مصانع وسيارات وعجلات تهدد صحة سكان القنيطرة بغبار أسود يلوث هواءهم
كوثر كمار
يعاني سكان مدينة القنيطرة من غبار أسود يغطي سماء المدينة منذ حوالي أربع سنوات، وقد بات هذا الغبار مصدر قلق بالنسبة إلى المواطنين والفاعلين في المجتمع المدني، خاصة أن نسبته آخذة في الارتفاع. فما هو مصدر هذا الغبار؟ ومما يتكون؟ وأين ينتشر بكثافة؟ وكيف يؤثر على صحة المواطنين؟ أسئلة وأخرى نجيب عنها خلال هذا التحقيق.
كشف تقرير للجنة الجهوية الدائمة لتتبع جودة الهواء عن احتواء أجواء مدينة القنيطرة على نسبة من مادة الجسيمات العالقة «MPS»، المعروفة محليا بـ «الغبار الأسود»، تفوق معدلها الطبيعي بثلاثة أضعاف، خاصة بمنطقة بير الرامي الشرقية، حيث وصلت إلى 129 ميكروغراما في المتر المكعب، بينما المعدل الطبيعي محدد في 50 ميكروغراما لكل متر مكعب.
وعبر العديد من ساكنة المدينة عن تخوفهم جراء الغبار الذي يشكل خطرا على صحتهم. ويتساءل عدد من المهتمين بالبيئة عن مدى وجود المعادن الثقيلة المسرطنة بالغبار من عدمه، مطالبين الجهات الوصية بالكشف عن الحقيقة.
الغبار الأسود
عاش سكان القنيطرة على مدى أربع سنوات كارثة بيئية وصفت بالخطيرة، نتيجة ظهور غبار أسود كثيف، فطيلة هذه المدة ظل الغبار يظهر ويختفي، حتى أن السكان لم يعودوا يستطيعون فتح نوافذهم خوفا من استنشاق هواء ملوث ومضر بالصحة.
المجتمع المدني بالمدينة ذاتها، دخل على الخط قصد لفت نظر الجهات المسؤولة وأبرزها جمعية الغرب للحفاظ على البيئة، التي كان لتدخلها وقع كبير، فبعدما راسلت المجلس البلدي، من أجل إيجاد حل جذري للموضوع، أعقب ذلك تشكيل لجنة تقنية مختلطة تحت إشراف المجلس المذكور، والتي قامت بزيارة خلال شهر مارس من سنة 2012 لبعض المنشآت الصناعية لتحديد مصدر الغبار الأسود.
وجاء في رسالة صادرة عن الجماعة الحضرية لمدينة القنيطرة إلى رئيس جمعية الغرب أن التلوث ناتج عن عملية حرق في الهواء الطلق بطريقة عشوائية ومستمرة لأكثر من سنة لعدد هائل من العجلات المطاطية المتلاشية من مختلف الأحجام، بالإضافة إلى مجموعة من الأسلاك الملفوفة في البلاستيك، وذلك بمنطقة تدعى «الصفاية»، والموجودة بين مطرح النفايات والمعمل المغربي الكبير للأجور.
نادية الورغي، رئيسة جمعية المحافظة على البيئة، تقول خلال حديثها مع «الأخبار»، إن سكان القنيطرة يعانون من الغبار الأسود منذ سنة 2011، مما استدعى القيام بالعديد من الحملات ترتب عنها إحداث لجنة جهوية لمراقبة جودة الهواء ومختبر متحرك حدد أربع مناطق بالمدينة.
وتضيف أن الجهات الوصية أكدت حينها أن منطقة بئر الرامي الشرقية توجد بها جزيئات عالقة مرتفعة وأن السبب راجع إلى الحرق العشوائي للعجلات المطاطية.
غير أن رئيسة جمعية الغرب للمحافظة على البيئة تشكك في المعطيات المقدمة من قبل الجهات المعنية وترجح أن هناك عوامل أخرى أدت إلى وجود الغبار الأسود.
كما أن مشكل الغبار لا يوجد فقط في بئر الرامي، بل ينتشر في قطر يمتد إلى حوالي خمسة عشر كلومترا.
وأوضحت نادية الورغي أنه قد تم تنظيم زيارة لوحدات صناعية، وتبين أن هناك عدة خروقات لا توحي بأن هناك وحدة معينة مسؤولة عن الغبار، إذ لم توجه أصابع الاتهام لأي مصنع. وتردف أن الجمعية توصلت بألف توقيع من قبل السكان الذين يعانون من هذه الظاهرة، مطالبة الجهات المختصة من أجل الكشف عن حقيقة المواد المكونة للغبار، فبالرغم من اعتراف السلطات بأن هناك جزيئات عالقة تفوق النسبة المعتادة، غير أنها لم توضح إن كانت هذه المواد مسرطنة وتشكل خطرا على صحة السكان.
مصدر التلوث
أكد مصطفى بن رمل، منسق مشاريع بجمعية «إيكولوجيا» بالقنيطرة في تصريح لـ «الأخبار»، أن العديد من سكان المدينة يعانون من الغبار الأسود خاصة ساكنة الحوزية والمحيطة بنهر سبو. ويضيف أنه بعد العديد من الوقفات الاحتجاجية ترتب عن ذلك تحرك السلطات الوصية ووزارة البيئة لقياس نسبة الغبار في الجو والتي أخذت تتكاثر نتيجة أسباب متعددة.
يقول مصطفى بن رمل: «هناك العديد من الوحدات الصناعية الموجودة قرب نهر سبو، والتي لا تحترم شروط السلامة، زيادة عن مشكل التلوث، فالطاقة الاستيعابية للشوارع لم تعد تتحمل عدد العربات، وبالتالي يؤدي ذلك إلى تكاثف دخان السيارات، كما تعرف أيضا معظم الشوارع حاليا إعادة التشجير، إذ هناك أتربة تتطاير عند مرور السيارات، وتختلط بما تنفثه عوادم السيارات». ويضيف أن من بين العوامل الأخرى التي أسهمت في ظهور الغبار الأسود حرق النفايات بمحطة تجميعها بولاد برجال، وعلاوة على ذلك، فمدينة القنيطرة تتوفر على مناخ ورطوبة عالية بسبب نهر سبو وسيدي بوغابة والفوارات، فضلا عن قرب غابة معمورة مما يؤدي إلى تكاثف الغبار.
وبسبب التلوث الذي تعرفه البيئة بالقنيطرة أنشأت جمعية «إيكولوجيا» للتربية والبيئة مرصد التغيرات المناخية وتتبع السياسات العمومية، وذلك من أجل بلورة مخطط استراتيجي للتغيرات المناخية وتعزيز المنظومة التشريعية للنهوض بالحقوق البيئية وحمايتها، وفق تصريح منسق مشروع إيكولوجيا.
اتهام المصانع
اتهمت حكيمة الحيطي، الوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن المكلفة بالبيئة، المصانع الموجودة في حاضرة القنيطرة بالتسبب في الغبار الأسود الذي عم سماء المدينة في الفترة الأخيرة، وأثار استياء قطاع عريض من سكان المدنية، ما دفع عددا منهم إلى الاحتجاج بوضع أقنعة طبية على أنوفهم. وعزت الوزيرة الحيطي موجة الغبار الأسود الذي أصاب ساكنة القنيطرة بالخوف من تأثيراته الصحية إلى ما أسمته «تجاوزات في المنطقة الصناعية للمدينة».
وكشفت الوزيرة ذاتها، خلال ندوة صحفية «أن نتائج التحاليل التي أجريت بخصوص طبيعة الغبار الأسود، أبانت عن كون الغبار الأسود مرده إلى تجاوزات تلوث صناعي في المنطقة الصناعية، قبل أن تكشف أنه يتم جرد مصانع المنطقة كاملة لتحديد مصدر التلوث بدقة»، مضيفة أن مشروع قانون البيئة يعد بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة، لكونه أتى لسد الفراغ القانوني الذي يعتري مجال الأضرار البيئية، ونص على إحداث شرطة البيئة المكلفة بتطبيق هذه القوانين، مطالبة بتعميم الشرطة البيئية على مختلف المناطق.
وكان ناشطون من مدينة القنيطرة قد دعوا منذ مدة إلى حملة «تخنقنا» للتنديد بالوضع البيئي الذي بات يسود المدينة، من خلال وضع أقنعة طبية على الوجوه، من أجل التعبير عن الاستياء من مخاطر التلوث الهوائي، الذي تجسد في الغبار الأسود الذي يغطي سماء المدينة بين الفينة والأخرى.
مخاطر صحية
تؤكد العديد من الدراسات البيئية العالمية أن ملوثات الهواء تتسبب في وفاة ما يزيد عن مليون شخص سنويا، وهي تؤدي إلى الإصابة بالعديد من الأمراض الخطيرة،
ومن بين الملوثات الرئيسية في الهواء التي تضر بالصحة العامة والبيئة، غاز أول أوكسيد الكربون وهو غاز سام عديم اللون والرائحة ينتج عن عمليات (الاحتراق غير الكامل للوقود والمواد العضوية) ويمثل أكبر نسبة من ملوثات الهواء، وغاز ثاني أوكسيد الكربون، الذي ينتج عن احتراق المواد العضوية كالورق والحطب والفحم ومشتقات البترول، يتسبب في صعوبة في التنفس والشعور بالاحتقان مع تهيج للأغشية المخاطية والحلق والتهاب القصبات الهوائية.
في هذا السياق كشف بوعزة الخراطي، رئيس الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك بمدينة القنيطرة خلال تصريحات صحفية، أن المادة السوداء المعروفة بالجسيمات العالقة، عبارة عن مركب من المواد الكميائية يدعى «الديوكسين»، مؤكدا على أنها معروفة علميا بكونها مسرطنة.
أيوب كرير، رئيس جمعية «أوكسجين» أفاد خلال حديثه مع «الأخبار»، أن الغبار الأسود يعد مصدر قلق بالنسبة لساكنة المدينة إذ يؤدي إلى الإصابة بمشاكل في العيون والحساسية والربو، مضيفا أن الغبار منتشر في معظم المناطق بالمدينة مما يستدعي إيجاد حل جذري للمحافظة على البيئة.
مديرية الأرصاد الجوية الوطنية: هذه هي نسبة الملوثات الموجودة في هواء القنيطرة
أجريت حملة قياس جودة الهواء من قبل مديرية الأرصاد الجوية الوطنية باستخدام مختبر متنقل مجهز لمراقبة نوعية الهواء، وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين 21 أكتوبر 2014 و15 يناير من العام الماضي. وقد تم قياس وجمع المعلومات البيئية لمنطقة الدراسة وتحليل كل من الملوثات التالية: ثاني أكسيد الكبريت SO2، والمكون أساسا من الوقود الأحفوري الذي يحتوي على الكبريت وزيت الوقود والفحم.
والأوزون (O3) والذي لا يوجد لديه مصدر مباشر. هذا الجزيء هو نتيجة لسلسلة معقدة من التفاعلات بين أكاسيد النيتروجين والمركبات العضوية المتطايرة، التي بدأها الإشعاع الشمسي.
بالإضافة إلى أول أوكسيد الكربون (CO)، وهو نتيجة للاحتراق غير الكامل، ينبعث بشكل رئيسي من مركبات البنزين، ولكن أيضا عن طريق التسخين سيئ التنظيم ويشارك في تكوين الأوزون (O3).أما أكاسيد النيتروجين فهي ناتجة عن درجات الحرارة العالية في الهواء أو في الوقود والأكسجين.
هذا، إضافة إلى جزيئات الغبار (PM10)، التي يمكن أن تكون ذات منشأ طبيعي كالبركان أو من صنع الإنسان، كما قامت المديرية بقياس الروائح المنبعثة.
وتعتبر هذه الملوثات عبارة عن عوامل متغيرة مرتبطة بالرطوبة ودرجة الحرارة واتجاه سرعة الرياح.
وكشف التقرير أن مستويات الملوثات المختلفة في الهواء ترتبط بشدة بحالة الطقس، ومن أجل الحصول على لمحة عامة عن التوزيع المكاني للملوثات وتباينها، فقد تم تركيب مختبر متنقل في ستة مواقع موزعة بشكل جيد على كامل أراضي مدينة القنيطرة، وهي منطقة الساكنية، بير الرامي، محطة ولاد برجال، قلب مركز الدائرة الأولى، ولو فالون، المركز الجهوي للبحث الزراعي كلم تسعة.
خلال فترة القياس بالمواقع الستة تبين أن الطقس غير مستقر نسبيا، إذ يتراوح ما بين 15 و23 درجة مئوية وقد شهدت هذه الفترة تصاعد مستوى الرطوبة عموما بالإضافة إلى الأمطار من 10 أبريل 2014 إلى 16 دجنبر 2014. فالتساقطات تساهم في ترشيح هذه الجسيمات من جهة وتساعد على كشف احتمال تمديد الملوثات الأخرى.
ويشير تقرير المديرية أن PM10، أي الجسيمات الدقيقة سجلت في لوفولون قرب (مكتب مديرية الصحة) نسبة مرتفعة جدا، تفوق كثيرا عتبة المعلومات التي حددها مشروع النظام (150 ميكروغرام / M3 / ي).
من ناحية أخرى، فإن قيم NO2 وNO، أي ثنائي أكسيد الآزوت وأكسيد الآزوت مرتفعة نسبيا بالقرب من الدائرة الأولى، وهذا أمر طبيعي نظرا لحركة المرور التي يعرفها هذا المجال، إلا أنها تظل أقل من 250 غراما / M3 / ساعة. وتبين القيم المسجلة للجسيمات العالقة أنها تتجاوز هذه المعايير، خلال 13 و14 دجنبر 2014، وتصل على التوالي 241 و165 غرام / M3 / يوم. ولذلك، فإن عدد السكان المقيمين المحليين حول مقر المديرية الجهوية للصحة، هم عرضة لسمية الجسيمات الملوثة للهواء.
من ناحية أخرى، ففي الفترة التي تمتد من 2014/10/21 إلى 2015/01/15 تبين أن النسبة المئوية للمتوسطات اليومية من الغبار بلغت 90.4، وهي نسبة تتجاوز عتبة حماية الصحة بأربع مواقع بالمدينة خاصة بالقرب من موقع البناء، والتي يمكن أن تكون مصدرا محتملا لهذه الجسيمات.
ويرجع سبب الغبار أيضا إلى حرق بعض المواد الضارة كإطار العجلات والأسلاك.
أما SO2، وهو ثنائي أكسيد الكبريت فقد تبين أن القيم المسجلة تعتبر دون المستوى لحماية الصحة. وعلاوة على ذلك، فهذا الملوث يعرف ارتفاعا كبيرا في وقت متأخر بعد الظهر وخصوصا بالقرب من المركز الإقليمي للبحث الزراعي مما يؤثر على المصابين بالربو، والجهاز التنفسي.
وكشف التقرير أيضا أن حملات قياس جودة الهواء التي أجريت لستة مواقع بمدينة القنيطرة، أظهرت أن جودة الهواء تعرف تدهورا بشكل خاص بالقرب من مطرح النفايات، وأيضا بسبب الأنشطة الصناعية بالشمال الشرقي من المدينة، فضلا عن شروط الطقس التي ساعدت على نقل الجسيمات
بواسطة الرياح شمالية شرقية بالقرب من المركز الصحي الإقليمي بالقنيطرة.