مشانق شهية
زينب بنموسى
أن أقدم على فعل الكتابة لك في هذا الوقت تحديدا وأنا محاطة بكل هذا الشقاء.. وأناملي اللعينة حبلى بالمجازات التي لن تغري قلب رجل مثلك.. فعل انتحاري شجاع!
ذاكرتي محطمة مثل آنية خزف يخزها الجفاء من كلّ جانب…، وقلبي موجوع كطفل يتيم يغزل أحلامه على شكل حلوى ويبيعها لأطفال غيره.
أن أكتب لك وكل مفاصل شوقي تؤلمني، وتذكرني كم أنا وحيدة، حزينة وبائسة حين أفلت قلبي من بين يدي، وتركته طوع بنان رجل كل ما يستطيع فعله هو التربيت على كتفي بقلب زائف. أَأنا بكل تلك الجرأة؟
لا أفعل شيئا هذه الفترة غير جر ساق الأبجدية العرجاء نحوك، أغطي ترددي المؤذي بغطاء من قش، أحاول فقط أن أدفن الحزن المستقر تحت أجفاني، بين أضلعي، في قعر الذاكرة الفارغة من سواك، وفي كل ثنايا الجسد التي لا تطالها أعين الغير.
كرغبة ضالة، ضائعة، جائعة لا تعرف الرضا تلتصق صورة وجهك بذاكرتي، تدق كل يوم في نعش قلبي مسمارا من حديد ساخن، وتقرأ فوق رأسه آيات مما نقشه قيس في حب ليلى، وما بكته الخنساء في رثاء صخر.
أسدل قميص النوم على جسمي، أنزلق تحت الغطاء، أكوم ساقي وأخبئ رأسي في حضني، ذراعاي ملتفتان حول صدري أشده بانفعال كمن يشد لجام شهوته، أفعل كل ما يمكن لقمع رغبتي المتزايدة فيك على نحو مجنون.
أعرف الآن أني لن أطالك ولن أستطيع الاقتراب أو بالأحرى أقرر ألا أقترب، وأوثر أن أكتفي كجميع من مروا قبلي على هذا الطريق بالمشاهدة والابتسام ببلاهة لعل معجزة من السماء تأتي يوما ما وتنقذ هذا الجنين الذي بدأ يتكون في قلبي على شكل حب، قبل أن أجهضه!
أحارب بجد دفاعا عن مشنقة الحب الشهية التي علقتها لنفسي بعد أن غزلها شوقي من خيوط وجعك، وأحافظ ما أسعفني ذل الحب على الصورة الشهية التي علقتها بعناية على باب محرابك: صورة امرأة صلبة، دافئة تحسن رسم البسمة على وجوه من حولها، وتحول رماد الفرح داخلها إلى صبر، وتقتلع كلما اقتضى الأمر شوك المشاعر من أعماق فؤادها بيدين عاريتين…وتمضي!
أعرف تماما شعور أن تواجه موجة ضخمة في أعماق بحر هائج، لا أحد لينقذك منها غير ذراعين وجلتين، ولا سبيل لتجاوزها غير التسليم بالغرق كحل أخير… لا وجود لقشة غريق تستنجد بها.. لا أفق، ولا بصيص أمل، وحتى نقطة الضوء الأخيرة التي تظهر في آخر النفق لا علاقة لها بالأمل، ويبدو فعلا أنها ضوء قطار سيدهسنا جميعا أنا وأنت وجمهور النظارة هذا الذي يصفق لقصة حب لا يعرف عنها شيئا، ويظن أن النص مكتوب لرجل يعرف نفسه، هه ليتك تعرف نفسك لم أكن جشمتني مشقة كتابة كل هذه الكلمات التي تتناثر هنا وهناك، كنت ببساطة سأحمل نفسي إليك وأخبرك أني أحبك ثم أقبلك مرة أخرى. لكني اكتشفت اليوم أني أجبن من ذلك!
وعلى ذكر القبل، هلا أعدت لي شفتي السفلى؟ يبدو أني نسيتها في فمك منذ المرة الأخيرة.