بقلم: خالص جلبي
لقد وجد أن أبسط ذرة في الكون هي ذرة الهيدروجين، لأن النواة تحمل بروتونا واحدا، والمدار الخارجي منه إلكترون واحد، ويتدرج بناء الذرات بشكل عجيب محير، حيث يزداد بناء الذرة بروتونا بروتونا، والمثل على ذلك الهيليوم، حيث يوجد في النواة بروتونان، ثم الليتيوم، حيث يوجد ثلاثة، ثم البريليوم، حيث يوجد أربعة، ثم البور خمسة، ثم الفحم ستة، ثم الآزوت سبعة، أكسجين ثمانية، فلور تسعة، نيون عشرة، صوديوم أحد عشر، مغنزيوم اثنا عشر، وهكذا يتدرج حتى يصل إلى معدن اللانثانيوم، حيث له سلسلة خاصة تمتد من رقم 57– 71، أي 57 بروتونا، وبإضافة واحد، ثم واحد تدريجيا حتى نصل إلى معدن له 71 بروتونا. (نحن نذكر البروتون فقط، لأن الوزن لا يتعين فقط كما ذكرنا بالبروتون، بل مجموع البروتونات والنترونات ذات الشحنة الحيادية)، ثم يتدرج أيضا حتى الرقم 89 في عنصر الأكتينيوم، حيث له سلسلة خاصة تمتد من 89– 103، وهذا الترتيب العجيب جعل الكيمياوي الروسي «مندلييف» يكتشف الجدول الدوري للعناصر الموجودة في الطبيعة، وكانت نقطة تحول هامة في فهم العناصر وترتيبها؛ فهي موجودة وفق قانون وليس خبط عشواء كما دحضنا سابقا فكرة الصدفة، فالذرات لمن يراها يتصور مهندسا يرتب الذرات فيضيف إلى السابقة بروتونا جديدا وعددا معينا من النترونات، فإذا هو عنصر جديد له مواصفات جديدة وخواص جديدة، فالهيليوم كما ذكرنا يحتوي على بروتونين، ويأتي بعده الليتيوم وهو عنصر معدني، بينما الأول هو غاز من الغازات الخاملة، بينما الليتيوم يعتبر من المعادن النشيطة، فما الذي حدث؟ إن هذا لا يقول عنه العلم شيئا.
ثم نأتي لنرى كيف تلعب النترونات الدور المهم في إعطاء الوزن الذري لكل عنصر، فنحن كما ذكرنا نجد أن وزن الهيدروجين يأتي من وزن النواة، حيث يوجد فيه بروتون واحد فوزنه الذري واحد، والهيليوم وزنه الذري 4 وليس 2، لأنه يحتوي على بروتونين ونترونين، وأما البريليوم فوزنه الذري 9، لأن فيه بروتونات 4 ونترونات 5، وهاك أمثلة على ذلك: (بور B الوزن 10 P = 5 N = 5P / فحم C= 12 /(6 N + 6P) آزوت N 14 7P + 7N) وهكذا.. إلخ). والعجيب في هذا التصنيف الدوري الذي اكتشفه «مندلييف»، أنه استطاع أن يحدد عناصر لم تكن مكتشفة بعد، لأن ترتيب الجدول الذري يجعل هناك نوعا من القفزات أو الفجوة ما بين عنصر وآخر في الوزن الذري وعدد البروتونات، مما حدا بـ«مندلييف» أن يتنبأ بأن هذا القانون يحتم وجود عناصر جديدة لم تكتشف بعد، وفعلا اكتشفت بعد ذلك وهي الكانديوم والجرمانيوم والفاليوم وتكنيتيوم والأستاتين والفرانسيوم والبروميتوم. وكان هذا دليلا كبيرا على الدقة والروعة في بناء الكون وتدرجه وإحكام عناصره.
بقي علينا بعد أن أخذنا هذه الفكرة المجملة عن تركيب الذرة وعناصرها الأساسية، التي هي البروتون والنترون والإلكترون، وكيف توزع هذه العناصر، كما تعرفنا على الأوزان والشحنة الكهربية وكيف يدور الإلكترون وسرعته، (بقي علينا) أن نعرف كيف تتوزع الإلكترونات في المدار الخارجي الذي يحيط بالنواة؟
كما ذكرنا أن عدد الإلكترونات يجب أن يساوي عدد البروتونات الموجودة في النواة، حتى تتزن الذرة كهربيا وذلك لتعادل الشحنات الكهربية، حيث لا تؤثر النترونات على التوازن الكهربي، باعتبارها حيادية، وإن كانت تؤثر الأخيرة في الوزن الذري للجوهر. إن الإلكترونات لا تتوزع في مدار واحد، بل في عدة مدارات رمز لها بأحرف ك. ل. م. ن. K. L. M. N.، ولقد وجد أن هناك قانونين يحكمان توزع الإلكترونات في المدارات الخارجية، الأول: وهو النظام الثماني، حيث إن الذرة يلزم لاستقرارها الخارجي أن يكون في المدار الأخير ثمانية إلكترونات، فإذا لم يوجد هذا العدد عمدت إما إلى طرح الإلكترونات الخارجية، أو أخذ إلكترونات حتى يكتمل الاتزان الخارجي؛ والمثال على ذلك الفلور وهو غاز، فالنواة فيه 9 بروتونات و10 نترونات فيكون الوزن الذري 19، وفي المدار الخارجي في الطبقة الأولى K يوجد إلكترونان وفي الطبقة الثانية توجد 7 إلكترونات فيكون مجموع الإلكترونات تسعة، وهي تعادل عدد البروتونات الموجودة في النواة، وهكذا يحصل اتزان الذرة من الناحية الكهربية، ولكن كما أسلفنا من ناحية نظام الثماني توجد في المدار الأخير 7 إلكترونات، ولذا فإنها تحتاج إلى إلكترون جديد حتى يتزن العنصر من ناحية التعامل الخارجي، ولذا يأخذ إلكترونا وتصبح شحنة هذا الغاز سلبية، وذلك لأن عدد الإلكترونات أصبح 10، بينما البروتونات تسعة، ولذا رجحت كفة الإلكترونات بواحد، وهكذا أصبحت شحنة هذا الغاز سلبية وبقدر شحنة واحدة، وهكذا تسير الأمور في كل الذرات.
وأما القانون الثاني فهو أن عدد الإلكترونات في كل طبقة من المدارات تتوزع وفق القانون 2ن2 2N2، حيث يرمز N إلى رقم الطبقة، وهكذا نجد أن الطبقة الأولى تحتوي على إلكترونين (2 × 1 2 = 2)، والطبقة الثانية تحتوي على ثمانية إلكترونات (2×2 2 = 8)، والطبقة الثالثة فيها 18 (2 × 3 2 = 18)، والرابعة 32 (2 × 4 2 = 32)، وهكذا يسير هذا القانون الذي يحكم نظام الذرة المدهشة. ولخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس.
نافذة:
عدد الإلكترونات يجب أن يساوي عدد البروتونات الموجودة في النواة حتى تتزن
الذرة كهربيا وذلك لتعادل الشحنات الكهربية