شوف تشوف

الرأيسياسية

مصير القاعدة بعد الظواهري

 

فاطمة ياسين

 

لاقى خبر انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان العام الماضي انتقادات كثيرة، ومن المنتقدين كثيرون ممن لاموا التدخل الأمريكي ذاته، ثم اعتُبر الانسحاب قرارا بترك أفغانستان بين يدي حركة طالبان، وقد حصل ذلك بالفعل، فلم يكد ينتهي أسبوع واحد حتى تداعى النظام الذي أقامه الأمريكيون في أفغانستان، وتقدمت الحركة التي كانت تعتبرها أمريكا متطرفة، ووصلت العاصمة كابول، وسيطرت على كل شيء.

تندرج هذه القصة تحت عناوين سياسية أمريكية خالصة، تعتمد على مصالحها بشكل أساسي واعتباراتها الانتخابية أيضا، فلم يعد هناك أي مردود سياسي لأمريكا من بقاء قواتها بأفغانستان، وقد أدركت أن إقامة نظام عميل بشكل كامل من دون وجود قواتها هناك أمر مستحيل، ففضلت أن تسلم الأمر للنظام المتطرف الذي جاءت أصلا لاستئصاله، وهي تظن أنها روضته قليلا، وأصبح ميدان فاعليته محدودا، خصوصا بعدما تخلصت من العقل المفكر وقائد الميدان المؤثر، أسامة بن لادن، وبقيت من التنظيم السابق أطلال ذكريات متطرفة لم تعد أمريكا ترى أنها تشكل خطرا كبيرا. من ضمن ذلك الإرث المتروك، بقي طبيبٌ سابق، يغلب عليه مظهر الدراويش، حمل تراث بن لادن، من دون أن يرث الكاريزما اللازمة، لكن اسمه كان كافيا ليضخ بعض الوقود في شريان تنظيم القاعدة المتهاوي، إلى أن تمكن أحد صواريخ جو بايدن من اقتناص هذا الصيد المعنوي، واستطاع قتله في وسط كابول.

افتقد التنظيم قوة التماسك المطلوب بعد رحيل بن لادن، رغم بقاء مجموعات متفرقة كثيرة بشتى بقاع العالم على ولائها الاسمي أو الفعلي، لكن الضربة «الشرعية» التي تلقاها التنظيم، هي طغيان تنظيم آخر يُدعى الدولة الإسلامية، خرج من تحت عباءة «القاعدة» ليتوسع ويغطي، في فترة محددة، معظم حوض الفرات من الرقة في أقصى الشمال السوري وحتى تخوم بغداد، فشكل ما عرف لبعض الوقت بدولة الخلافة، وكان على تنظيم القاعدة أن يوجهها إيديولوجيا وعسكريا أيضا، فخاضت المجموعتان معارك عقائدية وحربية في العراق وسوريا على وجه الخصوص، ولم يمنح ضمور تنظيم الدولة الإسلامية وتقلصه تحت تأثير الضربات الأمريكية، أي أفضلية لتنظيم القاعدة، فزاد انحساره، وتركز في بقع جغرافية متباعدة. ومع فقدان الظواهري نفسه المرجعية المفترض أن يتمتع بها قائد تنظيم دولي، يصبح مع مقتله الطريق مفتوحا لصراع بين القادة المحتملين، وهو أمر متوقع في مثل هذه التنظيمات، ما سيجعل تراخي الولاء للقيادة المركزية أكبر، خصوصا أن كثيرين من هؤلاء القادة المحتملين متخفون يخشون الظهور العلني، ويصعب وصولهم إلى أماكن بعيدة عن مواقعهم، لكثافة الملاحقة والخوف من الاغتيال، وبعضهم في حكم المقبوض عليه، ولعل أبرزهم سيف العدل المصري ويرجح وجوده بإيران.

ورغم أن رعيل قادة التطرف قد رحلوا على التوالي، من بن لادن إلى الظواهري مرورا بأبي بكر البغدادي، وانحسر دور التنظيمات الكبيرة ذات العلاقات المعقدة، فإن الإيديولوجيا باقية، ولن تتوقف عن التعبير عن نفسها بقوة، وما زالت تجد آذانا صاغية، وربما ترقبا في بعض الأماكن.. وغياب رموز القاعدة اليوم قد يطوي صفحتها نهائيا، لكن يمكن أن يكون بداية لصفحات أخرى، تشابهها في الفكر والمنحى والسلوك، مع تغير في الأسلوب والمظهر.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى