شوف تشوف

الرأيالرئيسية

مصير نظرية الانفجار العظيم

بقلم: خالص جلبي

ليس ثمة من انفجار عظيم، والكون يجدد نفسه، وهو باق كما هو وكان، وتموت النجوم ويخلق غيرها باستمرار، والإشعاع الأساسي الذي اعتمدته نظرية الانفجار العظيم لا برهان عليه، وكل في فلك يسبحون.

هذه هي خلاصة ما قاله العالم الألماني «يورغ هانس فار Joerg Hans Fahr»، المتخصص في الفيزياء الفلكية.

إن طبيعة العلم عجيبة فهي تعتمد دوما مبدأي الحذف والإضافة، وعلى الإنسان أن يتريث جدا في الحماس لأي رأي، بل إن برتراند راسل، الفيزيائي والفيلسوف البريطاني، حين سئل هل أنت مستعد للموت من أجل آرائك؟ أجاب بسخرية: لا … لأنني قد أكون مخطئا، فأخسر نفسي ولا يثبت قولي.

وهذا القول يكرره الفلكي يورغ فار، بشكل مختلف، فيقول: لقد مرت النظرية الكونية في دورات من الإيديولوجيا المنظمة، فكانت الأرض مركز الكون، ومات الكثير حرقا وشنقا وضربا بالسيف والخازوق تحت مطرقة محاكم التفتيش، لتنقلب فتصبح الأرض كوكبا تافها في نظام شمسي تصطف فيه النجوم بخشوع في دوران وسجود حول مركزها الشمس، لتنقلب النظرية من جديد ونضيع في متاهة هائلة من مائة مليار نظام شمسي، ليست أمنا الشمس سوى نجم تافه في المجرة العملاقة. ثم تزيغ أعيننا من جديد مع نظرية الانفجار العظيم، حين نعلم أن مجرتنا بدورها تضيع في دهاليز من التيه بين مجرات لانهاية لها في كون لا يكف عن التوسع.

يعلق الفيلسوف وعالم الفلك فار إننا نخسر كرامتنا في كل ضربة من الاكتشافات المادية، التي تؤكد دوما أن الإنسان تافه لا قيمة له، وأن قيمته مما حوله.. لينتهي بالقول إنه آن الأوان لاستعادة كرامة الإنسان ومركزه الثابت في الكون خارج المادة والفلك، وأكثر من ذلك فهم الكون روحيا، وليس مادة عابثة منفجرة في دمار ورماد قاصرة لا تعي ما يحصل لها.

إن نظرية الانفجار العظيم سحرتني أنا شخصيا منذ أن قرأت، قبل 20 سنة، كتاب «العلم في منظوره الجديد»، وهو كتاب صدر من سلسلة «عالم المعرفة» الكويتية رقم 167، ترجمة كمال خلايلي، والمؤلفان من فلاسفة العلوم وهما الكنديان روبرت آغروس وجون ستانسيو، وفيه شرح هام عن المادة والله والجمال ونظرية الانفجار العظيم، التي تؤكد رحلة الخلق الإلهي بصورة ما، وبلغ من سحر هذه النظرية أن الكنيسة تبنتها، لأنها تقول إن الكون كان بعد أن لم يكن، مع فارق أن نظرية الانفجار العظيم تقول إن الكون كله كان مضغوطا في حيز يفوق التصور، في أقل من بروتون واحد وفي حرارة تصل إلى البلايين، حيث تتعطل كل القوانين الفيزيائية المعروفة وتنهار، ثم وفجأة ينفجر الكون من هذه النقطة المتفردة، حيث يندمج الزمان بالمكان والمادة بالطاقة والقوانين بالجمود، فتبدأ الحركة ويتجدد الزمن ويتوسع المكان، وتعمل القوانين مثل آلة متوقفة عن العمل لتبدأ في الحركة.

إنها نظرية مغرية للفكر الكنسي والديني عموما، ولكن علينا أن لا نتسرع، فالعلم لا يعطيك بعضه، إلا بعد أن تعطيه كلك، وأنت من هذا البعض على غرر.

يقول العالم فار: هنا بالضبط تجعلنا نظرية الانفجار العظيم في حيرة، فما الذي يجعل الكون يتفجر بعد سكون؟ ما الذي يقود الكون إلى انفجار عشوائي، ليثبته إشعاع أساسي في غاية الانتظام من كل فج عميق، بدرجة حرارة تزيد على الصفر المطلق ثلاث درجات ونصف الدرجة.. إننا نرى في انفجار شظية وقنبلة أنها لا تمشي بانتظام، بل تتناثر الشظايا على نحو غير منتظم، ولكن جماعة الانفجار العظيم يثبتون عدم الانتظام بالانتظام، ويقولون إن الإشعاع الأساسي هو الدليل اليقين على الانفجار، بل إن من اكتشف الإشعاع الأساسي مثل روبرت بنزياس نال عليه جائزة نوبل، وحين تتعثر النظرية يرقعونها بالمادة المعتمة التي لا تزيد على خيال علمي لم يثبت.

هذه هي طبيعة العلم على ما يبدو، ليس ثمة من استقالة وتوقف ونصب واستسلام.. إنها نظرية ساحرة، ولكن بدأت التشققات تظهر عليها، وهي منذ إعلانها كان هناك أكثر من اعتراض عليها، وحاليا ظهرت أقوال جديدة للفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينغ، الذي أثار ضجة كبيرة عام 1978م، حين خرج بكتابه «قصة قصيرة للزمن»، أخذ الكتاب البعد الفلسفي في تفسير ظاهرة الوجود والحياة، ومتى بدأ الكون وكيف تطور؟

إن العالم الألماني فار يخلص بنتيجة عجيبة مناقضة تماما لهوكينغ البريطاني، فيقول بكلمة «تيلي نوميش Telenomisch»، أي أن المادة ليست كما جامدا، بل داخلها معلومات أو برمجة تقودها في مسيرها وقدرها للتشكل في صورة تراكيب دون أخرى، فتتميز وتولد الحياة بالتدريج، وليست المادة إلكترونات وبروتونات، بل هي حقل من المعرفة المتجددة وأن هناك إرادة خفية تعمل. وهو بذلك يدخلنا في فهم فلسفي للوجود، وهو ما جاءت به عناوين كتبه الأربعة (الوهم حول صيغة العالم وماذا يعرف العلم حقا؟ ـ كون بدون انفجار عظيم؟ الكوسمولوجيا من منظور مضاد ـ الوقت والنظام الكوني والقصة اللانهائية من التكون والعودة ـ الانفطار البدئي في طريقه للانهيار والكوسمولوجيا في حالة انقلاب).

لقد كررت الكنيسة الحماقة نفسها لبطليموس السابقة في أرض مركزية تحيط بها الكواكب والنجوم تتهادى، وحاليا مع الانفجار العظيم لا بد من تأسيس فلسفي جديد لا يخون العلم ولا يخيب الدين.

 

نافذة:

نظرية الانفجار العظيم تقول إن الكون كله كان مضغوطا في حيز يفوق التصور في أقل من بروتون واحد وفي حرارة تصل إلى البلايين

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى