معادلة الماء والاستثمار
افتتح الملك محمد السادس العمل السنوي للبرلمان، بخارطة طريق للاستثمار والماء. قد يبدو للوهلة الأولى أن الموضوعين متباعدان ولا يربط بينهما أي رابط، والحقيقة أن هناك تقاطعات جوهرية بين الماء والاستثمار، فالموضوعان ينتميان أولا إلى المجال الاستراتيجي الذي يتجاوز الزمن السياسي الانتخابي. لذلك طالب الخطاب الملكي بإخراج البحث عن بدائل لتأمين الأمن المائي من دائرة التجاذب السياسي، واللعب بموضوع الماء كورقة للتجييش السياسي والاجتماعي، وفي مقابل ذلك ربط الخطاب بين الاستثمار ومستقبل البلاد، في مجال التنمية. وحينما يربط ملك البلاد قطاع الاستثمار بمصير تقدم البلاد، فذلك ليس من باب المبالغة، فخطابات جلالة الملك تختار مفرداتها بعناية فائقة.
ويكمن التقاطع الثاني في كون الماء والاستثمار هما وجهان للعملة نفسها، فالماء يعني الاستقرار الاجتماعي، والاستثمار يعني الحفاظ على السيادة الوطنية، واستقلالية القرار المالي والاقتصادي، وهما الركيزتان الأساسيتان لبناء هيكل الدولة، وضمان استمرارها وتطورها وازدهارها اقتصاديا واجتماعيا وحضاريا. فحينما يغيب السلم الاجتماعي والاستقرار الداخلي، بسبب عجز السياسات العمومية المائية واتساع رقعة العطش، فالمحصلة هي هروب فرص الاستثمار عن بلادنا، لتبحث لها عن بيئة أخرى مناسبة.
أما التقاطع الثالث بين الماء والاستثمار كمجالين حيويين، فيكمن في أنه لا يمكن تناول «مسألة المياه» من وجهة نظر تقنية بحتة، وفي المقابل لا يجب التعامل مع الاستثمار كأرقام ونسب. إن إدارة المياه وتجويد مناخ الاستثمار هما شأنان اجتماعيان وسياسيان واقتصاديان، من المفروض أن تحكمهما رؤى واختيارات وقرارات وخطط متكاملة. فعندما تتكرر انقطاعات المياه في عدة مناطق، فلا يمكن أن نفكر في تحسين الاستثمار وتجويد مناخ عمله، ببساطة لأن عددا من الأنشطة الاستثمارية إن لم نقل كل الأنشطة (الفلاحة، النسيج، الفوسفاط…) يتوقف عملها على توفر كميات كبيرة من المياه، من أجل الاستمرار في الإنتاج.
خلاصة الخطاب الملكي الموجه إلى البرلمانيين، بمناسبة الدخول السياسي، أنه يريد أن يوصل رسالة إلى كل مسؤولي الدولة الذين حضروا جلسة الافتتاح، أن لا تنمية اقتصادية يمكن تحقيقها في غياب الماء، عصب القطاعات الإنتاجية.
ولا طريق إلى النهوض الاقتصادي للدولة وبقاء مصيرها بيدها دون أمن مائي وبيئة استثمارية آمنة، التي تبقى المدخل الأوحد لخلق فرص الشغل، وتحقيق النمو والعدالة الاجتماعية.