مطالب بالتحقيق في صفقات مشبوهة بالملايير داخل وزارة الصحة
أكدت مصادر مطلعة، أن طريقة تدبير صفقات بالملايير أثارت أزمة داخل وزارة الصحة، وكانت من بين أسباب «سوء الفهم الكبير» بين الوزير، خالد آيت الطالب، ومدير مديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض، محمد اليوبي، وكان آخرها صفقة اقتناء أجهزة الكشف السريع عن فيروس كورونا، وهي الصفقة التي فازت بها شركة بمبلغ يفوق 20 مليار سنتيم، بعدما فازت بصفقة مماثلة بالمبلغ نفسه.
اجتماع طارئ بمجلس النواب
وصلت تداعيات الضجة التي أثارتها هذه الصفقة الضخمة إلى قبة البرلمان، حيث توصلت رئيسة لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب بطلبات من الفرق البرلمانية، لعقد اجتماع طارئ للجنة بحضور وزير الصحة، لتقديم توضيحات حول طبيعة الصفقات التي تم إبرامها بقطاع الصحة في ظل جائحة كورونا. كما وجه النائب البرلماني عن التقدم والاشتراكية، رشيد حموني، سؤالا كتابيا إلى رئيس الحكومة، حول محاولة تمرير صفقات ضخمة في وزارة الصحة دون أن تكون لها صلة مباشرة بجائحة كوفيد 19، مشيرا إلى أنه تقرر، في وقت سابق، إبرام صفقات تدبيرها دون التقيد بقواعد مرسوم الصفقات العمومية، في ظل حالة الاستعجال المتصلة بتدبير الحكومة لتداعيات الجائحة، وتمكين المستشفيات العمومية من وسائل التصدي لها.
وعبر حموني عن تفهمه لعدم إخضاع توريدات الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية التي تدخل في الوقاية من وباء كوفيد 19 ومعالجة المصابين به لمرسوم الصفقات العمومية بشكل استثنائي، وتساءل عن مبررات تمرير صفقات أخرى في ظل هذه الظرفية الاستثنائية، دون دراسة جدواها أو التدقيق في الشركات التي رست عليها، أو الرجوع لقواعد المنافسة العادية، وطالب بالكشف عن طبيعة هذه الصفقات، وفتح تحقيق في الموضوع، وكذلك التدابير المتخذة في حالة تبذير المال العام، والتجاوزات، من تحديد المسؤوليات وتفعيل لآليات المحاسبة، حرصا على حماية المال العام.
وأثارت صفقة بمبلغ يفوق 20 مليار سنتيم، لاقتناء أجهزة تستعمل في إجراء التحاليل المصلية، ضجة كبيرة داخل وزارة الصحة، لكون هذه الأخيرة لا تحتاج هذه الأجهزة حاليا، وتتمثل تقنية التحاليل المصلية في البحث عن نوعين من الأجسام المضادة لفيروس «كوفيد -19» (مضادات الجلوبولين المناعي IGM ومضادات الجلوبولينIGG)، يتم الإعلان عن نتائج هذه الاختبارات في 15 دقيقة، في حالة وجود نتيجة إيجابية، يخضع المرضى بعد ذلك لاختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل، وتسمى تحليلات «PCR»، والتي تتطلب فترة من 3 إلى 5 ساعات، وذلك عبر اختبار قياس الحمولة الفيروسية للتأكد من تشخيص الإصابة بفيروس (كوفيد-19)، ويقوم هذا التشخيص على الكشف النوعي لـ«حمض الريبونوكليك» لفيروس «كورونا» المستجد، من خلال تقنية مخبرية تمكن من كشف حضور الفيروس داخل الجسم باللجوء إلى تقنيات التضخيم الجزيئي.
ويعتمد المغرب تقنية PCR في الكشف عن وجود فيروس كوفيد-19، ويعد من أدق التحاليل التي تساهم بشكل كبير في الكشف عن الإصابة بفيروس كوفيد-19، وتعتبر هذه التقنية المرجع على المستوى الدولي في هذا المجال، حيث ترصد وجود الفيروس بحد ذاته، على عكس التحاليل المصلية التي تبحث عن وجود المضادات المناعية أو الأجسام المضادة في الدم، ولهذا فإن تحليل PCR الذي يعتمده المغرب حاليا يعد أكثر موثوقية من التحليل المصلي، لكون هذا الأخير يكشف عن وجود مضادات الأجسام ولا يكشف عن وجود الفيروس، وأكدت المصادر أن هذه التحاليل تستعمل لاختبار المناعة وليس للكشف عن الفيروس.
فضائح فساد تلغي طلبات العروض
تفجرت العديد من فضائح الفساد التي شابت العديد من الصفقات بوزارة الصحة، وسبق للوزير آيت الطالب أن وجه رسالة إلى رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، قبل ظهور وباء كورونا بالمغرب، طلب من خلالها التخلي نهائيا عن طلبات العروض لاقتناء الأدوية والمستلزمات الطبية، والتي تكلف الملايير سنويا، والاكتفاء بصفقات تفاوضية مباشرة مع الشركات، ما جعل العديد من الشركات الوطنية تعبر عن تخوفها من تكريس الوضع القائم بالوزارة، من خلال احتكار شركات معروفة لأغلب الصفقات، وبرر آيت الطالب طلبه بـ«الأهمية الخاصة التي توليها وزارة الصحة للأدوية والمستلزمات الطبية الحيوية، بالنظر لخصوصياتها، وارتباطها الوثيق بصحة المواطنات والمواطنين، مما يقتضي ضمان توفيرها بكمية تضمن الاستجابة الفورية للحاجيات المستعجلة لهذه الأدوية في الظروف غير المتوقعة».
وأضاف الوزير، في رسالته،«وبالرغم من المجهودات التي تبذلها الوزارة في توفير الأدوية والمستلزمات الطبية عن طريق إبرام صفقات عمومية، فإن الواقع يثبت بأن خضوع عملية اقتناء بعض الأدوية والمستلزمات الطبية للمساطر المتعلقة بإبرام الصفقات العمومية يحول دون توفيرها في أوقات الحاجة الملحة إليها».
وأشار الوزير إلى أن الظروف غير المتوقعة الناتجة عن الانتشار الوبائي لبعض الأمراض، والخصوصيات المرتبطة ببعض الأدوية والمستلزمات الطبية المستوردة من الخارج وغير المتوفرة بالسوق المغربية تتطلب تعاملا خاصا لا يتلاءم مع الإجراءات والمساطر التي تتطلبها الصفقات العمومية، كما أن العديد من طلبات العروض التي تعلن عنها الوزارة لا يتم تقديم أي عرضبشأنها لاعتبارات تتعلق بالثمن أو تتعلق بالرغبة في إدراج أدوية ومستلزمات طبية أخرى ضمن موضوع الصفقة، فضلا عن وجود أدوية ومستلزمات طبية يسجل غياب المنافسة بشأنها بالنظر للاختصاص الحصري لبعض الشركات في تسويقها.
وأكد الوزير أن هذه الوضعية تترتب عنها عدة إكراهات، تتمثل أساسا في عدم قدرة الوزارة على توفير بعض الأدوية والمستلزمات الطبية في الأوقات المناسبة، والتوصل بالأدوية والمستلزمات الطبية بعد فوات الحاجة الملحة إليها، ونفاد المخزون وصعوبة تدبير حالات الانقطاع في السوق الوطنية، وكذلك تسجيل صعوبات في التخزين، وانتهاء مدة صلاحية الأدوية التي يتم اقتناؤها. وأوضح الوزير أنه، لتجاوز النتائج السلبية لهذه الإكراهات على صحة الفئات المستهدفة وعلى المال العام، اعتبارا للخسائر المالية الكبيرة التي تتكبدها الوزارة في هذا المجال، فقد أعدت الوزارة لائحة أولية بشأن الأدوية والمستلزمات الطبية التي ينبغي عدم إخضاعها للإجراءات والمساطر المتبعة في الصفقات العمومية، وذلك بغية تمكين الوزارة من اقتناء الحاجيات الحقيقية من هذه الأدوية والمستلزمات الطبية في أوقات الحاجة إليها.
والتمس وزير الصحة من رئيس الحكومة، إعطاء تعليماته إلى وزارة الاقتصاد والمالية قصد الموافقة على الاقتراح المرفوع إليها من طرف وزارة الصحة بشأن إدراج اقتناء الأدوية والمستلزمات الطبية ضمن لائحة الأعمال التي يمكن أن تكون موضوع عقود أو اتفاقات خاضعة للقانون العادي، دون تطبيق مسطرة طلبات العروض لتفويت الصفقات المتعلقة بها. وأحال رئيس الحكومة رسالة وزير الصحة على الأمانة العامة للحكومة، من أجل استطلاع رأي اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية بشأن الملتمس الذي تتضمنه الرسالة، والإفادة بما ستتوصل إليه من استنتاجات مع الأخذ بعين الاعتبار صبغة الاستعجال التي يكتسيها الموضوع.