مشروع الجينوم القرآني
بقلم: خالص جلبي
كما فعل العلماء بفك الجينوم البشري في لوس ألاموس، كذلك يعكف حاليا فريقان من العلماء الألمان على فك الجينوم القرآني.
كان الجينوم البشري لفك الكود الوراثي الراقد كاللوح المحفوظ في بطن كل نواة خلية، كذلك الجينوم القرآني راقد لوحا محفوظا في نصوص تتلى للضمير إلى قيام الساعة.
يتمتع الجينوم البشري بثبات مذهل خلاف الميتوكوندريا في السيتوبلاسما، كذلك النص القرآني يتعالى على قول البشر بنظم خاص، فليس هو بشعر ولا نثر، بل قرآن عربي غير ذي عوج.
يحتوي الجينوم البشري العضوي على ثلاثة مليارات حمض نووي، مترابطة على شكل جسر ملفوف صعودا، ويتكون الكود القرآني من 114 سورة، و6200 آية في 18 جزءا مكيا، و12 جزءا مدنيا، و77439 كلمة في 320015 حرفا، في 28 سورة مدنية و86 سورة مكية، نزل دفعة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم نزل على مكث تنزيلا، ونفهم ذلك الآن حين نرى أقراص الليزر ونقل المعلومات عبر القارات بكبسة زر.
وكما فتح مشروع الجينوم البشري الطريق إلى فهم الإنسان، كذلك فإن مشروعا من هذا القبيل ينتظره العالم الإسلامي، كوصفة خلاص نفسية اجتماعية للجنس البشري.
ومشروع الجينوم القرآني يبدأ حاليا من أرض الجرمان، بمشروع سموه «مشروع الماموت Mammutproject»، نسبة إلى الفيل العملاق المنقرض، بدأته عالمة ألمانية مستشرقة هي «أنجيليكا نويفيرث Angelika Neuwirth»، بميزانية مليوني أورو، ولفترة سوف تمتد لثماني عشرة سنة.
سوف يقوم الفريق الأول بوضع «بنك معلومات Databank» لكل ما يتعلق بالقرآن، والثانية في تحليل العمل الأول، ما يشبه دراسة التشريح والفيزيولوجيا في الطب، وما يلحقه مع علم النسج والتشريح المرضي، في محاولة فهم الجو الديني والحقبة التاريخية التي عاصرت انبعاث الإسلام، في محاولة إعادة تصنيعها للاقتراب من فهم أفضل للنص القرآني.
وأنا شخصيا كنت قد عرضت على الناشر في المؤسسة السعودية للأبحاث والنشر أن نقوم بوضع لوغاريتم قرآني، على شكل آيات مفتاحية، وأجنة قرآنية، لتسهيل فهم القرآن على المسلم وغير المسلم المعاصر، فتحمس رحمه الله «هشام حافظ» للمشروع، ثم جاء من أفسد الفكرة وطمس النور.
وما زال في نفسي هذا المشروع، وأنا أرى غيري من الألمان من يسبقوني إلى مشروع عملاق من هذا النوع، الذي نحن في أمس الحاجة إليه. هذه المرة سيؤدى بالدقة الألمانية المعهودة.
والفريق الأول الذي سيعنى ببناء بنك للمعلومات القرآنية سوف يحشد ويجمع كل ما يتعلق بالقرآن، مثل النسخة التي عثروا عليها في اليمن في السبعينات (1973م)، وكانت غير منقطة وبدون تشكيل؛ فمثلا المستشرق «غيرد روديغر بوين Gerd-Ruediger Puin»، يريد من خلال النسخة اليمنية إعادة كتابة الفترة الأولى من تاريخ الإسلام.
وتقول مجلة «المرآة» الألمانية في عددها الأخير من عام 2007م، والتي جاءت معنونة عن القرآن «الكتاب الأعظم أثرا في حياة الناس»، كيف يمكن فهم الآيات التي تدعو إلى التسامح وتلك التي تدعو إلى القتال؟ وهل يمكن أن يظهر «تأويل» جديد للآيات، وأن يحدث إصلاح ديني، كما تم في أوروبا بنهوض البروتستانت من رماد الكاثوليك والحروب الدينية؟
والسيدة نويفيرث (64 عاما) عاشت في الشرق فترة، ويساعدها اثنان من الباحثين، هما «نيكولاي سيناي Nicolai Sinai» و«ميشيل ماركس Michael Marx»، هي التي ابتدعت هذا المصطلح «الجسم القرآني Corpus Coranicum»، ودعت إلى دراسة متأنية لفهم المسلمين على نحو جدي.
وتقول السيدة إن القرآن سوف يوضع تحت المجهر كلمة كلمة، وسوف يدرس كرونولوجيا، ودراسة السور ستكون مثل البناء الميكروسكوبي «microstructural». فالقرآن لم تنزل فيه أطول سورة ابتداء، بل من المعروف أنه نزل على مكث بسور قصيرة وبكلمة «اقرأ»، لفتح الدماغ وتنشيط الوعي، ولكن العرب اليوم لا يقرؤون، ولو قرؤوا ما فهموا ولا ينبئك مثل خبير.
ولكن الألمان بوجه خاص، ولعدم وجود تاريخ استعماري مع العرب، رشحوا اللغة الألمانية أن تكون اللغة الثانية بعد العربية في دراسات المستشرقين، ومن ينظر في عملهم للحديث الشريف يصاب بالذهول من دقة عملهم وصبرهم، وطول اشتغالهم وإنفاقهم على الأبحاث.
وحين ظهر كتاب «فهرس الحديث»، الذي ضم مدخلا لكل حديث ومظنة وجوده في أي صحيح من الصحاح التسعة، كان ثمن الكتاب يومها 25 ألف ريال، حتى سرقه البعض واشتريناه بأقل من ذلك بكثير، وهو في مكتبتي ويستفاد منه. وبعد الإنترنت وأقراص الليزر تسهلت الأمور كثيرا.
وتقول السيدة نويفيرث إن مستشرقا ألمانيا من جامعة بون، هو «ستيفان فيلدStefan Wild »، 70 عاما، دعي إلى السعودية إلى المدينة المنورة للمرة الأولى للمشاركة في مؤتمر الإسلام والدراسات الاستشراقية، وقد ضم جدول التوصية في فقرته 29، ما اقترحه الرجل من الجهد المشترك من المسلمين وغيرهم في الدراسات القرآنية. وهكذا فعلينا الانتظار حتى عام 2025، لنرى ماذا يتولد عنه المشروع، ولعله سيكون مثل كتاب الكرونيك الرائع الذي تنتجه الثقافة الألمانية في كل فن، عن تاريخ المرأة وتاريخ الطب والمسيحية والقرن العشرين والجنس البشري، وسيضم إليه الآن الجينوم القرآني.
فكما فك الكود الوراثي في الخلية، فسوف يتم تفكيك الآيات وتاريخها ونزولها.
والقرآن يقول: «أو لم يكن له آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل».
والقرآن يقول: «إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا، ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا، ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا».
نافذة:
يتمتع الجينوم البشري بثبات مذهل خلاف الميتوكوندريا في السيتوبلاسما كذلك النص القرآني يتعالى على قول البشر بنظم خاص فليس هو بشعر ولا نثر بل قرآن عربي غير ذي عوج