شوف تشوف

الرئيسيةحوار

مصطفى الناجي: اللقاحات هي الأمل في القضاء على كورونا

أستاذ علم الفيروسات وعضو لجنة لقاح «كوفيد 19» حذر من القول بالتعايش مع الفيروس

حاوره: النعمان اليعلاوي
بات المغرب على بعد خطوات قليلة من انطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد كورونا، وهي التي وعدت وزارة الصحة بأن تشمل تطعيم ما يربو عن 80 في المائة من المواطنين المغاربة، وقد شارفت الاستعدادات الأخيرة لانطلاق هذه الحملة على الانتهاء في ظل الترقب لوصول الدفعة الأولى من اللقاح الصيني «سينوفارم»، الذي حظي بموافقة اللجنة المختصة باللقاح ضد «كوفيد19»، وفي خضم الحديث أيضا عن دفعات قادمة من اللقاح البريطاني (أسترازينيكا-أكسفورد)، الذي نال بدوره الضوء الأخضر من اللجنة المختصة ومن وزارة الصحة.
ومنذ بداية دجنبر الماضي، شهدت الأرقام المتعلقة بالحالات الجديدة المسجلة للمصابين بوباء كورونا، انخفاضا كبيرا، وصل في بعض الأيام ما دون عتبة الألف حالة، وهي الأرقام التي بدأت تبعث نوعا من الطمأنينة في نفوس المغاربة وإن كانت غير مفهومة في الظرفية الحالية التي يواجه فيها العالم انتشارا واسعا للفيروس، مع ظهور السلالة الثانية منه لتغطي مجمل دول أوروبا الغربية.
في هذا الحوار مع الدكتور مصطفى الناجي، عضو اللجنة المختصة باللقاح ضد كوفيد 19، ومدير مختبر الفيروسات بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، نستجلي خلفيات التراجع الكبير في أعداد الحالات الجديدة المصابة بكورونا، وتفاصيل أدق حول حملة التلقيح الوطنية وطبيعة اللقاحات التي اعتمدها المغرب، لنعرج على واقع البحث العلمي في مجال دقيق مرتبط بالفيروسات.

ما هي أسباب انخفاض عدد الحالات المسجلة للمصابين بكورونا خلال الفترة الأخيرة؟
هناك سببان رئيسيان، وكل سبب له خصوصيته التي تميزه، وأول هذين السببين هو تراجع إقبال المواطنين على إجراء تحاليل الكشف المخبرية، وبالتالي فإنه من الطبيعي أنه كلما تراجع عدد التحاليل المخبرية للكشف عن الحالات المصابة، ستتراجع كذلك أعداد تلك الحالات المكتشفة، فقد كنا نجري حوالي 26 ألف تحليلة مخبرية في اليوم الواحد سابقا، أما اليوم فقد انحصر عدد هذه التحاليل المخبرية إلى حوالي 10 آلاف تحليلة يوميا، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فالمريض الذي يتوجه إلى الطبيب ولديه شكوك أو أعراض محتملة للإصابة بالوباء، فإن الطبيب لديه طريقته للكشف عن مدى إصابته، فإما أن يطلب من المريض إجراء تحليلة طبية، أو فحص بجهاز السكانير، وقد يلجأ الأطباء إلى الفحص بالسكانير مباشرة دون التحاليل المخبرية، بالإضافة إلى سبب مهم ولا يمكن أن نغفله وهو إمكانية أن يكون المواطن المغربي قد أدرك أهمية التدابير الاحترازية وبدأ يأخذها على محمل الجدل، بل إن تلك التدابير صارت من السلوك اليومي للمواطنين، وبالتالي بدأت تقل العدوى في المجتمع، وأصبحنا نرى فعلا هذا الالتزام في الشارع العام، حيث إن المواطنين يضعون الكمامات، كما أن هناك احتراما معقولا للتباعد الجسدي، أما السبب الرابع هو ما تم اتخاذه من إجراءات من قبلها منع التنقل وفرض الحجز الجزئي خصوصا ليلا، وهي الإجراءات التي ربما أعطت هي الأخرى أكلها وساعدت في عدم اتساع رقعة انتشار الوباء.

من هذا المنطلق، هل يمكن أن نقول إن المواطن المغربي بدأ يتعايش مع الفيروس؟
ما يجب التأكيد عليه، هو أن هذا الفيروس هو انتهازي، لذلك فحذار من القول بالتعايش معه، فيمكن الأخذ بجميع التدابير الاحترازية والوقائية، لكن في لحظة سهو أو تراخ قد يتسلل الفيروس إلى الإنسان، ولا مناص من أمرين لتجنبه، فإما احترام التدابير الوقائية والالتزام بها بدقة، أو اللقاح، وغير هاذين الحلين لا يمكن الحديث عن تعايش مع الفيروس أو ممارسة حياة طبيعية.
في هذا السياق، وبعد ظهور سلالات جديدة من الفيروس، هل تم تسجيل أي حالة من الإصابة بهذه السلالة الثانية في المغرب؟
ما يمكن تأكيده وحسب المعطيات المتوفرة إلى حدود نهاية دجنبر، لم يتم تسجيل أية إصابة جديدة بالسلالة الثانية من الوباء التي ظهرت في بريطانيا، ولكن يجب أن ننتظر ما قد تسفر عنه الأيام والمعطيات الصحية، ويمكن في حالة ظهور بعض حالات الإصابة بهذه السلالة الجديدة أن تنتشر في ظرف وجيه، فقد تم تسجيل أولى الحالات في شمال بريطانيا في شتنبر الماضي، وبعدها بشهرين، انتشرت الحالات المصابة بالسلالة الجديدة من الفيروس في جميع التراب البريطاني، تم انتقلت إلى الدول المجاورة كالسويد وألمانيا وفرنسا وإسبانيا وحتى جنوب إفريقيا.

هل يتم اعتماد نفس التحاليل المخبرية التي يتم إجراؤها للكشف عن كورونا المستجد، بالنسبة للسلالة الثانية؟
فعلا فنفس التحاليل العادية التي يتم بها الكشف عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد في صيغته الأولى، قادرة على الكشف عن السلالة الثانية للفيروس، حيث إن هذه السلالة الثانية ليست سوى نفس الفيروس الذي تم اكتشافه للمرة الأولى في المقاطعة الصينية «يوهان» في دجنبر من سنة 2019، غير أنه قد حدثت بعض الطفرات عليه التي تجعل من مكوناته الشوكية التي تحيط بغلافه تتغير، في حين أن الفيروس هو نفسه، كما أن المضادات التي يمكن توجيهها له هي نفسها، كما أن فعالية اللقاح لا تتأثر كذلك.
ولعل الخصوصية التي تمتاز بها هذه الطفرة الجديدة، هي أنها تجعل من الفيروس أكثر انتشارا ولكن أقل شراسة وأقل إماتة، وهذه هي المعطيات التي تتوفر لحد الآن حول هذه الطفرة الجديدة.

ما صحة الدراسات التي تتحدث عن أن الطفرة الجديدة في الفيروس مكنته من أن يصيب بدرجة أكبر صغار السن وتحديدا الأطفال؟
ما يجب التأكيد عليه هو أننا في مواجهة فيروس جديد، وكل يوم تظهر لنا معطيات جديدة حوله، وبالطبع يمكن أن يصيب الأطفال، وأن يصبح أكثر انتشارا مع هذه الطفرة الجديدة التي تجعله ينتشر بـ70 في المائة أكثر من الصيغة الأولى، والأمر في الأساس، سواء عند الأطفال أو الكبار مرتبط بالمناعة، والدراسات المتوفرة بخصوص السلالة الأولى من الفيروس تؤكد أنه يصيب الأطفال بنسبة أقل، ولكن عموما فهو يصيب الجميع، أما بخصوص السلالة الثانية، فهي مازالت محط الدراسة والأبحاث ولا نستبعد أن تزيد قدرات الفيروس على الانتشار وبالتالي إصابة الصغار بنسب مرتفعة.

في العلاقة بقوة المناعة، هل هذا الأمر هو الذي يفسر انخفاض نسب الإصابات والوفيات في بعض دول العالم بخلاف ارتفاعها في أخرى؟
بالفعل هناك أبحاث ودراسات ومعطيات علمية تصب في هذا الاتجاه، وهي المعطيات التي تشير إلى أن هناك بعض الجينات التي تحمل خصوصيات معينة وتكون لدى فئة معينة من البشر، كشأن الدراسات التي تقول إن الأشخاص الذين يحملون فصيلة الدم «O» يكون أقل عرضة للإصابة بالفيروس بنسبة 30 في المائة، أما الأشخاص الذين لديهم فصيلة الدم «AB»، فيكونون أكثر عرضة للإصابة بنسبة 20 في المائة.

هل الأمر مرتبط بعناصر أخرى، كالسن والمناخ والبيئة التي يعيش فيها الأفراد؟
بالتأكيد فعامل السن مهم جدا، على اعتبار أنه كلما زاد عمر الإنسان إلا وانخفض مستوى المناعة لديه، وكلما كان أصغر سنا كلما كانت المناعة أقوى، وبالتالي فهذا ما يفسر أن أكثر ضحايا الوباء هم من كبار السن والمسنين بالدرجة الأولى، كما أن هذا قد يفسر سبب ارتفاع الوفيات في بعض البلدان التي تعرف نسبة كبيرة من الشيخوخة في مجتمعها.

في إطار الحديث أيضا عن المناعة، هل التعافي من الفيروس يكسب الإنسان مناعة تعفيه من الحاجة إلى لقاح؟
ما يجب التأكيد عليه، هو أن الفيروس يكسب جسم الانسان مناعة مهمة، غير أن المناعة التي يتم اكتسابها عن طريق الإصابة بالفيروس، ليست بنفس الحدة التي تكون عليها المناعة التي يتم اكتسابها عن طريق اللقاح، إذ يجب التأكيد على أن اللقاح يتم عبر جرعتين، حيث يتم حقن الشخص بالجرعة الأولى من اللقاح، وبعد شهر يتم حقنه بالجرعة الثانية، وهو الأمر الذي يجعل الشخص الذي حصل على اللقاح يكتسب مناعة قوية، بخلاف الشخص الذي تعافى من الفيروس، والذي وإن كان كذلك يكتسب مناعة، غير أن مناعته تكون ضعيفة بالمقارنة مع مناعة اللقاح.

ماذا بخصوص الأعراض الجانبية للقاحات التي سيعتمدها المغرب؟
ما من دواء أو لقاح يأخذه جسم الإنسان، إلا ومن المنتظر أن تكون له بعض الأعراض الجانبية، غير أن الاختلاف والموضوع المهم في هذا الجانب، هو ما هي تلك الأعراض، ومدى خطورتها، فيمكن مثلا للأعراض المترتبة عن لقاح كورونا أن تكون مجرد احمرار في المنطقة التي تم فيها الحقن وأيضا صداع في الرأس، أو حتى سعال، وكل هذه الأعراض لا تنفك تمر بسرعة بعد يوم أو يومين على أبعد تقدير.

ما هي مميزات اللقاحات التي اعتمدها المغرب من أجل الحملة الوطنية للتلقيح ضد كوفيد 19؟
المغرب تعاقد مع شركتين متخصصتين في المجال الطبي، ويتعلق الأمر بشركة «سينوفام»، والتي أنتجت لقاحا من الطراز القديم، وهو ما يطلق عليه « Old Fashioned»، بالإضافة إلى شركة «أسترازينيكا» التي تتواجد في إنجلترا بالتحديد في أكسفورد، وقد عمل على إنتاج لقاح يعتمد على تقنية جديدة تتمثل في الاشتغال على الحامض النووي الريبوزي المرسل، وهذا من الطراز الجديد الذي اعتمد تقنية لم يسبق تجربتها من قبل على الإنسان، ويمكن القول أيضا إن هناك تعاقدات مع شركات مصنعة أخرى، حيث إن الغرض هو الوصول إلى جرعتين لكل فرد وهو ما يجعلنا مطالبين بتوفير حوالي 74 مليون جرعة من اللقاح للحديث عن الوصول إلى نسبة 100 في المائة من التلقيح.

لكن هناك فئات لن تشملها عملية التلقيح؟
لا يمكن الجزم بهذا من الآن، وإن كان المعلوم هو أن الفئات الأقل من 18 سنة لن تشملها عملية التلقيح، كما أن المرضى المصابين بأمراض مزمنة مطالبون بإجراء استشارات طبية قبل الحصول على اللقاح، كما أن الأشخاص الذين سبق لهم تلقي لقاح معين، لا يجب أن يتلقوا اللقاح الآن، وإجمالا وجب قبل أخذ اللقاح تلقي الاستشارة الطبية وهذا الأمر محسوم.

كيف سيعمل اللقاح على تطوير مناعة الفرد ضد كورونا؟
إن أي لقاح يتلقاه الفرد، تتلقاه في الدرجة الأولى «خلايا الذاكرة»، وهي التي تعمل على تخزين معطيات هذا اللقاح، وسواء كان «فيروس غير مفعل» أو «مكونات شوكية»، يبقى مخزنا في الذاكرة المناعية للإنسان، إلى أن يهاجم الجسم بالفيروس الحقيقي، حيث تبدأ المناعة مباشرة في إنتاج الأجسام المضادة التي تكون موجهة خصيصا لذلك الفيروس.

هل اللقاح ضد كورونا سيكون فعالا بشكل نهائي أم أنه يجب تلقي اللقاح في كل موسم من السنة كما هو الشأن بالنسبة للأنفلونزا مثلا؟
مسبقا لا يمكن الحكم بأي شيء، لأننا لم نعرف بعد ما إذا كانت المناعة التي سيوفرها اللقاح ستكون دائمة أو طويلة المدة أو قصيرة، وهناك الكثير من المنشورات التي تتحدث عن مناعة لمدة ثمانية أشهر، لكن لا يمكن الجزم حاليا، فمن مجموع الأفراد الذين سيتلقون اللقاح عبر العالم، هناك من ستمتد مناعته لأربعة أشهر وآخرين لثمانية أو عام أو أكثر، لكن المحدد سيكون هو الحصيلة الأخيرة التي سنحددها للقول إن مدة حماية هذا اللقاح هي كذا وكذا.

كم يلزمنا من الوقت للحديث عن مناعة جماعية ضد الفيروس بعد التلقيح؟
منذ تلقي الفرد للقاح، تلزمه مدة ثلاثة أشهر للقول إنه قد اكتسب مناعة ضد الفيروس، وبالتالي فالمغرب وحتى باقي الدول تلزمها ثلاثة أشهر منذ انطلاق عملية تلقيح مواطنيها للحديث عن بداية دوران عجلة الاقتصاد، وبالتالي فإن المدة القياسية للحديث عن العودة للحياة الطبيعية هي على الأقل ستة أشهر منذ بداية حملة التلقيح، معناه أنه إذا ما انطلقت عملية التلقيح في يناير الحالي، فإن الحياة الطبيعية ستعود في يونيو القادم.

هل المغرب يملك من المؤهلات ما يسمح له بتصنيع اللقاح محليا؟
منذ البداية، وحين تم التوقيع على منح لقاح شركة «سينوفام» للمغرب، تم أيضا التوقيع على شراكة بين الشركة الصينية وشركة مغربية، على أن يتم التعاون بين الجانبين من أجل إنتاج اللقاح في المغرب، كما أن هناك دراسات من أجل إنشاء شركة عالمية لإنتاج اللقاحات سيكون مقرها في طنجة.

باعتباركم ترأسون مختبرا لعلم الفيروسات، ماذا عن جانب مواكبة البحث العلمي لهذا النوع من الصناعات الدوائية الدقيقة؟
إن مختبرنا لعلوم الفيروسات، وهو مختبر معتمد من طرف مجلس الجامعة والكلية، يحتضن العديد من الطلبة الذين ناقشوا ويناقشون بحوثهم في هذا الجانب الدقيق المرتبط بالفيروسات، وقد اشتغلنا في المختبر على عدد مهم من الفيروسات كالمسببة لأمراض السرطانات والالتهاب الكبدي، وغيرها من الأمراض، وقد سبق واشتغلت على فصيلة فيروس كورونا في سنة 1983، كانت لدينا أطروحات دكتوراه لطلبة اشتغلوا على فيروس كورونا عند الحيوانات، والصعوبة التي نجدها في الاشتغال على هذا النوع من الفيروسات هي جانب حماية الطلبة والمحيط من أي تسرب، حيث يتطلب هذا النوع من الفيروسات مستوى من الحماية في المختبر من الدرجة 3.
من هذا الباب، أستغل الفرصة لتوجيه الدعوة إلى المشرفين على قطاع البحث العلمي من أجل تأهيل المختبرات العلمية، حتى يتسنى لها الاشتغال على مجالات البحوث من هذا النوع والتي تتطلب مؤهلات عالية جدا والاستجابة لعدد من المعايير الدقيقة، وهناك كفاءات عالية لديها شركات مع مختبرات ومعاهد عالمية وتلقت تكويناتها في معاهد عليا وعالمية وهناك الكثير من الأساتذة المغاربة الذين اشتغلوا على مجال الفيروسات، ويمكن الاستفادة من خبراتهم التي راكموها على مستوى دولي.

مصطفى الناجي في أسطر :
عضو اللجنة المختصة في لقاح كوفيد 19
أستاذ علم الفيروسات بجامعة الحسن الثاني وكلية العلوم والتقنية بالمحمدية.
مدير مختبر علوم الفيروسات بكلية العلوم بالدار البيضاء
مدير فريق الفيروسات والسرطان والبيوتيكنولوجيا الطبية بجامعة الحسن الثاني
أستاذ باحث سابق في جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية
أستاذ باحث في المعهد الوطني للصحة في هولندا
باحث رئيسي في الهيئة الكندية للبحث العلمي في أوتاوا
طبيب رئيسي سابق في هيئة الصليب الأحمر في الولايات المتحدة وكندا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى