لاعبين في خلوة كروية.
قبل مغادرة الفندق، يعرض المدرب خطته ويجهر بوصاياه ويشد عضد لاعبيه، ويربت على أكتافهم، ويحفهم بدعواته، ويذكرهم بضرورة ارتداء الزي الموحد وتبليل القميص بالدم والعرق.
لا تختلف خلوة المنتخبين عن معسكر الرياضيين، إلا بـ«اللقوى» وأحيانا ببعض التفاصيل الصغيرة، لأنهم لا يملكون حافلة تحملهم جماعيا إلى المعسكر، لكنهم يدرسون خطة الظفر بمقاعد المسؤولية في مباراة «ديربي» تبتسم لمن جمع أكبر عدد من الأصوات بدل الأهداف، وقبل أن يلتحقوا بغرفهم يجدد وكيل اللائحة لاءاته الثلاث:
«لا تفتحوا هواتفكم، لا تفتحوا نوافذكم لا تفتحوا أفواهكم».
طرحت في كثير من معسكرات المنتخبين المغلقة، إشكالية النساء خاصة المتزوجات، لذا تحمل وكلاء اللوائح أو الجارون عليها نفقات إقامة منتخبة وزوجها وابنها الرضيع الذي يرضع منذ صغره حليبا سياسيا. فلكل وضع استثنائي حل استثنائي.
في المعسكرات التي تنظمها فرق الكرة لا يمكن لفريق أن يضم إلى معسكره لاعبا من الفريق الخصم، لكن في الاستحقاقات الانتخابية السطو على الخصوم مباح، لأن اللعبة قدرة والمباراة الوشيكة لا تقبل التعادل إذ تحسم في الغالب بضربات الجزاء أو بتعبير أصح بـ«ضربات تحت الحزام».
خلال الخلوة السرية، وفي اجتماع «تقني» طالب أحد المنتخبين بمزيد من الشفافية في التعامل مستقبلا مع المرشحين، بإضافة عبارة لبرنامج المرشح تقول: «إن مرشحكم يستأذنكم بالاختفاء الطوعي لمدة أسبوع كامل في حال نجاحه». واقترح آخر على وكيل اللائحة، الراعي الرسمي للخلوة، اللجوء إلى صيغة «الروبريز» السياسي، وكثير منهم طالبوا بنقط نظام كادت أن تجهز على النظام.
عدد من وكلاء اللوائح حائرون، يفكرون يتساءلون في جنون، عن سر اختفاء منتخبيهم الذين تقاسموا معهم اللوائح واللون والطعام. قدمت بوعيدة تصريحا باختفاء عضوين من حزبها التجمع الوطني للأحرار، فردت عليها زوجة أحدهم:
«أليس حزبكم يسمى حزب الأحرار، إذن زوجي حر في اختياراته، أنا أولى منك في البحث عن مكانه لكنني لم أفعل، «مالك ضاربة عليه الكاغيط»»؟ في المدينة نفسها كلميم، اختفت زوجة عضو في «البيجيدي» نيابة عن زوجها، وحين استنجد البوليس بتطبيق الـ«جي بي إس» لهاتفها، اكتشف أنها في خلوة غير شرعية. أما مرشح اتحادي فقد تمرد على نمط التهريب السائد وظل قابعا في دكانه وقد كتب عليه «منتخب ليس للبيع». أما مبدع الحفر في الفقيه بن صالح، فقد قاد كتيبته الانتخابية إلى منتجع سياحي سري، ومع إشراقة كل صباح يستحلف العشرين عضوا بالولي الصالح ويذكرهم تارة بجبروته وتارة أخرى بجوده وكرمه.
تعلم السلطة علم اليقين بأدق تفاصيل المعسكرات السياسية، فمخبروها يرابطون في كل مرافق المنتجعات، لكنها لا تتدخل حتى لا تفسد على السياسيين خلوتهم، لأن من مصلحتها ألا تتدخل، فكيف للطباخ أن يحرق طاجينه؟!