يونس جنوحي
من المؤسف حقا أن يكون هناك اهتمام بالسياح الأجانب أكثر من السياح المغاربة الذين يختارون قضاء العطلة وسط بلدهم والتعرف على المدن المغربية. إذ إن بعض الفنادق تفضل الأجانب على أبناء البلد، وهناك شكايات كثيرة يسجلها يوميا السياح المغاربة في صفحات الفنادق المصنفة ومجموعات الإرشاد السياحي المحلية. هذه الشكايات مفادها أن هناك اهتماما بالأجانب على حساب المغاربة، على اعتبار أن السياح الأجانب يجلبون العملة الصعبة ويدفعون «بسخاء». رغم أن هذه النقطة الأخيرة بالذات مجرد إشاعة. إذ إن عهد سياحة «الرفاهية» يوشك أن ينتهي تماما، لتترك مكانها لسياحة تكافؤ الفرص، حيث تستطيع اليوم أن تجد سياحا من كل الجنسيات في الفنادق غير المصنفة نهائيا. بل هناك سياح أجانب يلجؤون إلى منافسة المغاربة على كراء الشقق العادية بدل التوجه إلى الفنادق التي تضع برامج ترفيهية لاستقطاب السياح.
عندما كانت الحدود مغلقة في وجه السياحة الدولية، لجأ المستثمرون في القطاع إلى السائح المحلي وفتحوا دعوات لإنعاش القطاع وطلبوا من المغاربة التعرف على بلدهم أولا، لكن هؤلاء الناس سرعان ما تخلوا عن أبناء البلد بمجرد دخول الأجانب على الخط.
بل إن بعض المطاعم تعامل المحليين بازدراء، وهناك شكايات في الموضوع يمكن لأبسط مسؤول في وزارة السياحة الاطلاع عليها بسهولة، حيث يوثقها أصحابها بالساعة والدقيقة على صفحات هذه المطاعم المصنفة «يا حسرة». والمشترك بين هذه الشكايات أن أصحابها يشتكون من الميز العنصري، إذ إن العاملين في تلك المطاعم يتركون السائح المحلي ينتظر مدة طويلة مراهنين على استسلامه في الأخير لكي يغادر ويترك مكانه لسائح أجنبي، مهما كانت جنسيته.
الأمر نفسه ينطبق على المرشدين السياحيين في المدن التاريخية، خصوصا منهم العشوائيين الذين لا تعترف بهم الوزارة، والذين يفضلون تضليل الأجانب وليس إرشادهم، ويتجاهلون السياح المغاربة المحليين.
اهتمام المغاربة باكتشاف بلادهم يجب أن يُقابل باهتمام. آلاف السياح المغاربة الذين يمكن أن تصادفهم بسهولة هذه الأيام خارج المغرب، لا يعرفون أي شيء عن بلادهم، بالإضافة إلى أن أغلب المهاجرين المغاربة الذين يزورون المغرب صيفا، يقضون العطلة مع عائلاتهم أو متنقلين بين الإدارات والمحاكم لقضاء شؤونهم الخاصة، وقلة منهم فقط يتوفرون على الوقت لكي ينخرطوا في برامج سياحية لاستكشاف بلدهم.
هذه الممارسات التي تُسجل يوميا ضد السائح المحلي من شأنها أن تُجهز على محاولات إنعاش القطاع السياحي وتعويض الأضرار الجسيمة التي تسببت فيها الجائحة طيلة المواسم الثلاثة السابقة، إذ كان الرهان على المغاربة لكي يُنعشوا الفنادق والمطاعم في عز الأزمة، بل نُظمت حملات وطنية للتضامن مع العاملين في الفنادق والمقاهي عندما كانت الحكومة تقوم بإغلاق هذه الأماكن في عز الصيف مع تمام التاسعة ليلا.
والمثير للسخرية فعلا أن بعض الأدلة السياحية التي توزعها الفنادق المصنفة أو تضعها رهن إشارة السياح، لا تخاطب المغاربة نهائيا رغم أنهم يشكلون الآن نسبة مهمة من الزبائن، وتتجه نحو الأجانب الذين يختار أغلبهم الشروط الدنيا للرفاهية ويفضلون أن يعيشوا وسط المغاربة بدل أن يطلوا عليهم من الأعلى. فقد فطن المتخصصون في اقتصاد الترفيه إلى أن عهد «اللوكس» انتهى منذ تراجع أفلام جيمس بوند التي تصور المغرب على أنه أراض قاحلة تتجول فيها الجمال وتتعطل فيها السيارات وسط الخلاء. السياح حول العالم يعرفون جيدا الوجهات التي يختارونها ويحلون في المغرب بعد أن قرأوا عشرات التجارب لمن سبقوهم إلى زيارة البلد، ولن تُفاجؤوا إذا كنتم تتجولون يوما في شوارع مدينة مثل الصويرة أو تارودانت، بأن يوقفكم سائح من أستراليا يسأل عن مكان محل صغير خلف الزقاق يبيع وجبة مغربية بسيطة، تاركا خلفه صفا طويلا من الفنادق التي يُعادل سعر الليلة داخلها أجرة موظف بسيط مع مكافأة العيد والشهر الثالث عشر.