معارك انتصر فيها المغرب لا يعرفها المغاربة
57 سنة على الكواليس السرية لحرب الرمال
يونس جنوحي
قبل ستة قرون من اليوم، خاض المغرب معركة مصيرية لاسترداد مدينة الجديدة حاليا، التي كانت تعرف وقتها بـ «مازاغان»، وسميت المعركة باسم المدينة.
كانت الحرب ضروسا، واستمرت لأسابيع تبادل الجيش المغربي النظامي وقتها القصف مع الجيش البرتغالي.
لا تزال أسوار مدينة الجديدة تحمل آثار تلك الحرب إلى اليوم، وصنفت في موسوعة الحروب كواحدة من أشهر الحروب التي هُزمت فيها دولة أوربية على يد «المجاهدين» الذين يسميهم كتبة التاريخ «القراصنة».
في عهد عبد الله الغالب تحديدا، الذي حكم المغرب ما بين سنوات 1557 و1574، جرت وقائع هذه الحرب لاسترداد المدينة من الاستعمار البرتغالي الذي استمر بها لسنوات، كان خلالها المغرب مجبرا على أداء غرامات مرتفعة للبرتغاليين، لذلك كان الانتصار في حرب «مازاغان» استردادا لكرامة المغرب، ووصلت أخبار الانتصار إلى أقصى الشرق، حتى أن المؤرخين كتبوا عنها واعتبروها انتصارا إسلاميا.
حروب قديمة منقرضة وأخرى لا يزال المُنتصرون فيها، كما المنهزمون، على قيد الحياة، ولا يعرفهم أحد!
حرب الرمال.. «الذكرى» التي أبقت كل شهدائها على قيد الحياة
رغم أن ظاهر الأحداث يقول غير ذلك، إلا أن الملك الراحل الحسن الثاني وهو في السنة الثانية لوصوله إلى الحكم، قال بعد انتهاء حرب الرمال، بحضور الوزير الاستقلالي امحمد بوستة وعلال الفاسي والدكتور الخطيب، إنه لن ينسى، ما دام ملكا، الذين حاربوا في حرب الرمال وبذلوا أرواحهم في سبيل السيادة الترابية للمغرب وضرورة احترام حدوده البرية والبحرية.
في الضفة الأخرى، صاح وزير الدفاع الجزائري الهواري بومدين: «حكرونا.. حكرونا». قاصدا المغرب في إشارة إلى الهزيمة المدوية التي تلقتها الجزائر في المعركة.
في يوم 8 أكتوبر 1963، سجل المغرب مناوشات جزائرية على الحدود، بعد توغل جنود جزائريين، اتضح لاحقا أنهم مرتزقة كانوا مسخرين بأمر من الهواري بومدين وزير الدفاع، وليس بأمر أحمد بن بلة رئيس الجمهورية لكي يتوغلوا في منطقة «حاسي بيضا». النتيجة كانت مقتل 10 جنود جزائريين وإضرام النار في النخيل في محاولة لاستفزاز الثكنة العسكرية التي لم تكن تبعد كثيرا عن المنطقة.
كان بومدين يريد ضم بعض المواقع المغربية إلى الجزائر مستغلا النزاع حول الحدود في الجنوب الشرقي، إلا أن منطقة «حاسي بيضا» كانت من الأماكن التي حسم في شأن انتمائها إلى المغرب، والوصول إليها كان خرقا واضحا للحدود وتعديا على حرمة المملكة.
عندما أصبح الهواري بومدين رئيسا في بداية السبعينيات، تحدث عن حرب الرمال من موقع تزوير التاريخ واعتبر أنها انتصار للجزائر. كان الذين نجوا من الموت فيها يعرفون أن بومدين حاول تزييف الوقائع لأنهم يتذكرون جيدا كيف أنه أوشك على البكاء وهو يردد عبارة «حكرونا» عندما تفقد الأضرار التي تكبدها الجيش الجزائري، أو جزء منه، لأن بومدين اعتمد مرتزقة لا علاقة لهم بالجيش لكي يخوضوا الحرب باسم الجزائر، ضد المغرب.
اعتبر الملك الراحل الحسن الثاني يوم 9 أكتوبر 1963، أن الأمر بات مسألة سيادية وأن الرد يجب أن يكون قويا وسريعا، وبالفعل تم نشر الجنود وإعلان التأهب في الشريط الحدودي، ونظمت غارات برية وبحرية لرد الاعتبار للجيش المغربي. وما هي إلا ساعات حتى أعلن المغرب كسبه للمرحلة الأولى في المعركة.
قام بومدين بنشر مجندين، اتضح بعد احتجازهم أسرى من طرف الجنرال ادريس بن عمر، أنهم ليسوا جنودا مدربين وإنما بدويون منحهم الهواري بومدين السلاح وتلقوا أوامر بالتوجه صوب الحدود المغربية وإطلاق الرصاص على الجيش المغربي.
كانت النتيجة مقتل عدد كبير من هؤلاء المجندين، واحتجز الآلاف كان واضحا من خلال زيهم أنهم لم يكونوا جنودا نظاميين، حتى أن الجنود المغاربة لاحظوا أن الأسرى الجزائريين لم يكونوا يرتدون في أقدامهم سوى نعال البدو، وبذلة شبه موحدة منحت لهم لكي يظهر أنهم جنود في الجيش.
كانت الجزائر أيضا تتوقع مساعدة من الجمهورية المصرية على عهد جمال عبد الناصر، لأن جهاز الطيران المغربي نظم مناورات بالرصاص الحي لحصار المجندين الجزائريين على الحدود ومنع وصول المياه إليهم لإجبارهم على الاستسلام. حدث هذا دون أن يتمكن الجزائريون من الرد على القصف لأن الدولة الجزائرية لم تكن تتوفر نهائيا على طائرات باستثناء «هيلوكوبتر» يتيمة حصل عليها أحمد بن بلة هدية من الاتحاد السوفياتي سنة 1962. وبالفعل جاء طيارون مصريون للاستطلاع قصد دراسة تقديم معونة عسكرية للجزائر ضد المغرب، لكنهم أخطأوا في تقدير الأحداث ونزلوا في المنطقة المغربية واحتجزوا أسرى، وكان من بينهم الطيار حسني مبارك الذي أصبح لاحقا رئيسا لمصر.
انتهت الحرب بإعلان هزيمة الجزائر، رغم أن بومدين في السبعينيات كان يتحدث عن حرب الرمال على اعتبار أنها ملحمة عسكرية حول السيادة ضد المغرب، بينما في الواقع أنها كانت ردعا مغربيا للاستفزاز الجزائري، ولو أراد جهاز الطيران المغربي قصف الجزائر كاملة لما كان الأمر مستحيلا. وهو الأمر الذي عبر عنه الجنرال إدريس بن عمر أكثر من مرة، وتسربت بعض مضامينه إلى الصحافة، من بينها أنه غضب كثيرا عندما أمره الملك الحسن الثاني في الأسبوع الثاني من أكتوبر، بوقف إطلاق النار وسحب القوات المغربية من الحدود بعدما تأكد انهزام الجزائر، وكان الجنرال ومعه بعض الضباط يتمنون التوغل في التراب الجزائري أكثر ردا على تلك الاستفزازات.
انتصارات منسية.. على امتداد قرون
حروب ضد إسبانيا وأخرى ضد البرتغال، بل وحروب ضد الرومانيين وأخرى ضد تركيا على الحدود المغربية الجزائرية، كلها حُسمت لصالح المغرب على امتداد القرون الأخيرة، ولا يعرف المغاربة اليوم عنها أي شيء.
بالكاد ما جُمع في الأرشيف مع موقعة الملوك الثلاثة التي جرت أطوارها نواحي مدينة العرائش، وهناك من يقول إن نفس الحرب جرت في أماكن أخرى تقريبية، إلا أن الروايات الرسمية تؤكد بعض كواليسها المثيرة التي ظلت لقرون مفخرة للمغرب، ويحاول الإسبان والبرتغاليون نسيانها.
مدن مثل العرائش، الجديدة، آسفي والصويرة، كان سكانها يتوارثون عبر الأجيال، ولمدة خمسة قرون تقريبا، حكايات عن السفن التي تقصف المدينة ليلا، ويحاول بحارتها وجنودها دخول هذه المدن واستعمارها والسيطرة على موانئها، فتتجند الدولة المغربية، خصوصا في عهد العلويين، لكي تؤدب جيوش أوربا وتجبرهم على الانسحاب.
بين «الجهاد البحري» أو «القرصنة» تأرجحت حكايات هؤلاء الذين انتصروا باسم المغرب في معارك كان دويها مسموعا في المنطقة، خصوصا في زمن كانت فيه الدول تتسابق على فرض السيادة على الاستيراد والتصدير، وبناء الاقتصاد.
في ظرف خمسة قرون، وقعت أزيد من 600 معركة، وهو رقم كبير بطبيعة الحال، دون احتساب المناوشات غير المعلنة أو التي سقطت سهوا من التوثيق التاريخي. اختلفت نتائج تلك المواجهات بين انتصارات كبيرة للمغرب وتعادل صامت ضد إسبانيا على وجه الخصوص، أجبر خلالها البلدان على توقيع اتفاقيات لسنوات، قبل أن تعود الأمور إلى طبيعتها، وهي الترقب.
معارك كثيرة ربحها المغرب، لا نكاد نعرف عنها أي شيء، باستثناء المعارك والحروب المعروفة في التاريخ، والتي استنبطت كل كواليسها من الأرشيف الرسمي.
حروب المولى سليمان.. معارك بحرية على واجهتين استمرت لعشرين سنة انتصر فيها المغرب منذ 1798
في سنة 1856، نجح البريطانيون بمشقة الأنفس في إقناع السلطان المغربي المولى عبد الرحمن بن هشام بإيقاف «الجهاد البحري» وتوقيع اتفاقية مع الأوربيين للسماح لهم بالمرور من السواحل المغربية دون أن تفرض عليهم القبائل المغربية ضرائب مقابل مرورهم. وكان هذا بعد وفاة السلطان المغربي المولى سليمان بن محمد الذي انتهى عهده سنة 1822، وخلفه ابن أخيه لكي يواصل سياسة إغلاق الحدود المغربية البحرية كاملة في وجه الأجانب، وهو الإنجاز المغربي الذي جاء نتيجة حروب ضارية انتصر فيها المغرب بالتتابع، ولم يتمكن الأوربيون من إقناع المغرب بإعادة فتح الحدود إلا عن طريق الدبلوماسية والمراسلات الودية.
كان السياسي البريطاني «السير جون دريموند هاي»، الذي تعرف على المولى سليمان عن قرب وحاول كسب وده، يسابق الزمن لإبرام الاتفاق بعد أن فشل الأسطول الفرنسي ثم الإسباني وأيضا البرتغالي في «تأديب» القبائل التي كانت تهاجم السفن التجارية الأوربية العابرة من وإلى أوربا.
لكن ما لم يتم تسليط الضوء عليه تاريخيا، هو دور القبائل في منطقة الناظور والحسيمة، في الجهاد البحري.
فقد كانت هذه القبائل خلال عهد المولى سليمان تؤمن السيادة المغربية على المنطقة وتفرض على كل السفن العابرة أداء ضرائب لصالح تلك القبائل، ويتم محاصرة كل السفن التي تأبى التوقف للتفتيش، ويتم سلب حمولاتها وأسر رهائن منها، وفي بعض الحالات تم إغراق سفن أجنبية، حتى أن بارجة أمريكية كانت قادمة من مصر، في سنة 1798، على عهد المولى سليمان دائما، تم إيقافها في عرض مياه البحر المتوسط، ورغم أنها كانت مزودة بالمدافع إلا أن المغاربة هاجموها ليلا، وتمكنوا فعلا من السيطرة على طاقمها. وكرد من الأوربيين على العملية، حاولت سفن فرنسية نسف الساحل الذي كانت تتوقف فيه سفن من كانوا يسمونهم «القراصنة» المغاربة، فكان الرد عنيفا، وتم إغراق، حسب ما ذكره «جون دريموند» سبع سفن فرنسية كانت كلها مزودة بالمدافع الثقيلة، حيث ثم قصفها ليلا في وقت كانت الرؤية تصعب على الفرنسيين الذين لم يكن لديهم أي دراية بتلك السواحل، قبل أن تتحرك سفن الجهاد البحري لمصادرة ما تبقى من الزوارق التي قام الفرنسيون عبرها بإنزال عسكري لتأديب تلك القبائل.
في عهد المولى سليمان، تجنب المغرب حربا ضد الأمريكيين بسبب مساندة سفن مغربية لليبيا ضد اعتداء عسكري أمريكي، وكان المولى سليمان قد تفاهم مع الأمريكيين ووعدهم بتأمين مرور سفنهم من المياه المغربية. لكن الأوربيين كانوا استثناء من ذلك الاتفاق، وظلت تلك الحرب ضدهم مستمرة لأزيد من عشرين سنة انتصر خلالها المغرب انتصارات مبهرة، حتى أن التاريخ الرسمي الفرنسي والبرتغالي عرّج على كثير منها، ولا يزال الأرشيف الرسمي المغربي، خصوصا في الخزانة الملكية المغربية بالرباط، يتضمن وثائق مراسلات أصلية تؤكد انهزام أساطيل عسكرية بحرية أوربية أمام السواحل المغربية ومطالبتهم بالهدنة مع المغرب وهو ما لم يتم إلا في سنة 1856، سنوات طويلة بعد وفاة المولى سليمان.
المثير في قضية هذه المعارك المتفرقة التي سميت في التاريخ «معارك المولى سليمان» في الجهاد البحري، أنها أصبحت منسية تماما، ولم تتطرق لها الكتابات التاريخية، باستثناء الترجمة الأكاديمية لمصدر بريطاني مهم، وهو «العلاقات المغربية البريطانية منذ السعديين إلى القرن الثامن عشر»، وهو الذي تطرق لهذه الفترة التي عرف فيها الجيش المغربي ازدهارا كبيرا تحالف فيه مع مقاتلين محليين مغاربة، دافعوا عن الحدود الإقليمية المغربية في المياه الدولية قبل أن تُبرم الاتفاقيات التي نظمت الحركة الملاحية عبر العالم.
«مازاغان».. المعركة التي أعادت للمغرب هيبته وطردت البرتغال من الجديدة
قبل ستة قرون من اليوم، خاض المغرب معركة مصيرية لاسترداد مدينة الجديدة حاليا، التي كانت تعرف وقتها بـ «مازاغان»، وسميت المعركة باسم المدينة.
كانت الحرب ضروسا، واستمرت لأسابيع تبادل الجيش المغربي النظامي وقتها القصف مع الجيش البرتغالي.
لا تزال أسوار مدينة الجديدة تحمل آثار تلك الحرب إلى اليوم، وصنفت في موسوعة الحروب كواحدة من أشهر الحروب التي هُزمت فيها دولة أوربية على يد «المجاهدين» الذين يسميهم كتبة التاريخ «القراصنة».
في عهد عبد الله الغالب تحديدا، الذي حكم المغرب ما بين سنوات 1557 و1574، جرت وقائع هذه الحرب لاسترداد المدينة من الاستعمار البرتغالي الذي استمر بها لسنوات، كان خلالها المغرب مجبرا على أداء غرامات مرتفعة للبرتغاليين، لذلك كان الانتصار في حرب «مازاغان» استردادا لكرامة المغرب، ووصلت أخبار الانتصار إلى أقصى الشرق، حتى أن المؤرخين كتبوا عنها واعتبروها انتصارا إسلاميا.
وحسب ما رواه المؤرخ البريطاني «جوناثان هانثر» الذي كان ما بين سنوات 1964 و1980، مهتما بتاريخ حروب ضفتي المحيط الأطلسي وألف عنها كتابه «تاريخ المحيط المنسي»، فإن معركة «مازاغان» التي انتصر فيها المغرب استمرت لأسابيع طويلة وانتصر فيها المغرب على مراحل، انتهت بالانسحاب النهائي للبرتغاليين بعد أن تركوا وراءهم سفنا مخربة ومؤنا محروقة عن آخرها، ولم يحدث الانسحاب إلا بعد أن تأكد قادة جيش الملك البرتغالي من أنه يستحيل التقدم عسكريا على مستوى سور المدينة. ومما وصف به هذا الباحث تلك الحرب حسب ما توفر لديه في وثائق الأرشيف: «انتصار قوات الملك المغربي عبد الله السعدي الذي حاز لقب «الغالب»، كان تشريفا دينيا، واعتبر معجزة في تلك الفترة بحكم أن الجيش البرتغالي كان متقدما جدا مقارنة مع نظيره المغربي. نتحدث هنا عن أزيد من خمسة آلاف سفينة حديثة بمعايير ذلك الوقت، كانت مزودة بمدافع قوية لم يكن يتوفر عليها المغرب.
كان البرتغاليون يسيطرون على المدينة ويطوقون مداخلها ومخارجها لسنوات ويستغلون ميناءها لاستيراد السلع من إفريقيا وتصديرها صوب البرتغال دون أن يدفعوا لخزينة الدولة المغربية. ونشأت عداوة كبيرة بين البلدين لهذا السبب، تم استثمارها على مستوى الجيش المغربي الذي كان يتكون من مجاهدين وليس من جنود يتلقون أجورا في آخر الشهر وحسب. كانت معركة استرجاع المدينة في عهد السعديين، حيث كانت الدولة المغربية وقتها تسطير على تجارة السكر وتقيم علاقات وطيدة جدا مع بريطانيا، مصيرية لأنها تهدد مستقبل الدولة.
استمر التحضير للمعركة من الجانب المغربي على مستوى الأرض، وأيضا على مستوى البحر، حيث برزت قوات السعديين قادمة من تارودانت في اتجاه «مازاغان»، بينما قوات أخرى تحركت بحرا. أسطول مكون من مئات السفن المغربية رجالها يحملون سيوفهم وعلى استعداد للانقضاض على سفن البرتغاليين التي كانت ترسو بهدوء فوق مياه «مازاغان». اختلف المؤرخون في تحديد مدة المعركة، إلا أنها كانت تتجاوز الثلاثة أسابيع».
هناك من تحدث عن حصار للبرتغاليين استمر لأشهر، لكن الرواية التاريخية الأقوى من حيث المصادر، تؤكد أن المغرب استغل الطقس الممطر، وطوق الجديدة ومنع البرتغاليين من الوصول إلى المياه ومن التزود بالدعم من البرتغال، واستمرت المواجهات قبل أن يعلن البرتغاليون استسلامهم وانسحابهم النهائي من «مازاغان» بعد أن تم تدمير مينائها بالكامل بسبب القصف.
فور انتصار المغرب، تلقى الملك السعدي أولى التهاني من الليبيين، الذين أرسلوا إليه الهدايا مهنئين على الفتح الإسلامي الذي اعتبروه انتصارا لكل المسلمين. بينما كانت بريطانيا من أولى الدول التي دعت المغرب إلى التهدئة.
اشتهرت مرحلة حكم عبد الله الغالب، بإطلاقه إصلاحات كبيرة لمدينة «مازاغان» على مستوى سورها وأيضا على مستوى مينائها التاريخي الذي كان الوحيد تقريبا في المنطقة. واستغرق الأمر خمس سنوات تقريبا لكي يحاول البرتغاليون فتح باب الحوار مع المغرب لتوقيع اتفاقية للسماح للسفن البرتغالية بالعبور صوب الدول الإفريقية من الحدود مع «مازاغان»..
مارس 1903.. معركة منسية أجبرت فرنسا على الانسحاب من فكيك
يوم 9 يونيو 1903 كان يوما تاريخيا في منطقة «فكيك». إذ أن المدينة التي كانت تتكون من قصور طينية تقطنها الأسر المحلية منذ قرون، تعرضت مباشرة بعد صلاة الصبح لقصف عنيف وغير مسبوق.
كان هذا الرد العسكري الفرنسي، على انتصار مغربي على القوات الفرنسية، حيث كانوا يآزرون القبائل الجزائرية في حربها ضد الاستعمار.
ولولا لجوء الجيش الفرنسي إلى القصف بالطائرات، لما تمكنوا من هزيمة المغاربة الذين أعلنوا دفاعهم عن المغرب ضد خطة وضع الحدود التي قادها جنرالات فرنسا في ذلك التاريخ.
كانت منطقة فكيك تحتوي على عدد من الأضرحة، وكان الفرنسيون يرمون إلى توسيع الهوة بين المغرب والجزائر من خلال وضع الحدود لتحول بين القبائل التي تربطها مصاهرات تعود لمئات السنين. ولا تزال إلى اليوم قبائل في الجزائر تعتبر نفسها مغربية، وطالبت منذ سبعينيات القرن الماضي في عز حرب الصحراء ضد البوليساريو، بالسماح لهم بزيارة الزوايا لإحياء تقاليد الطرق الصوفية معلنين أنهم مغاربة رغم أن تلك القبائل تقع في منطقة الحدود الجزائرية التي رسمتها فرنسا.
بالعودة إلى سنة 1903، فقد كان الجيش الفرنسي على الحدود على موعد مع معركة عنيفة قادتها القبائل المغربية باستعمال البنادق المحلية، لكن نتيجتها حسمت لصالح المغرب بحكم أن الهجوم كان كبيرا ومباغتا، ولم تملك القوات الفرنسية إلا الانسحاب.
سبب المعركة، أن بعض وحدات الجيش الفرنسي استفزت سكان منطقة فكيك من خلال بعض الأبحاث التي كانت تجريها للتنقيب عن المناجم لاستخراج الحديد.
كانت لتلك العمليات عواقب وخيمة، ولم يتم التأكد من خطورة الأمر إلا في سنة 1950، أي بعد نصف قرن على تلك المعركة التاريخية المنسية. إذ اكتشف الفرنسيون أن المنطقة تعرف وجود احتياطي مهم من المعادن، وتدخلوا لترسيم الحدود بطريقة عشوائية بعد إهمالها طيلة تلك السنوات ظنا منهم أنها منطقة جرداء فقط.
عندما بدأت أولى عمليات التنقيب، اتحدت القبائل المحيطة بـ «فكيك» والتي كانت تناصر السلطان المغربي المولى الحسن الأول ثم أبنائه من بعده، ولم تكن مثل القبائل التي تمردت على سلطة المخزن، وقررت أن ترد على التهديد الفرنسي، خصوصا وأن الأخبار القادمة من الجزائر كانت تؤكد أن فرنسا تنوي الهجوم عسكريا على المغرب من منطقة وجدة لضمه واستعماره تماما كما فعلت مع الجارة الجزائر.
ورغم أن اتفاق «لالة مغنية» كان يكبل المغرب، إلا أن قبائل «فكيك» شنت الغارة ليلا، في منتصف مارس من سنة 1903، واستمر الهجوم على وحدات الجيش الفرنسي لساعات سقط خلالها آلاف الجرحى في صفوفه، وتمت مصادرة مخازن الذخيرة التي نقلت على ظهور البغال إلى القصور الطينية التاريخية والقصبات التي تزخر بها المنطقة.
فشل الفرنسيون في استعادة السيطرة على الوضع، فقد هاجم آلاف الملثمين المغاربة فوق خيولهم الثكنات العسكرية التي كانت تنتصب وسط الصحراء، وتم تنكيس الأعلام الفرنسية.
مع مطلع الفجر، بدأ الفرنسيون في إحصاء الجرحى والقتلى، واعتبرت المعركة تأديبا كبيرا للجيش الفرنسي الذي أعلن يومها سحب وحدات كثيرة من قواته في اتجاه الجزائر، في وقت كانت خلاله القيادة الفرنسية تدرس طريقة مناسبة للرد عبر القصف بالطائرات. لكن المغاربة وقتها كانوا يعيشون حالة فرح عارم بفضل الانتصار الكبير الذي أحرزوه ضد الجيش الفرنسي على الحدود، وتحدث عنه باحثون وصحافيون فرنسيون متخصصون في تاريخ الحروب الاستعمارية الفرنسية في المغرب، وأبرزهم «غوستاف بابين» الذي قال عن تلك المعركة إنها كانت أكبر إهانة للجيش الفرنسي في المنطقة قبل حروب 1914.
مواجهة 1984 في الصحراء.. عندما خسر البوليساريو 100 دبابة
في يناير 1984، كانت السفارة الأمريكية في الرباط تحاول الوصول إلى حقيقة الترتيبات التي يجريها المغرب في الصحراء المغربية. كانت المعلومات المتوفرة تؤكد أن عناصر البوليساريو حصلوا على أسلحة من الجزائريين ينوون استعمالها في غارات على الحدود.
أسقطت البوليساريو طائرة بلجيكية، خلال نفس السنة، وهو ما جعل بلجيكا تساند المغرب عبر بلاغ رسمي، ونفس الأمر وقع للألمان، عندما سقطت طائرة تقل ثلاثة علماء ألمان كانوا في طريقهم نحو القطب الجنوبي لإجراء أبحاث علمية هناك، لكن المدافع التي حصلت عليها البوليساريو من الجزائر، استعملت لإسقاط الطائرة، وهو ما جعل ألمانيا تُدين الحادث بشدة. كانت الطائرة قد أقلعت من السنغال، في اتجاه جزر الكناري، قبل أن تستكمل رحلتها جنوبا، في إطار البحث العلمي، قبل أن يباغتها مقاتلو البوليساريو قبل وصولها إلى الجزر لكي يتم إسقاطها في عرض الصحراء ولم يتم تسجيل ناجين، بعد أن فُجرت الطائرة في عرض السماء.
بعد وفاة الجنرال الدليمي سنة 1983، أعاد الملك الراحل الحسن الثاني ترتيب عدد من القيادات في منطقة الصحراء، التي كان يريدها الجنرال السابق، ونزل الملك الراحل بنفسه إلى الميدان.
أمام التهديد الجديد الذي بات يمثله حصول البوليساريو على قذائف مضادة للطائرات، والتي بالمناسبة لم تطل أي طائرة عسكرية مقاتلة، وإنما استعملها المقاتلون لإسقاط طائرات أجنبية عابرة فوق الصحراء المغربية في اتجاه دول أخرى، وتسببوا في صدور تنديد دولي كبير بالموضوع، أصبح المغرب مطالبا بعملية عسكرية واسعة في الجنوب، وهو ما تم دائما سنة 1984.
حصل المغرب على دعم من المملكة العربية السعودية، وفق القصاصات الرسمية في مارس من تلك السنة، بالإضافة إلى معونات أمريكية، بحكم أن المغرب وقتها أنفق على الحرب منذ منتصف السبعينيات.
قام مقاتلو البوليساريو أولا باستفزاز الجيش المغربي في منطقة «الزاك»، حيث كانت المعدات الثقيلة لقوات الجيش الملكي لا تبعد عن مكان الاعتداء إلا بكيلومترات قليلة.
لم يسفر الهجوم عن خسائر مادية في المعدات، لكن القوات المغربية كانت مطالبة بالرد وإيقاف تلك الاستفزازات التي استعملت فيها قاذفات بالإضافة إلى قيام مقاتلي البوليساريو بعمليات اقتحام لأراضي قريبة من المعسكرات.
جاء الرد المغربي عنيفا، خصوصا وأن المنتظم الدولي كان يساند المغرب معنويا، بحكم الاعتداء الذي عرفته طائرات أجنبية عند مرورها من تلك المنطقة.
استغرقت الحرب ساعات فقط، وكانت الحصيلة ثقيلة. لم يسجل المغرب أي خسائر تذكر، بينما كان البوليساريو قد خسروا 100 مقاتلة عسكرية حصلوا عليها من الجزائر وليبيا في وقت سابق، بالإضافة إلى صناديق من الذخيرة. وتمت مصادرة قاذفتين للطائرات، بعد نجاح القوات المغربية في تطويق منطقة زرع القاذفات، وأصبح انتصار 1984 درسا قويا لمقاتلي البوليساريو والنظام الجزائري الذي دعمهم كثيرا في تلك الحرب.
عرفت سنوات الثمانينيات بنوع من الهدوء النسبي في الحرب، لكن معركة 1984، كانت مصيرية لإيقاف الاستفزازات على الحدود والعمليات التي جعلت منطقة العبور غير آمنة للطائرات.