حسن البصري
انضاف المغرب إلى الدول التي رفضت أن يكون المدرب وحيد خاليلوزيتش على رأس طاقمها التقني في مونديال قطر، وانضمت إلى بلدين صادرا حلم الرجل بحضور هذا الحدث الكوني وهما: الكوت ديفوار واليابان. ثلاث دول إذن تعلن الانفصال بالتراضي مع مدرب لم يرض أحدا.
في مسيرته الكروية مع منتخبنا، كان وحيد فاعلا فأصبح مفعولا به، وأحيانا مفعولا لأجله، لأن خطته تعتمد على الضغط العالي على اللاعبين وممارسة مرتدات على الجماهير، واعتماد خطة التسلل مع المسيرين، وحين يتعلق الأمر بالصحافيين يختار المرور عبر الأطراف، فيما يلجأ إلى دفاع المنطقة في علاقته مع مكونات طاقمه التقني، الذي يخضع أحيانا للتغييرات أكثر من تغييرات التشكيلة الأساسية.
مع وحيد فقط، يفوز المنتخب ويحزن الجمهور وقبل أن يجف عرق اللاعبين يطالب بتغيير المدرب. كل مدربي المنتخبات وزراء للسعادة عند شعوبهم إلا وحيد فقد أصر أن يتأبط حقيبة وزارة التعاسة ويضع على رأس ديوانها رجلا عركته المنازعات وناطقا تتلمذ على صحاف صدام في زمن الغزو الأمريكي للعراق.
فشلت المفاوضات الجانبية مع المدرب الصربي، وعجز المفاوضون عن تليين موقفه، في كثير من النوازل الكروية، كان يقول لا ثم ينصرف.
كان يعطي للاعبي المنتخب صورة بشعة عن صحافة المغرب، حتى ظنوا أنهم خصوم المنتخب الأولون. من حق المدرب أن يحمي لاعبيه من فضول الصحافيين حين يتحول الفضول إلى اختراق. من حقه أن يركب الطائرة ويتمدد في الدرجة الممتازة دون أن تصطاده عدسة مصور يعشق جمع صور الإثارة. لكن من حق الصحافيين أن يواكبوا منتخب بلادهم بمهنية، حتى لا نقرأ يوما بلاغا للجامعة تعلن فيه انفصالها بالتراضي عن الجسم الصحافي بسبب «اختلافات في وجهات النظر حول الطريقة المثلى للتحضير لأسفار الفريق الوطني».
حين رفض وحيد جميع محاولات التسوية، قالوا له لا تفتح جبهة ثانية، فجنود زياش لم يسلموا السلاح ولم يخلفوا الوعد مع القطيعة، حينها لملم الصربي ذخيرته ومضى يصقل لسانه تحسبا لأي هزيمة.
اليوم علينا أن نسدد الضرائب في وقتها ونرفع سقف عائدات عمالنا في الخارج ونطور الفلاحة ونحسن نسل الماشية ونستخرج المعادن، حتى نوفر مرتبات المدربين الأجانب ونلبي نزواتهم اليومية، ونسدد ضرائب العناد.
كلما انفصل فريق عن مدربه، يجنح طرفا النزاع إلى السلم، يصران على أن الطلاق كان رضائيا وأن حبل الود مستمر، وأن الانفصال تم حول مائدة عشاء بدون إقالة أو استقالة.
في بطولتنا عشرات المدربين، منهم من سيق إلى المأذون طوعا للتوقيع على وثيقة الانفصال، ومنهم من اقتيد كراهية، لكنهم في نهاية المطاف قبلوا اللعبة على مضض حفظا لماء الوجه، في زمن ندرة المياه.
بعض المدربين يملكون كل المواصفات ليصبحوا أكباش فداء، فدرجة استفزازهم للجماهير عالية الجودة، وخرجاتهم الإعلامية تزيد الطين بلة، ونتائجهم تبعث على الاشمئزاز، وحين تدير الانتصارات ظهرها للنادي يبحث الطرفان عن حل للانفصال قبل البحث عن حل للعقم الهجومي.
أما الراسخون في علم الكرة فيتعاملون مع الموقف بكل شفافية، حيث يعلنون عن مباراة لانتقاء مدرب المرحلة ويقدمون المواصفات المطلوبة، وحتى يكتمل مشهد الحكامة يتم توقيع عقد الانتداب ويصبح ساري الفاعل والمفعول، وتعطى تعليمات لكائنات صحافية من فصيلة الدرون للقصف عن بعد.
لا تعتقدوا أن وحيد كالضرس المريض، يزول الألم بزواله، بل إن رحيله أخرج بعض اللاعبين من جحورهم، وحشروا خياشيمهم في انفصال «رضائي» وقالوا من مصلحتنا أن يبقى وحيد مدربا، وقد يغيرون جلدهم وينضمون لمنتخب آخر بالتراضي طبعا.