شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

مصير الغالب بفرنسا

 

 مالك التريكي

 

يبدو أن الرئاسيات الفرنسية استسلمت لعادة إعادة بث ذلك المشهد المكرور، الذي لا يتسابق فيه اليمين (التقليدي أو المجدد) إلا مع اليمين المتطرف، مثلما حصل بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبان في رئاسيات 2017، التي كانت هي ذاتها نسخة معدلة، من حيث الأسماء فقط، عن رئاسيات 2002 بين جاك شيراك وأبيها جان ماري لوبان. لكن هذا وجه واحد من القصة، ليس لأن الإجماع الجمهوري على وجوب سد الطريق على مرشحة اليمين المتطرف لم يعد إجماعا مضمونا، مثلما كان في المرتين السالفتين، وأن احتمال فوزها، وإن كان غير راجح، صار واردا أكثر من أي وقت مضى، حيث تظهر الاستطلاعات أنها تحظى بما بين 46 و49 بالمائة من نيات التصويت. وليس لأن الرغبة الشعبية في التصويت الاحتجاجي أو العقابي ضد ماكرون قد أصبحت من القوة، بحيث لا يمكن الجزم بإطلاق بأنه ناج نجاة أكيدة من مصير سلفه فرانسوا هولاند، الذي انتهى رئيسا بولاية يتيمة.

الوجه الآخر من القصة ليس هذا ولا ذاك. الوجه الآخر هو أن أهم شخصية في هذه الانتخابات ليس من فاز في الدورة الأولى، وإنما من لم يفز! ليس ماكرون أو لوبان، بل جان لوك ميلونشون! فقد ظلت شعبية زعيم اليسار الراديكالي تشهد تقدما مطردا على مدى السنوات: إذ نال 11،1 بالمائة من الأصوات في رئاسيات 2012، ثم 19،6 في 2017، وها هو يحل هذه المرة ثالثا في الترتيب بحصوله على 21،95 من الأصوات (7،7 ملايين ناخب)، أي بفارق 1،20 فقط عن لوبان.

وقد كان من اللافت فور إعلان النتائج أن ميلونشون لم يوجه أي لوم لمرشح الحزب الشيوعي فابيان روسل، الذي نال 2،20 بالمائة، أو لمرشح الخضر يانيك جادو، الذي نال 4،60، على إصرارهما على الترشح رغم يقينهما أنه هو أوفر مرشحي اليسار حظا. كما لم يكن من القابل للتصور بالطبع أن يوجه أي كلمة إلى المسكينة آن هيدالغو، التي مرغت الحزب الاشتراكي في الهوان بحصولها على 1،75 بالمائة من الأصوات (!) ولو أن المرشح السابق بنوا هامون لم يحصل عام 2017 إلا على 6،36 بالمائة. ذلك أنه سبق لميلونشون أن أعلن آنذاك أنه يمثل هو وماكرون فكي الكسارة، التي ستهشم جوزة الحزب الاشتراكي (الذي كان ميلونشون قد فقد الأمل فيه وغادره عام 2008). وذلك أن هيدالغو وبقية القادة الاشتراكيين، ما هم بقادرين على تغليب المصلحة السياسية على الطموح الشخصي أو التعصب الحزبي.

كما أنهم يفتقرون إلى الخصلتين اللتين تحلت بهما المرشحة الرئاسية السابقة سيغولين روايال: حسن قراءة الخريطة الانتخابية، مع شجاعة المجاهرة بالرأي. فقد حضت روايال ناخبي اليسار عموما على التصويت لميلونشون، لأنه هو الوحيد القادر، حسب تعبيرها، على الاجتياز إلى الدورة الثانية. لكن التباغض والتشرذم في أوساط العائلة اليسارية داء مستحكم لا يريم. لهذا كان بين أحزاب اليسار العديدة التي تسابقت هذه المرة، حزب لم ينل إلا 0،77 بالمائة من الأصوات، بينما نال الآخر 0،56.

وفضلا عن راديكالية الطرح، فإن من أبرز أوجه الشبه بين ميلونشون، وزعيم حزب العمال البريطاني السابق جيرمي كوربين، أنه يحظى بشعبية بين شباب الطلاب والأساتذة الجامعيين والفئات الأفضل تعلما واطلاعا.

فقد فاز ميلونشون، الأسبوع قبل الماضي، بنسب معتبرة من الأصوات في المدن التي تؤوي كبريات الجامعات: 41 بالمائة في مونبوليي، و37 بالمائة في تولوز (متقدما بثماني نقاط على 2017)، و33 بالمائة في نانت (متقدما بثماني نقاط)، و36 بالمائة في رين (متقدما بعشر نقاط)، و30 بالمائة في باريس (متقدما بعشر نقاط). هذا إضافة إلى شعبيته في الضواحي الفقيرة، حيث يكثر المهاجرون، وفي أوساط المسلمين والمغاربيين الذين يعرفهم حق المعرفة. فقد ولد ونشأ في طنجة، كما أن كثيرا من الناشطين في حركته «فرنسا الأبية» (حرفيا: فرنسا التي لا تخضع) هم من أصول مغاربية.

العجيب أنه رغم أن أحزاب اليسار كررت خطأ عدم توحيد الصف خلف ميلونشون، فإن إبرة الميزان في الفصل بين ماكرون ولوبان، يوم 24 أبريل، سوف تكون بين أيدي ناخبيه! لكن ليس بواسطة التأييد الكامل لماكرون على نحو ما وقع عام 2017.

صحيح أن ميلونشون دعا ناخبيه مرارا إلى سد الطريق على اليمين المتطرف، قائلا: لا ينبغي منح أي صوت، ولو واحد، للسيدة لوبان. لكن لا يتوقع أن يسلك ناخبو ميلونشون هذه المرة نفس مسلكهم عام 2017. بل المرجح أنهم سيتوزعون ثلاثة اتجاهات: الأول سيمتنع، لأنه يرى أن الخيار منعدم وأن كلا المرشحين سواء؛ والثاني سيصوت لماكرون اضطرارا، لا حبا له ولا اقتناعا به. أما الثالث فمن المتوقع أن يصوت للوبان، لشدة قرفه من صلف ماكرون وألاعيبه.

لكن أهمية ميلونشون تتجاوز في تقديري هذه المعطيات الظرفية، التي تسند لناخبيه سلطة حسم نتيجة رئاسيات 2022. ذلك أن للرجل برامج مدروسة جديرة بالتمعن، وسيرة سياسية تستحق أن تروى.

 

نافذة:

رغم أن أحزاب اليسار كررت خطأ عدم توحيد الصف خلف ميلونشون فإن إبرة الميزان في الفصل بين ماكرون ولوبان يوم 24 أبريل سوف تكون بين أيدي ناخبيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى